اختبار الثانوية العامة في الأردن: أزمة متكررة وحاجة مُلحّة للإصلاح الجذري

#اختبار_الثانوية_العامة في #الأردن: أزمة متكررة وحاجة مُلحّة للإصلاح الجذري

بقلم: د. خالد حسين العمري – خبير في القياس والتقويم التربوي

قد يكون حديثنا هنا موجها للمركز الوطني لتطوير #المناهج أكثر منه لوزارة التربية والتعليم، فهو مُقبل على حمل مسؤولية إعداد امتحانات الثانوية العامة في القادم القريب بناء على قرارات مجلس الوزراء، والهدف من ذلك أن يكون التقويم من جهة خارجية لمخرجات وزراة التربية والتعليم، ولتكون الأسئلة منطلقة من بنوك أسئلة وطنية تم تشكيل اللجان لإعدادها، وهنالك وحدة للقياس والتقويم تشرف على هذا العمل، ومما لا شك أن وزارة التربية والتعليم الأردنية تحرص دائمًا على مصلحة أبنائها الطلبة، وتؤكد باستمرار أن المرجعية الأساسية في بناء الاختبارات هي الكتاب المدرسي والمنهاج الرسمي. وهذا الحرص موضع احترام وتقدير من كل المعنيين بالشأن التربوي. وتُعد اختبارات الثانوية العامة (التوجيهي) في الأردن من أهم المحطات المفصلية في حياة الطلبة، كونها تشكّل البوابة الأساسية للالتحاق بالتعليم العالي. ولذلك، فإن كل خطأ أو خلل في إعداد هذه الامتحانات يترك أثرًا نفسيًا وأكاديميًا عميقًا على الطلبة وأسرهم، ويؤثر سلبًا على مصداقية العملية التعليمية بأكملها. والتجربة الأخيرة مع اختبار الرياضيات لعام 2025 فتحت الباب واسعًا للنقاش حول آلية إعداد الأسئلة، ومدى اتساقها مع المعايير الفنية والنفسية المطلوبة.

اختبار الرياضيات: تحديات فنية وتربوية

مقالات ذات صلة

رغم التصريحات الرسمية بأن الاختبار التزم بالمنهاج والكتاب المدرسي، إلا أن هناك ملاحظات تربوية جوهرية لا يمكن تجاهلها:

  • بعض الفقرات احتاجت إلى خمس أو ست خطوات للحل، ما يتجاوز التصور المعلن بأن الأسئلة تُحل في ثلاث أو أربع خطوات كحد أقصى. فالأسئلة الموضوعية (الاختيار من متعدد) لم تلتزم بمواصفة عدد خطوات الحل المعروفة، التي تفترض أن تُحل بخطوة أو خطوتين، وتُصاغ لقياس الفهم أو التطبيق السريع. وهنا سأضع توضيحا علميا موثّقا لعدد الخطوات ، وعدد النتاجات المعرفية التي يجب أن يقيسها سؤال الاختيار من متعدد
  • Haladyna, Downing, & Rodriguez (2002)“A Review of Multiple-Choice Item-Writing Guidelines”

وهذا من أبرز المراجع التربوية في مجال بناء الأسئلة، ويوصي بأن تكون فقرات MCQ قصيرة ومباشرة، لا تتطلب أكثر من خطوة أو خطوتين لحلها، خاصة في المواد التطبيقية مثل الرياضيات.

  • Popham, W. J. (2017). “Classroom Assessment: What Teachers Need to Know”

وهذا المرجع يُشير إلى أن أسئلة الاختيار من متعدد MCQs في الرياضيات ينبغي أن تتضمن خطوات قصيرة وبسيطة تتيح الإجابة في دقيقة واحدة إلى دقيقتين. والأسئلة التي تتطلب خطوات متعددة أو حسابات مكثفة غير مناسبة لصيغة الاختيار من متعدد.

  • Standards for Educational and Psychological Testing (AERA, APA, NCME, 2014):

ويوصي هذا المرجع بأن تكون الأسئلة من هذا النوع مناسبة للزمن، وأن تقيس ناتجًا تعليميًا واضحًا ومباشرًا دون تحميل الطالب عبء خطوات متعددة تشتت التفكير. في حين وجود أكثر من خطوتين يعني وجود أكثر من نتاج معرفي في ذات السؤال.

وهنا نجد أن غالبية الأسئلة الموضوعية وباعتراف الوزارة خطوات حلها يزيد عن ثلاث خطوات مما يعني خرق معايير أسئلة الاختيار من متعدد، مما يستدعي ضرورة تدريب السادة كتبة الأسئلة لاكتساب مهارات ومعايير كتابة الفقرات الموضوعية من قبل خبراء القياس والتقويم.

 لماذا يُفضل أن تكون خطوة أو خطوتين فقط؟

  • لضمان العدالة بين الطلبة في إدارة الوقت.
  • لتقليل الضغط النفسي الناتج عن التعقيد الزائد.
  • لقياس الهدف التعليمي المحدد بدقة دون تشويش أو تداخل.
  • تسهيل تحليل الصعوبة والتمييز إحصائيًا عند بناء بنك أسئلة.

الضغط النفسي في قاعة الامتحان: الطالب ضحية صامتة

من أخطر ما نتج عن هذا الاختبار هو الأثر النفسي السلبي المباشر على الطالب أثناء تقديم الامتحان. فوجود سؤال أو أكثر شديد الصعوبة في بداية أو وسط الورقة الامتحانية يؤدي إلى ما يلي:

  • تشتيت التركيز الذهني، حيث يُستنزف الطالب ذهنيًا في محاولة فك رموز سؤال واحد، فيفقد التوازن في التعامل مع باقي الأسئلة.
  • الارتباك والقلق المتزايد مع مرور الوقت، خاصة إذا شعر بعدم قدرته على البدء بثقة.
  • تراجع مستوى الأداء العام، ليس بسبب ضعف الطالب، بل نتيجة الضغوط اللحظية التي تولدها بعض الأسئلة غير المتوازن

وهذه الحالة تكررت بحسب شهادات ميدانية من طلبة ومعلمين، حيث عبّر الكثير منهم أن “سؤالًا أو سؤالين” في الاختبار أفقدوهم التركيز على باقي الورقة، رغم معرفتهم المسبقة بالمحتوى الدراسي.

الطالب بين ضغط الامتحان وضغط السوق

لا يعيش الطالب في عزلة، بل يتعرض لضغط نفسي خارجي من:

  • المنصات التجارية التي تبيع الأوهام.
  • البثوث المباشرة التي تروّج لتسريبات زائفة.
  • نماذج التوقعات المدفوعة التي تُضلل الطالب وتُربكه.
  • الإعلام والمجتمع الذي يصور التوجيهي على أنه معركة وجود

كل هذا يُنتج بيئة تربوية سامة، يُصبح فيها الطالب ضحية لضغط مزدوج: من داخل القاعة بسبب صعوبة بعض الأسئلة، ومن خارجها بسبب السوق التعليمي الفوضوي.

الحل يبدأ من داخل الوزارة والمركز الوطني لتطوير المناهج

رغم نوايا الوزارة الطيبة، إلا أن الميدان التربوي بحاجة إلى أدوات قياس دقيقة، مدروسة، ومتوازنة، تراعي:

  1. بناء بنوك أسئلة إلكترونية وطنية، تحتوي على فقرات مجرّبة ومعتمدة بعد تحليل الصعوبة والتمييز.
  2. تجريب الأسئلة ميدانيًا على عينات مماثلة قبل استخدامها رسميًا.
  3. تدريب الكوادر على إعداد الفقرات وفق معايير القياس النفسي والتربوي.
  4. مراقبة السوق التعليمي الموازي، وتنظيمه بتشريعات صارمة؛ بما يحمي الطالب من التضليل والاستغلال.


خاتمة

إن امتحان التوجيهي ليس مجرد اختبار أكاديمي، بل أداة تربوية وطنية حساسة تؤثر على مستقبل الطلبة واستقرار المجتمع. ووزارة التربية، التي تعلن حرصها على مصلحة الطلبة، مدعوة اليوم إلى تحويل هذا الحرص إلى إجراءات مؤسسية واضحة، تضمن عدالة الامتحان، وتقلل من الضغط النفسي، وتعيد التوازن إلى قاعة الامتحان. فالعدالة تبدأ من السؤال، وتمر بالنفسية، وتنتهي ببيئة تعليمية آمنة وعادلة لكل طالب. وهنا لا بُدّ أن نشكر وزارة التربية والتعليم على حرصها على أبنائنا الطلبة، ونشكر لها تأكيدها على أن هنالك تقييما سيتم بعد التصحيح وسيكون هنالك معالجة إحصائية وتقويمية إن لزم الأمر.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى