زمن الابتذال العربي

#زمن_الابتذال_العربي

المهندس: عبد الكريم أبو زنيمة


يعيش المواطن العربي اليوم في ظروف اقتصادية واجتماعية وسياسية هي الأسوأ على مر التاريخ ، فاذا ما نظرنا الى جغرافيتنا وما تزخر به من موارد طبيعية كان علينا ان نكون في مقدمة شعوب العالم في رفاهيته ورقيه وحضاريته ، وليس من المفترض أن تكون هناك دولة عربية فقيرة فكلها تزخر بثرواتها ولكن هناك سوء ادارة وغياب ارداة وغياب للسيادة الوطنية ، للأسف فإننا نعيش على هامش الانسانية بل وأصبحنا عبئاً على الحضارة نفسها حيث الجهل والتخلف والتطرف والفقر والجوع ، بالرغم من كل ما نملكه من ثروات فليس لنا اية مساهمة في تقدم الحضارة العالمية وازدهارها، أساس تخلفنا عن ركب الحضارة وتطورها هو البيئة السياسية التي تحكمنا ، حيث العروش والسلطات المطلقة والدكتاتورية والقمع وغياب الحريات والمسائلة وتفشي الفساد .
أخطر ما انجزته هذه البيئة السياسية في عالمنا العربي هو طمسها للثقافة والتربية الوطنية واستبدالها بثقافة وتربية التفاهة والسخافة والميوعة وهو ما نعيشه ونلاحظه من انحطاط اخلاقي لا متسع للحديث عنه ، هذه البيئة اتاحت وفتحت وشجعت النكرات لتتصدر وتمتطي الفضاء الاعلامي والتربوي والثقافي والفني ليصبحوا ملهمين للأجيال وصولاً الى ما نعيشه اليوم من افراح ومهرجانات ورقص وغناء على جوع وجثث أطفال ونساء وشيوخ غزة بلا وازع ديني واخلاقي ، عندها ندرك ان المنظومة القيمية والاخلاقية والسلوكية العربية في خطر كبير وهذا ما عملت وتعمل عليه القوى الصهيوغربية من تجهيل وتغريب للأجيال الناشئة عن قضاياها الوطنية ، فإن رقصنا اليوم على جثث ابناء غزة فالمؤكد ان هناك من سيرقص ويغني على جثث ابناءنا وأحفادنا غداً، فمن لا يهب لاطفاء نار بيت جاره اليوم عليه الرحيل من داره غداً، لأن النار نفسها ستلتهمه !
ان لم نصحو ونتصدى ونتحرر من هذا الانحطاط ، عصر العهر والسفاهة والتفاهة والسماجة ، عصر الخلاعة والرخص والتجهيل والتجويع وإذكاء كل اشكال الفتن المذهبية والطائفية الذي خطط له ونفذ بعناية في عالمنا العربي وأنفقت عليه المليارات حتى تفوقنا عالميًا في البذاءة والتفاهة والسخافة بدلا من انفاقها على تطوير التعليم والعلم والابداع وتحسين الرعاية الصحية والخدمات والبيئة السياسية وتطوير القطاعات الانتاجية ..الخ ، كل ذلك جرى لقتل الروح والفكر الوطني العربي الجمعي ليسهل على القوى الرأس مالية التي تقف وترعى المشروع الصهيوني السيطرة والتحكم بعالمنا العربي والاستيلاء على ثرواته والتحكم بطرق التجارة العالمية .
هناك حقائق علينا إداركها وهي ان معظم دولنا العربية وحتى البترولية منها تعيش ازمات مركبة وغارقة في المديونية وساقطة عسكريا ، انظمة الحكم العربية التي تقيم علاقات مع الكيان العنصري يبدو انها لا تدرك ان العدو يتربص بها جميعا وكل ما يلزمه هو الوقت ، بالأمس شهد العالم وتغنى باتفاقية اوسلو وحل الدولتين ! وها هو الكيان انقلب عليها واعلن ضمه الكامل للضفة الغربية وغور الاردن ، وغدًا سينقلب على معاهدة وادي عربة وكامب ديفيد عندما يسنح له الوقت والوقت فقط .
امام هذا الواقع المؤلم على الاحزاب السياسية العربية والكتاب والمثقفين ومؤسسات المجتمع العربي الوطنية التصدي لهجوم التفاهة والابتذال وابراز كل ما هو وطني وترسيخ ثقافة ووعي مقاومة المشروع التوسعي الاستعماري الصهيوني ، على الجميع رص الصفوف وتوحيد الجهود وتبني مشروع وطني عربي تحرري بعيدًا عن المناكفات والخلافات ، كل من يدعم ويساند المقاومة العربية ايًا كان دينه ومذهبه وهويته فهو شريكنا في المشروع التحرري ، على الجميع نبذ الخطاب التحريضي الفتنوي والتشكيك وتبني الخطاب النضالي المقاوم لهذا السرطان ، ليس لنا اليوم الا عدو واحد ووحيد وهو الكيان العنصري الاستعماري الصهيوني ورعاته ، وكل من يتبنى غير هذا الخطاب فإما ان يكون جاهلاً لا يدرك المخاطر واما عدواً لأمته وحضارته وهويته وعقيدته .

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى