
#تأملات_قرآنية
د. #هاشم_غرايبه
يعقد بين الحين والآخر، مؤتمر هنا وهناك تحت عنوان: الحوار بين الأديان أو الوئام بين الأديان، وما الى ذلك من مسميات لا تهدف أساسا للحوار وتقريب وجهات النظر، بل لترسيخ الفكرة أن هنالك أديان متعددة، لكل منها نهج مختلف فبعضها تسامحي وبعضها إرهابي، ومن ثم الخروج بنتيجة مؤداها أنها ليست جميعا من الله.
ما يثبت ذلك هو أن هذه المؤتمرات تعقد بشكل مكثف في الدول العربية والإسلامية، وليس في دول الغرب ولا الشرق، لأنهم يريدون إقناعنا نحن بالتخلي عن التمسك بالإسلام، واقناعنا بأنه رسخ كراهيتنا للبشر وولعنا بالقتل، وبالطبع من ينظمها هم من أبناء جلدتنا الذين هم إما مغفلون يستهبلهم أولئك الخبثاء، أو يستأجرونهم بإغرائهم بالمال والسلطة لتنفيذ مآربهم.
منطقيا لا يمكن للإله الواحد أن ينزل على البشر أديانا متعددة ويقول لهم اختاروا ما شئتم، لكن الأصح أنه أنزل دينا واحدا، إنما على مراحل زمنية متعددة على يد رسل متتالين، لكن جعل لكل منهم شرعة ومنهاجا ليسير عليه قومهم الى حين نزول الرسالة الختامية واكتمال الدين نهائيا، وبعدها لا يعود من حاجة الى رسالات أخرى فتنقطع النبوة ويكون صاحب الرسالة الأخيرة خاتمهم.
فعلام يكون الحوار إن كان الدين واحدا وتعليماته واضحة في كتاب ثبت قطعيا أنه لم يتغير فيه حرف منذ نزل؟.
لنتأمل في قوله تعالى: “هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ”.
هذه الآية تكررت في القرآن الكريم في سورتين بحرفيتها تماما، فقد جاءت الآية الثالثة والثلاثون من سورة التوبة، كما جاء ترتيبها التاسعة من سورة الصف.
لكي نعرف الحكمة من هذا التكرار الفريد نعود الى السياق الذي جاءت فيه في كل سورة.
في سورة الصف سبقتها الآية: “يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ” وجاءت في سياق تكذيب بني إسرائيل لرسالة المسيح عليه السلام ولبشراه إياهم بالرسالة الخاتمة.
أما في سورة التوبة فقد سبقتها آية مشابهة لكن باختلاف في الصياغة: “يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ”، وجاءت في سياق اتخاذ اليهود والنصارى أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله .
فلنتأمل في هذا الفارق:
في الحالة الأولى جاءت (ليطفئوا) أي أن إرادتهم كانت باتخاذ بني إسرائيل الوسائل المؤدية لإطفاء نور الله المتمثل بهداية البشر بالرسالة الخاتمة، والوسائل هي التكذيب والتحريف.
في الثانية: أن يطفئوا تعني تنفيذ الإرادة، لأنها زمنيا متأخرة عن الحالة الأولى التي رافقت بداية دعوة المسيح، أما الثانية فقد كانت بعد نزول الرسالة المحمدية، وتوافق رهبان النصرانية مع أحبار بني إسرائيل على محاربة هذه الرسالة.
لذلك جاء الرد الإلهي على الحالتين واحداً: إنه متم نوره ولو كره الكافرون، والذين اعتبرهم الله كذلك رغم أنهم آمنوا برسله السابقين، لأنهم حرّفوا كتبه وعصوا رسله، فلم يعد لإيمانهم به من قيمة.
نخلص أنه كان هنالك تكذيبان الأول من بني إسرائيل لدعوة المسيح لهم لاتباع النور الذي سيأتي على يد أخيه محمد عليهما السلام، والثاني عند ظهور الدعوة فعلا واجتمع أتباع الرسالتين معا على تكذيبها.
ولأن التكذيب كان مرتين جاءت هذه الآية مرتان، ولتؤكد أن ماجاء به الرسول الخاتم هو الدين الحق، ووعد تعالى أنه سيظهره على الدين كله، ولم يقل (الأديان)، وذلك يثبت أنه ليس هنالك أديان سماوية متعددة، بل الدين واحد وهو الاسلام، ودعا إليه كل الأنبياء والرسل الذين تناسلوا من ذرية من انقذهم الله بسفينة نوح، والمكذبون به هم من ابتدع مسميات متعددة ليبرروا تفريقهم الدين.