
#العقلية_الذكورية… إطار حداثي بمضمون متخلف
د. #لينا_جزراوي
في خضم التحولات الاجتماعية المتسارعة، يظلّ السؤال الأكثر إلحاحًا: هل تغيّرت فعلاً نظرة المجتمع إلى المرأة، أم أن مظاهر الحداثة لم تتجاوز السطح بعد؟ ما زالت العقلية الذكورية، رغم كل ما يُرفع من شعارات الانفتاح والمساواة، تتشبث بقوالب قديمة وأدوار تقليدية تشكّلت عبر عقود طويلة. وفي الوقت الذي تتغير فيه الأدوات واللغات والهياكل، يبقى المضمون الراسخ في الوعي الجمعي أكثر مقاومة للتبدل، وأصعب على التفكيك.
ليس من السهل زحزحة العقلية الذكورية؛ فهي أثقل من الجبال، وأعمق تجذّرًا من أن تُقتلع بمحاولات سطحية أو شعارات براقة. فالعقل الذكوري – في كثير من تجلياته – يواجه إشكالية حقيقية عند التعامل مع المرأة خارج القوالب التي نشأ عليها وألِفها. امرأةٌ ضعيفة، خاضعة، مطيعة، ومتلقيّة فقط… هذا هو النموذج الذي تم تكريسه في المخيال الجمعي، حتى لدى أولئك الذين يعلنون تحررهم من الصور النمطية.
وعند أول اختبار، يتكشف الواقع: صعوبة بالغة في استيعاب نموذج مختلف لامرأة مستقلة، وصاحبة قرار، ولديها توجهات فِكريّة . وكأن العقل الذكوري لا يزال عاجزًا عن رؤية المرأة خارج حدود الطاعة، وغير مؤهل للتعامل مع نموذج المرأة القادرة على التفكير والمبادرة وصنع المواقف.
لم أعد أراهن على انتقال المجتمع من التقليد إلى الحداثة دون تحوّل ثقافي حقيقي. فالعقل الذي يكتفي باستهلاك أدوات الحداثة دون وعي بقيمها، لا ينتج ثقافة حديثة، بل يكتفي – كما قال أحد المفكرين العرب – بإطار حداثي بمضمون متخلف. فالمظهر قد يخدع، لكن الواقع لا يكذب. وكم من أشخاص يتباهون بخطاب التنوير وحقوق المرأة، بينما تعجز قناعاتهم العميقة عن قبول امرأة صاحبة قرار، لأن برمجتهم القديمة لا تراها سوى تابع لا شريك.
قد يبدو الطريق نحو تغيير جذري في النظرة إلى المرأة طويلًا ووعرًا، لكنه ليس مستحيلًا. فالتغيير الحقيقي لا يتحقق بالشعارات ولا بالتجمّل الخطابي، بل بإعادة بناء الوعي وإحداث تحولات عميقة في الثقافة ذاتها. وما دامت هناك أصوات ترفض الاستسلام، وتؤمن بحق المرأة في أن تكون شريكة كاملة في القرار والفكر والمسؤولية، فإن الأمل يظل قائمًا. سنبقى نحاول، ونقاوم، ونفتح ثغرات صغيرة في جدار الموروث، حتى يصبح التغيير حقيقة لا جدال فيها، لا مجرد أمنية مؤجلة.
رئيسة الجمعية الفلسفية الأردنية


