
#الاقتصاد_الصيدلاني في #الأردن: #الواقع، #التحديات، و #المستقبل
الدكتور قيس محمد العيفان
أستاذ مشارك في الاقتصاد الصيدلي والصيدلة الادارية والاجتماعية
كلية الصيدلة
جامعة العلوم والتكنولوجيا الاردنية
الاقتصاد الصيدلاني (Pharmacoeconomics) هو العلم الذي يهدف إلى تحديد وقياس ومقارنة تكاليف ونتائج الأدوية والخدمات الصيدلانية، بما يساعد على توجيه الموارد المحدودة في قطاع الرعاية الصحية نحو الاستخدام الأكثر كفاءة ورشداً.
على المستوى العالمي، اكتسب هذا المجال زخماً متزايداً مع ارتفاع تكاليف الرعاية الصحية وشح الموارد، مما عزز الحاجة إلى اتخاذ قرارات قائمة على مبدأ الفعالية من حيث التكلفة (Cost-effectiveness). وتُعَدّ الولايات المتحدة وإنجلترا والصين من الدول الرائدة في هذا المجال، بفضل ما تمتلكه من مؤسسات وأنظمة وطنية وبرامج أكاديمية داعمة.
أما في الأردن، البلد الفقير بالموارد، والذي يبلغ فيه نصيب الفرد من الدخل القومي الإجمالي نحو 4000 دولار، ويعاني من نسبة دين عام مرتفعة تصل إلى 90% من الناتج المحلي الإجمالي، فإن الحاجة إلى تبني الاقتصاد الصيدلاني أصبحت أكثر إلحاحاً.
يواجه النظام الصحي الأردني جملة من الضغوط والتحديات؛ أبرزها تشتت الخدمات الصحية بين وزارة الصحة والخدمات الطبية الملكية والمستشفيات الجامعية والقطاع الخاص، وهو ما يؤدي إلى هدر الموارد وضعف كفاءة الأداء. يُضاف إلى ذلك محدودية التأمين الصحي المدني، وازدياد أعداد كبار السن، وارتفاع معدلات الأمراض المزمنة، وتدفق اللاجئين بأعداد كبيرة، فضلاً عن التكاليف الباهظة للتقنيات الطبية الحديثة. ورغم كل ذلك، فقد شهد الاهتمام بالاقتصاد الصيدلاني نمواً ملحوظاً خلال السنوات الخمس عشرة الماضية، حيث بادرت الجامعات ومركز الحسين للسرطان والخدمات الطبية الملكية والمؤسسة العامة للغذاء والدواء إلى إجراء البحوث وتقديم التدريب في هذا المجال.
تُعدّ الجامعات الجهة الأكثر نشاطاً في الاقتصاد الصيدلاني ، إذ تعمل على بناء المعرفة الأساسية وإجراء الدراسات وتخريج الكفاءات المتخصصة. وفي القطاع العام، تستخدم وزارة الصحة أدوات الاقتصاد الصيدلاني بشكل محدود في إدارة قوائم الأدوية، بينما أدرجت المؤسسة العامة للغذاء والدواء بعض تطبيقاته في سياسة التسعير. ويبرز مركز الحسين للسرطان كمؤسسة رائدة في مجال تقييم التقنيات الصحية على المستوى الوطني، إذ ينفذ المركز دراسات اقتصادية، ويقدّم برامج زمالة لبناء القدرات المحلية. ولكن ومع كل ذلك، ما زال دمج الاقتصاد الصيدلاني في قرارات التعويض وشراء الأدوية على المستوى الوطني محدوداً، وغالباً ما يُختزل في تطبيق مبدأ “الأرخص المطابق”، وهو ما لا يعكس الاستفادة الحقيقية من هذا التخصص.
تواجه عملية التبني الكامل للاقتصاد الصيدلي في الأردن عدة معوقات، منها: قلة الدراسات المحلية، ضعف القدرات البحثية، محدودية جودة الدراسات المنشورة، انخفاض مستوى الوعي لدى صانعي القرار، شح التمويل المخصص للبحوث في هذا المجال، وغياب إلزامية إدماج الاقتصاد الصيدلي في السياسات الصحية. وللتغلب على هذه التحديات، هناك حاجة إلى خطوات عملية تشمل: إلزام استخدام الاقتصاد الصيدلي في قرارات شراء وتعويض الأدوية، توسيع برامج التدريب والشهادات التخصصية، دعم البحث العلمي في هذا المجال، وتعزيز التعاون بين الأكاديميا وصانعي القرار.
ختاماً، إن مستقبل الاقتصاد الصيدلي في الأردن واعد. فمع تزايد الخبرات المحلية، وتوفر الدعم المؤسسي، والاستفادة من التجارب الدولية، يمتلك الأردن قاعدة قوية لدمج الاقتصاد الصيدلي بشكل أوسع في نظامه الصحي. إن تحقيق ذلك سيُسهم في تعزيز اتخاذ القرارات الرشيدة المبنية على الأدلة، بما يضمن استدامة وعدالة وكفاءة أعلى في تقديم الرعاية الصحية.