منذ أكثر من 15 شهراً تخوض فصائل #المقاومة_الفلسطينية في قطاع #غزة مواجهةً هي الأعنف والأطول في تاريخ #الصراع مع #الاحتلال الإسرائيلي.
استطاعت المقاومة الحفاظ عل أدائها العسكري بعد أن بادرت بالهجوم صباح يوم 7 تشرين أول / أكتوبر 2023، وسيطرت على القواعد العسكرية لجيش #الاحتلال في محيط قطاع غزة، فضلاً عن تمشيطها لكافة #المستوطنات المحيطة بالقطاع، وقتلها أسرها المئات من جنود الاحتلال والمستوطنين.
لم تقف حكومة الاحتلال بعد الصفعة ذلك الصباح، بل توعد رئيسها بنيامين نتنياهو وكافة وزرائه باحتلال قطاع غزة وتفكيك فصائل المقاومة الفلسطينية وهزيمة حركة حماس، واستعادة الأسرى الذين احتجزتهم المقاومة.
منذ الساعات الأولى لهجوم المقاومة شن سلاح جيش الاحتلال غارات مكثفة على امتداد مناطق قطاع غزة، ثم بدأ بشن الأحزمة النارية العنيفة، والتي أحدثت دماراً واسعاً في المباني السكنية والمرافق، فضلاً عن ارتكاب المجازر الدامية والتي أودت بحياة آلاف الفلسطينيين خلال الأيام التي سبقت الاجتياح البري، فيما كانت مجزرة المشفى المعمداني أحد أبرز المجازر التي حُفرت بالذاكرة الفلسطينية والتي أدت لاستشهاد أكثر 500 فلسطيني مساء 17 تشرين أول أكتوبر 2023.
وخلال تلك الفترة اقتصر نشاط المقاومة على القصف الصاروخي الذي استهدف عمق الأراضي المحتلة عام 48، وبعض الاشتباكات التي استمرت لأيام بين المقاومين وجيش الاحتلال داخل المستوطنات المحيطة بغزة.
الاجتياح البري ومواجهته
بدأ جيش الاحتلال باجتياحه البري لقطاع غزة مساء الـ27 من تشرين أول/أكتوبر 2023، بعد عشرون يوماً من الغارات الجنونية التي دمرت مناطق بأكملها، فيما توغلت دبابات الاحتلال في البداية ببلدة بيت حانون شمال القطاع، ومخيم البريج في المنطقة الوسطى، تحت غطاء ناري مكثف من الجو أدى لانقطاع الاتصالات وشبكات الانترنت عن القطاع، ثم بدأ جيش الاحتلال يعلن توسع عملياته العسكرية بالقطاع هدفه الأول بالقضاء على حماس واستعادة الأسرى.
وضعت هذه الأجواء مسؤولية على عاتق المقاومة بابتكار أساليب دفاعية فريدة ومنسجمة مع واقع الهجوم، فاعتمدت استراتيجية تجنب القصف الجوي والمدفعي المكثف من خلال عدم إنشاء خطوط دفاعية ثابتة عل الأرض؛ لتجنب استنزاف المقاتلين، ثم التركيز على مهاجمة قوات الاحتلال المتوغلة بشكلٍ خاطف وسريع.
ومنذ اللحظات الأولى للتوغل البري، ارتكزت المقاومة على أسلوب حرب العصابات من خلال مهاجمة أرتال الدبابات المتقدمة بالقذائف المضادة للدروع ثم الانسحاب التكتيكي، واستدرج جنود الاحتلال للكمائن المفخخة والاشتباكات المباشرة بالأسلحة الرشاشة، حيث وثقت فيديوهات المقاومة العديد من هذه الاشتباكات والعمليات.
على الأرض، بدأت المقاومة القتال ضمن استراتيجيات حرب العصابات وقتال المدن التي تكيفت من خلاله مع طبيعة المناطق وخصائص جيش الاحتلال، فعملت على الانطلاق المباغت بطريقة مترابطة قواعد الزمرة العسكرية، والعُقد القتالية، وشبكة الأنفاق، إضافة للمقاومين المدربين على اتخاذ القرار اللحظي وفق معطيات الميدان واقتناص الفرص المناسبة للهجوم، وتحقيق أعلى كفاءة ممكنة في مواجهة التحديات الميدانية، ويقع ذلك ضمن تكتيكات حرب العصابات والمدن.
ولعل المزج الذي اعتمدته المقاومة الفلسطينية بين حرب العصابات وحرب المدن، هو العامل الرئيسي الذي حافظ على قوتها وتماسك منظوماتها الهجومية على مدار 15 شهراً من القتال المتواصل والهجوم الجنوني الذي يشنه جيش الاحتلال براً وبحراً وجواً، والذي استخدم به أعتى الذخائر.
ومن منظور العلوم العسكرية، فإن قتال المدن يعتبر من أشد أنواع القتال دموية وشراسة، إذ يستنزف القوات المقتحمة بدرجة كبيرة عبر توظيف البيئة العمرانية لصالح المقاومين والمدافعين، من خلال معرفتهم تعقيدات المنطقة وطبيعتها ، فيما تختلط فيه خطوط التماس وتُفرض معارك ضارية على مستوى الشوارع والأبنية، فضلاً عن الكمائن المعقدة، التي يصعب كشفها بواسطة التقنيات التكنولوجية الحديثة التي تعتمد عليها الجيوش النظامية، وهو ما وقع به جيش الاحتلال منذ اليوم الأول في توغله بقطاع غزة حت يومنا هذا، حيث ما زال يقع جنوده بالكمائن القاتلة والتي شهدت آخرها بلدة بيت حانون شمال القطاع.
وتكمن خطورة القتال في المدن بالمسافة القريبة التي تفرضها طبيعة المكان، والتي تخشاها الجيوش النظامية، دون مقدرتها الحسم بالتقنيات التكنولوجية والغطاء الجوي عند الاشتباكات من مسافة صفر وعمليات القنص وهو ما أتقنته المقاومة سواء كان بقنص جنود الاحتلال بالبنادق، أم باستهداف الدبابات والآليات بالقذائف المضادة للدروع.
وأكدت صحيفة “تلغراف” البريطانية في تقرير نشرته مسبقاً ، أن “المقاومة الفلسطينية أخذت بعض التكتيكات الدفاعية الحضرية الشائعة ووضعتها على مستوى لم يره أحد من قبل، وهو ما وصفه خبير الحرب في المناطق الحضرية في أكاديمية “ويست بوينت” العسكرية بالولايات المتحدة، جون سبنسر، بأن غزة أثبتت أنها واحدة من أصعب المعارك الحضرية في التاريخ، حتى بالمقارنة مع الموصل أو ستالينغراد، مشيرًا إلى أن المقاومة كان لديها “15 عامًا للاستعداد لهذه اللحظة”، وأنها عملت جاهدة “لتحويل كل شبر إلى مشكلة لأفضل جيش في العالم”.
سر الصمود ومواصلة القتال
خلال شهور المعركة، أثبتت المقاومة الفلسطينية قدرتها على الصمود والقتال في أشد الظروف تعقيداً وصعوبةً وتحت وطأة الحصار والحرب، ولعل عملياتها المتواصلة تؤكد مدى تنظيمها الدقيق لصفوفها وإنشاء شبكة معقدة من الخطوط والأنفاق التي تتيح لها التواصل والتحرك وحتى إنتاج السلاح وتخزينه، والجهوزية العالية للظروف الطارئة.
ولعل تجارب فصائل المقاومة بالمواجهة البرية خلال حرب عام 2014 والتصدي لعدوان 2008 – 2009 قد أكسبها نوعاً من الخبرة في مواجهة تحركات جيش الاحتلال الواسعة، إذ اختلفت طريقته عن الاجتياحات التي ارتكز عليها خلال سنوات انتفاضة الأقصى، وباتت الاجتياحات مصحوبة بحرب واسعة النطاق والتدمير، في حين عملت المقاومة على تطوير خططها ذاتياً من خلال عدة مناورات أجرتها بشكل مشترك بين فصائلها، والتي أطلقت عليها اسم الركن الشديد عام 2020 والتي حاكت من خلالها مهاجمة معسكرات جيش الاحتلال وخطف جنوده والقتال البري.
وبشكلٍ ضمني فإن قدرة المقاومة على القتال بذات الوتيرة دون تراجع منذ بدء المعركة، يعكس وضعها لخطط استراتيجية مسبقة درست ووضعت فرضيات كافة التطورات الميدانية التي من الممكن أن يستحدثها جيش الاحتلال كالتمركز بمناطق واسعة من قطاع غزة، وإنشاء محاور رئيسية له كمحور نتساريم، والذي نجحت المقاومة بالتسلل إليه وتنفيذ عمليات ناجحة في داخله، إضافة لجعله تحت وطأة القذائف الصاروخية بشكل يومي وعلى مدار شهور طويلة.
فضلاً عن ذلك فإن العمل المشترك بين كافة الفصائل كان السمة الأبرز في المعركة، حيث نفذت فصائل المقاومة بشكل مشترك مئات العمليات التي تنوعت بين القصف الكمائن والمباغتة، ما يعكس مدى عمق التنسيق المشترك والترابط بينها في الميدان والخطط بشكل يصعب فصلها عن بعضها أو قطع تنسيقاها.
كافة هذه العوامل قد ساهمت بصمود المقاومة واستمرار عملياتها العسكرية المؤلمة لجيش الاحتلال دون أي تراجع أو انهيار أو فوضى بالمواجهة في مختلف مناطق قطاع غزة.
الهيكل التنظيمي واستحالة الانهيار
جمعت فصائل المقاومة خلال السنوات الأخيرة وعلى وجه الخصوص كتائب القسام، المزج في بنيتها التنظيمية بين الجيش المنظم والمجموعات القتالية، من خلال هيكل هرمي بهيئة أركان مركزية، ومجموعات نخبة عسكرية قادرة على القتال واتخاذ القرار اللحظي وفق معطيات الميدان، وخلال انقطاع الاتصال مع القيادة المركزية، وهو ما برعت به المقاومة خلال الحرب.
صُمِمت هذه النخب لتكون قادرة على تنفيذ عمليات دقيقة في أصعب الظروف الميدانية ومن وسط الدمار، ما جعل المقاومة تبدو في مظهرها أقرب إلى الجيوش الصغيرة، والحفاظ على طبيعتها كعصابات عسكرية غير نظامية تنتشر وتنفذ عمليات بشكل مباغت ومربك لقوات الاحتلال.
واستفادت المقاومة من هذه البنية بحماية نفسها من الشلل أو تعطيل نظامها القيادي الهرمي، مع تحقيق مرونة ميدانية استثنائية، فاستثمرت في تطوير قدراتها الفنية والتقنية، إلى جانب تعزيز الجوانب اللوجستية والاستخبارية، إضافة للقدرة على إدارة العمليات بطريقة تضمن الحد الأدنى استنزافها من جهة، وتحافظ على عنصري المفاجأة والابتكار من جهة أخرى، وتحفظ الهيكلية من الإنهيار في حال اغتيال أحد القادة، كاغتيال قائد لواء الشمال بكتائب القسام الشهيد أبو أنس الغندور التي وقعت في شهر تشرين ثاني / نوفمبر 2023، فيما خاض اللواء بعد اغتياله مواجهة هي الأعنف ضد جيش الاحتلال بمختلف مناطق شمال قطاع غزة، ولا زالت مستمرة حتى يومنا هذا.
بهذه الوسائل التي بنتها المقاومة على مدار 18 عاماً من الحصار الخانق، استطاعت من خلالها مواجهة آلة الحرب الأشرس والأكثر دموية وبطشاً بالتاريخ، والإثخان بها على مدار عام ونيف، مع الحفاظ على تماسكها وديمومة عملها المقاوم من جهة، والاحتفاظ بأسرى الاحتلال الذين تم اختطافهم من جهة أخرى، بشكلٍ حير الاحتلال وأجهزته الاستخباراتية وحلفائه على مستوى العالم.