
#أضرار #الأمطار_الغزيرة على #البيئة!
د. #أيوب_أبودية
تشكل الأمطار الغزيرة في الأردن، على الرغم من ندرتها، مصدر تهديد حين تسقط على أرض فقدت غطاءها النباتي وتدهورت تربتها عبر عقود من الرعي الجائر والتوسع العمراني العشوائي وغياب الاشجار وقطعها وعدم بناء السلاسل الحجرية والحراثة التقليدية التي تتبع كونتور الأرض لحجز المياه كي تمتصها الارض ببطء، ومنع انجراف التربة التي أتقنها اجدادنا .
فبدلاً من أن ترفد الأمطار المخزون المائي، فان الذي لا يتجاوز ما يتجمع منه سنوياً 150 مليون متر مكعب في السدود، بينما يضيع معظم المطر على شكل تبخر أولا ثم جريان سطحي سريع يجرف التربة السطحية الخصبة ونفاياتنا، ويُحدِث انهيارات في الجدران الاستنادية، وفي جوانب الطرق لغياب القنوات الإسمنتية المخصصة لتوجيه مسارب السيول، وفي بعض الجسور والعبارات وما إلى ذلك .
فضلا عن ذلك، يتكدس الطمي في السدود، فيقلّ حجمها الفاعل عاماً اثر عام، ما يعني خسارة مضاعفة لبلد ينتفع من تجميع مياه الأمطار بما قيمته نحو 75 مليون دينار سنوياً ثمناً للمياه باعتبار معدل تسعيرة الشريحتين الثانية والثالثة نحو نصف دينار للمتر المكعب الواحد، فيما تفوق كلفة الدمار اللاحق بفعل الفيضانات بالزراعة، والأبنية، والبيئة المبنية، والبنية التحتية من طرق وجسور، وتحديدا شبكات المياه والكهرباء وما إلى ذلك، اذ تفوق هذه الأرقام بكثير قيمة المياه المادية. طبعا نحن لا نغفل أثر المياه الايجابي على التنوع الحيوي وحاجتنا الماسة إلى المياه للشرب وحاجة الارض العطشى لها.
هذه الوضعية تجعل السؤال عن الحلول أكثر إلحاحاً من الشكوى. وبناء عليه، فان شح المياه التي اعتدنا عليها في السنوات الاخيرة والذي من المرجح أن تستمر ، فالعالم قد تغير بفعل سلوكنا، بل ربما يزداد الامر سوءا، لذا علينا التكيف والاستعداد.
أول هذه الحلول هو استعادة الغطاء النباتي بوصفه خط الدفاع الأول ضد الانجراف؛ عبر منع الرعي الجائر، وتشجيع زراعة النباتات الرعوية والأشجار الملائمة للمناخ الجاف. وثانيها هو إدارة مياه الأمطار بمنهج علمي يدمج حصاد مياه الجريان السطحي، وإنشاء قنوات إسمنتية أو حجرية على جوانب الطرق والأودية لمنع الانهيارات وانجراف التربة وأرضية الشوارع، وتوجيه السيول إلى خزانات أو برك صغيرة تغذي المياه الجوفية، او عمل سدود على مجاري الاودية التي تصب في البحر هدرا، وذلك لتخزين الطاقة الشمسية نهارا لاستخدامها ليلا ( تقنية تخزين الكهرباء في السدود).
كما أن إزالة الطمي من السدود بانتظام ورفع كفاءتها التخزينية ضرورة لا يمكن تأجيلها، لأن تراكمه يحوّل السد من أصل مائي إلى عبء مالي، بل ويشكل خطرا على استقرار السد لزيادة الضغط عليه، ويسد فتحات التصريف.
وفي المدى الطويل، لا بد من خطة وطنية صارمة لإدارة الأراضي، بحيث تمنع التوسع العمراني في المناطق الحساسة بيئياً، وتفرض معايير هندسية صارمة وتقييم للاثر البيئي للمشاريع وتصريف مياه الأمطار قبل الشروع في أي مشروع طريق أو إسكان.
إن الحدّ من الخسائر يبدأ من الاعتراف بأن المطر ليس عدواً، بل يصبح كذلك فقط حينما تغيب الإدارة السليمة والغطاء النباتي والحراثة الصحيحة وتسوية الاراضي وتنظيمها.



