منع التهجير وإعادة التعمير في القمّة العربية

#منع_التهجير و #إعادة_التعمير في القمّة العربية

دوسلدورف/أحمد سليمان العُمري

رغم التفاؤل الذي صاحب القمّة العربية الأخيرة، إلّا أنّها لم تخرج عن نمطها المعتاد: خطابات رنّانة، عبارات إنشائية، وبيانات تضامنية لا تُغني ولا تُسمن من جوع.

في الوقت الذي كانت القاعة تعُجّ بالكلمات عن الوحدة العربية والتضامن العربي، كان الجيش الإسرائيلي يواصل احتلاله في فلسطين؛ يمنع الماء والدواء والغذاء عن قطاع غزّة ويقتل المئات رغم اتفاقية وقف إطلاق النار، ويُحكم قبضته عليها بالحصار، لا بل وينقل آلة القتل من هناك إلى شمال الضفة الغربية ويصعّد انتهاكاته في سوريا ولبنان وسط صمت عربي لا يكسره إلّا صوت المزايدات الدبلوماسية.

مقالات ذات صلة

خطابات بلا خطوات

الرئيس السوري أحمد الشرع، في خطابه أمام القمّة، وصف عودة سوريا إلى الجامعة العربية بـ «لحظة تاريخية»، داعيا إلى تعزيز العمل العربي المشترك.

كلامه كان مُشجعا وراقيا من الناحية النظرية، لكنه يفتقر إلى أي خطوات عملية ملموسة، فما زالت سوريا ولبنان تحت وطأة التهديد الإسرائيلي، ولا يبدو أنّ «التضامن العربي» الذي يتحدث عنه القادة قادر على تغيير هذا الواقع، فبينما تجتمع الوفود داخل قاعة القمّة، تواصل إسرائيل عدوانها، ونتنياهو يتذرّع بـ «حماية الحدود»، متوسّعا في قضم الأراضي العربية.

في حين أن البيانات الختامية لا تتعدى إدانة لفظية اعتاد عليها الاحتلال ولم تعد تُثير لديه أي قلق أو تُحرّك ساكنا.

الوضع في #غزة: كارثة إنسانية مستمرة

أما في غزّة، فالوضع لا يقل كارثية؛ إسرائيل تواصل انتهاك اتفاق وقف إطلاق النار، وتفرض حصارا خانقا يمنع كُلّ مقومات الحياة عن أكثر من مليوني فلسطيني.

في الأسابيع الأخيرة، قُتل المئات في غزة والضفة الغربية، ونزح الآلاف من المخيمات، ومع ذلك، لم تجد هذه الكارثة الإنسانية مكان حقيقيا في القمّة إلّا عبارات جوفاء لا تحمل أي التزام فعلي، بينما تُظهر القوى الكبرى قدرتها على التدخّل الفاعل كما رأينا في الدعم الأوروبي العاجل لأوكرانيا بعد استهتار ترامب بزيلينسكي، تكتفي الأنظمة العربية بدور المتفرّج، وكأنها بانتظار «ضوء أخضر» من الخارج قبل اتخاذ أي موقف حقيقي تجاه غزّة والقضايا العربية.

خطاب السيسي والسلام المزعوم

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لم يحد عن هذا المسار الإنشائي، بل استغل القمّة ليواصل تسويق معاهدة السلام المصرية – الإسرائيلية كنموذج يُحتذى به، متجاهلا أن هذا «السلام» لم يمنع الحصار عن غّزة، بل زاده تعقيدا، فقد وصل عدد الشهداء في القطاع قرابة 50 ألف شهيدا و 112 ألف مصابا، فضلا عن أنّ الحياة فيه أصبحت أكثر من وصف المأساة، هذا السلام الذي جعل مصر جزءا من معادلة الضغط على الفلسطينيين بدل أن تكون منفذا لفك معاناتهم.

الأسوأ من ذلك، أنه تحدث عن قدرة ترامب على تحقيق السلام، رغم أن الأخير لم يكن سوى عرّاب الاحتلال، وداعما رئيسيا لتمدد إسرائيل في المنطقة.

خطابات السيسي حول «السلام» يُثير الكثير من الشكوك حول مصداقية هذه الخطابات في ظل الواقع المرير الموجع الذي يعيشه الفلسطينيون.

لافت للنظر؛ القادة العرب في قمّة القاهرة يتحدثون عن السلام وعن مبادرة السلام العربية في 2002، بينما قادة الإحتلال يتحاورون حول آلية قتل الفلسطيني وتهجيره إلى الأردن ومصر والسعودية، وكيفية مواصلة الإحتلال في الأراضي اللبنانية والسورية والسيطرة على الشرق الأوسط.   

الازدواجية في التعامل مع القضايا العالمية

التنافس الأوروبي على دعم أوكرانيا يُظهر أن القوى الكبرى تعرف كيف تتحرّك لحماية حلفائها، بينما القادة العرب لا يزالون يراوحون مكانهم بين القمم والبيانات التي لا تترجم إلى أفعال.

قرار الجزائر بالاعتراض على إقصاء بعض الدول العربية من صناعة القرار يعكس قلقا مشروعا من تفرّد بعض الدول بملفات حساسة مثل جرائم الحرب في غزّة، ومع ذلك، يبقى هذا القلق محصورا في إطار التصريحات، ولا يتطور إلى موقف عربي موحّد قادر على مواجهة الغطرسة الإسرائيلية.

أفعال أم شعارات؟

إن الممارسات الإقصائية التي تعيشها القمّة العربية تتنافى مع مبدأ التضامن العربي الغائب، والذي يدعو إليه القادة في خطاباتهم ولكنهم لا يترجمونه إلى خطوات عملية.

في قضية مركزية مثل جرائم الحرب في غزّة، تبقى الجامعة العربية عاجزة عن تقديم حلول حقيقية، بينما تُقدّم مشاريع بديلة مثل خطة مصر، التي تفتقر إلى الجرأة الكافية لمواجهة مخططات الاحتلال، فالقمة العربية هذه، رغم الظروف الإقليمية الملتهبة، لم تقدّم شيئا جديدا باستثناء المزيد من الخطابات التي لا تعكس حجم المعضلات الحقيقية التي تواجهها المنطقة.

الإلزام بإتخاذ خطوات عملية

في النهاية، تبقى القمم العربية مكانا للمزايدات الخطابية، بينما تدفع الشعوب العربية الثمن، فبين خطابات السيسي وأحمد الشرع، يظل الواقع العربي يعاني من الاحتلال والحصار، دون أن تتحرّك الأنظمة العربية بما يكفي لمواجهة هذه العقبات.

القضية الفلسطينية، التي تُعتبر قضية العرب المركزية، تبقى رهينة الخطابات الإنشائية، في وقت يحتاج فيه العرب إلى فعل حقيقي لمواجهة غطرسة نتنياهو التي تهدد المنطقة برُمّتها.

إذا لم تستطع الدول العربية هذه المرّة أن تحوّل رفضها الدائم والمتواصل إلى عمل حقيقي، باستخدام أوراقها التي يمكن أن تقضي على الهيمنة الأمريكية والإسرائيلية، فلن يتغيّر هذا الواقع ولو شيئا قليلا، لا بل سيأخذ بالتفاقم.

إنّ #الدول_العربية تمتلك أوراق ضغط كثيرة مؤثّرة: معاهدات التطبيع مرورا بالإتفاقيات الأمنية والدعم الاقتصادي ونهاية بالتأثير الدبلوماسي، ولكنها بحاجة إلى الإرادة السياسية لتوظيف هذه الأوراق لصالح الشعوب والمصلحة الوطنية.

لذلك تبقى الخطة المصرية «منع التهجير وإعادة التعمير» رهينة الموافقة الأمريكية – الإسرائيلية.

Ahmad.omari11@yahoo.de

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى