” السيناريو ” الذي سيحسم مصير الرئيس السوري…‏ / ناجي س. البستاني

” السيناريو ” الذي سيحسم مصير الرئيس السوري…‏ / ناجي س. البستاني

من جولة إلى جولة يُحاول أكثر من طرف إقليمي ودَولي التوصّل إلى خريطة طريق لإنهاء النزاع ‏الدَموي المُستمر في سوريا منذ خمس سنوات حتى اليوم. لكنّ تعقيدات المسائل المطلوب حلّها ‏إنعكست مُماطلة للمحادثات، في حين أنّ تضارب مصالح القوى المعنيّة بالأزمة السوريّة إنعكس ‏بدوره صراعًا مفتوحًا، يتداخل فيه السياسي والدبلوماسي مع العسكري والأمني. والسؤال الأبرز ‏الذي يتصدّر المداولات خلف كواليس المُفاوضات، والذي تحوطه الإشاعات من كل حدب ‏وصوب، هو: هل سيبقى بشّار الأسد رئيسًا لسوريا في حال التوصّل إلى تسوية سلميّة دوليّة؟ ‏
بداية، لا بُد من الإشارة إلى أنّ الجولة المُقبلة من المفاوضات الخاصة بالأزمة السورية والتي ‏ستستضيفها جنيف مرّة جديدة، ستُركّز خُصوصًا على المواضيع التالية:‏
أوّلاً: التوصّل إلى وقف نهائي للنار، والعمل على إيصال المساعدات لعدد أكبر من المُحاصرين ‏والنازحين ضمن الحُدود السورية، علمًا أنّ الأمم المتحدة نجحت منذ سريان وقف النار (ولو ‏الجزئي) الأخير، في أن تطال المُساعدات نحو 260,000 سوري متواجد في مناطق مُحاصرة ‏جزئيًا أو كلّيًا، وهدفها رفع هذا العدد إلى أكثر من مليون شخص في غضون شهر واحد.‏
ثانيًا: إطلاق المُعتقلين من السجون الخاضعة لسلطة النظام السوري، والذين يبلغ عددهم نحو ‏‏47,000 مُعتقل، بحسب لوائح رفعها المُفاوضون عن “المُعارضات السوريّة”، علمًا أنّ السلطات ‏الرسميّة السورية تنفي هذه الأرقام، وتتحدّث عن موقوفين بتهم القيام بعمليّات “إرهابيّة” وليس عن ‏‏”مُعتقلين سياسيّين” كما تقول المُعارضة.‏
ثالثًا: التوصّل إلى هيئة حُكم إنتقالي في غضون الأشهر الستة المُقبلة، على أن تمنح سُلطات حكم ‏كاملة، وعلى أن تكون مهمّتها الأولى كتابة دستور جديد، تمهيدًا لتنظيم إنتخابات رئاسيّة وبرلمانيّة ‏جديدة في غُضون 18 شهرًا. ‏

بالنسبة إلى موضوع وقف النار، فإنّ الكثير من الأطراف الدَوليّين لا يمُانعون تثبيت الخطوط ‏الحالية لجبهات القتال، لكنّ المُشكلة تكمن في الجهة التي ستتولّى تطبيق وقف النار، والجهة التي ‏ستُشرف على عدم خرقه، وما إذا كانت ستتم المراقبة من الجوّ أم عبر قوّات برّية، علمًا أنّ النظام ‏السوري يرفض كلّيًا نشر أيّ قوّات لهذا الغرض، حتى لو كانت تابعة للأمم المتحدة. ‏
وفي ما خصّ موضوع المساعدات الدوليّة فهو مُرشّح إلى تحقيق نتائج أفضل بشكل تدريجي، ‏وهذا أمر طبيعي يتحقّق بشكل شبه تلقائي عند تراجع حدّة المواجهات العسكريّة في أيّ بقعة تشهد ‏صراعًا دمويًا أو حربًا ضروس. ‏
وفي ما خصّ موضوع إطلاق المُعتقلين فهو أكثر تعقيدًا ممّا يبدو عليه، علمًا أنّ النتائج الإيجابيّة ‏التي تحقّقت حتى اليوم تعود إلى مُبادلات بين النظام وخُصومه، وليس إلى إطلاق مُعتقلين من ‏جانب واحد. ‏
ويبقى الموضوع الأصعب المُتمثّل بالتوصل إلى هيئة حُكم إنتقالي، بسبب إستمرار الخلاف بين ‏كل من إيران وتركيا وروسيا والسعوديّة، من دون أن ننسى تأثير جهات أخرى مثل الولايات ‏المتحدة الأميركيّة والإتحاد الأوروبي والأردن، إلخ. وذلك بشأن من هي الأطراف التي تستحق أن ‏تُمثّل المُعارضة السوريّة. ‏
وبالنسبة إلى موضوع كتابة دستور جديد، فالمسألة دقيقة لأنّها مرتبطة حُكمًا بالوجهة التي ‏ستسلكها الإنتخابات الرئاسيّة والبرلمانيّة المُنتظرة. وبطبيعة الحال، إنّ المُشكلة الأبرز تتمثّل في ‏مسألة بقاء الرئيس السوري بشار الأسد في السلطة أم عدمه، وفي المدة الزمنيّة المُفترضة في حال ‏بقائه. وبالنسبة إلى النظام السوري، فهو يجهد لقطع الطريق على أي “سيناريو” يُؤدّي في نهاية ‏المطاف إلى رحيل الرئيس الأسد، تارة عبر طرح فكرة حكومة وحدة وطنيّة وطورًا عبر إعلان ‏موعد قريب لإجراء الإنتخابات النيابيّة بشكل يُبقي القديم على قدمه. في المُقابل، لا تزال ‏‏”المعارضات السوريّة” والقوى الإقليميّة من ورائها، ترفض كلّيًا أي دور للأسد في المرحلة ‏الإنتقالية، بينما لاحظنا إستعدادًا غربيًّا مُتصاعدًا للمُوافقة على بقاء الرئيس السوري في السلطة، ‏في حال جرى تحديد موعد نهائي وغير بعيد لرحيله. ‏
في الخلاصة، لا شكّ أنّ الجهات الأكثر تفاؤلاً بالنسبة إلى مُستقبل سوريا، تتحدّث عن عمليّة ‏تفاوض طويلة قبل التوصّل إلى خطوط عريضة للحلّ. وفي الإنتظار، إنّ مصير الرئيس الأسد ‏غير مُرتبط بالوقائع العسكريّة التي جرى فرضها على الساحة السورية، بقدر ما هو مرتبط بلعبة ‏التوازنات الإقليميّة والدوليّة التي يتمّ رسمها حاليًا، بحيث يُشكّل مصير الرئيس السوري جزءاً ‏مُكمّلاً لسيناريو الحل الذي يعمل المُجتمع الدولي على فرضه في سوريا، والذي ستُقدّم فيه كل ‏الجهات المعنيّة بالصراع، تنازلات مُهمّة في مكان لتحصد مكاسب عدّة في مكان آخر. لكنّ الوقت ‏لا يزال باكرًا لتبيان الخيط الأبيض من الخيط الأسود في هذا الإتجاه، في إنتظار مرور أشهر عدّة ‏من عمليّات شدّ الحبال السياسيّة الحالية. ‏

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى