تقييم عملية الطوفان

تقييم #عملية_الطوفان

د. #هاشم_غرايبه

منذ قيام المقاومة الإسلامية بعملية الطوفان قبل سنتين، شعر معسكر الاستسلام (ممثلا بالأنظمة العربية وأتباعها) بالأرض تتزلزل تحت أقدامهم، فقد اشتعلت مشاعر الشعوب التي اعتقدوا أنهم فرضوا عليها الواقع التطبيعي، وأصبح مشروعهم في مهب الريح، ويخشون تخلى ولي أمرهم (أمريكا) عن دعم كراسيهم المهتزة.
لذلك شنواعملية إعلامية مكثفة للتشكيك بجدوى هذه العملية، ولتبرير تقاعسهم عن نصرة إخوانهم، بالتوازي مع بذل الجهود المحمومة بالسر دعما للعدو، تشجيعا له على استئصال شأفة المجاهدين.
بعد الاتفاق الأخير على انهاء الأعمال القتالية، يمكن تقييم النتائج بقراءة موضوعية:
بداية من الضروري التفريق بين العمليات العسكرية التي تشنها الدولة ضد أخرى، وتلك التي تقوم بها جهة مقاومة ضد قوة احتلال، فالأولى تقاس بمعايير توافر القوة المتفوقة، أما الثانية فلم تخضع يوما لحسابات التوازن العسكري، بل دائما كان هنالك فارق هائل لصالح المحتل، لكن يعوض ذلك الروح النضالية المتفوقة لدى المقاوم الذي يدافع عن حق، فيما يقاتل المحتل لتحقيق المكاسب المادية، وشتان ما بين الدافعين.
لذلك فلا معنى للقول أنه يجب على المقاوم الانتظار لحين تحقيق القوة المكافئة، فهذا لن يتحقق بالمطلق، إذ أن المحتل يمسك بتلابيب الأمر، ولن يسمح بذلك أبدا، بل سيلجأ الى تيئيس من يفكر يالمقاومة بالتنكيل بمن يفكر في ذلك، ويشن عليهم ضربات استباقية مفرطة القوة.
ولنا في تجربة الثورة الجزائرية عام 1954 عبرة، فقد تخوف كثيرون من قيامها آذاك، خوفا من نتائجها الكارثية على المدنيين، خاصة بعد قيام المحتل الفرنسي عام 1945 بقمع مظاهرة سلمية تطالب بالتحرر بكل قسوة، إذ قتل فيها أكثر من أربعين ألفا.
لكن تبين فيما بعد أن توقيت قيامها كان صائبا، وكان نجاحها في تحقيق جلاء المحتل على المدى الطويل، أنسى المتخوفين الخسائر الهائلة، وتبين أنها لم تكن أكثر مما لو سكت المقاومون وقبلوا الاستسلام.
من هذا المنطلق يمكن القول أن الخسائر المادية في الجانب الفلسطيني، على ضخامتها، ستفرض أمريكا على العرب تمويل اعادة الاعمار، وأما البشرية فيعوضها الله ببركته، فنسبة الإنجاب في القطاع أعلى نسبة في العالم، بينما يفتقد العدو هذه المزية، فما يفقده لا يعوض مطلقا، بل هو هادم للكيان اللقيط، اذ ستتعزز الهجرة المضادة، لأن من استقدموا من مستوطنين من الخارج جاءوا بناء على وعد بسكن مجاني وعمل مجز، وليس لأجل ان يموتوا قتالا أو بالقصف الصاروخي.
أما النتائج الإيجابية فكانت عديدة أهمها:
1 – لما أن تحققت مقدمات وعد الله الثاني، المقدمة الأولى حدثت بتأسيس الكيان اللقيط عام 48 الذي جمع أشتات المغضوب عليهم في مكان واحد: “وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا” [الاسراء:104].
والمقدمة الثانية هي تحقق ما قضاه الله في سابق علمه: “وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ” [الاسراء:7]، فكيف سيدخل المسلمون المسجد الأقصى مرة أخرى بعد ان دخلوه لأول مرة في عهد عمر، ان لم يكونوا أخرجوا منه!؟، وهو ماحدث عام 67 .
والثالثة: في تحقق ما قدره الله بحق اليهود وهو: “فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ” [الإسراء:7]، فإثر ردهم الوحشي على عملية الطوفان فقد ساءت وجوه قادة الكيان، فاتهموا بممارسة الإبادة الجماعية، فأصبحوا منبوذين من كل شعوب الأرض، كما اسقطت ممارساتهم العنصرية أي تعاطف بناه الغرب، ولم يعد الآن من يؤيد الكيان اللقيط أو يصدق رواياته، وانتشر الوعي في كل بقاع الأرض، فلا تجد من يتعاطف معه، بل مع غزة، وأصبحت قضية فلسطين عنوانا للأحرار.
فما بقي من شروط تحقق الوعد الثاني إلا وجود “عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ” [الاسراء:5]، والذي كان مفتقدا في ظل تحويل كل الجيوش العربية عن عقيدة الجهاد الى مجرد قوات حفظ النظام الحاكم، فكانت المقاومة الإسلامية في القطاع هي الفئة الوحيدة المعتنقة لهذه العقيدة، لذلك فقد أهلتها هذه العملية لتلك المواصفه.
2 – أحيت الطوفان الآمال في نفوس الأمة، وأسقطت كل أوهام تعليق الآمال على المطبعين.
3 – أسقطت رهانات أعداء الأمة على قدرة الأنظمة على ترويض الأمة ووأد الروح الجهادية (الممانع الوحيد لأطماعهم).
4 – كشفت المنافقين، سواء العلمانيين منهم أو المتخفين تحت مسميات سلفية.

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى