الدور ..

مقال الاثنين 7-12-2015
النص الاصلي
الدور
كان راضياً جداً بالمهمة، ويفتخر كثيراً لأنه أوكل بها دون غيره ..
في منتصف الحصة اذا ما أراد المعلّم ان يصحح الأوراق أو يكتب شيئاً على دفتر التحضير ،ينظر إليهم جميعاً ثم تقع عينه على زميلهم الجالس في عتمة المقعد الأخير ، مباشرة يدفع “الفتى ” زميليه من مكانهما وينطلق بين “الرحلايات” مسرعاً ، ثم يضع مؤخرته على كرسي المعلّم المغبرّ ويمسحه ببنطاله متحرّكاً بشكل بندولي حتى ينظفه تماماً وسط ضحكات طلاب الصف، ثم يحصد من المعلّم “كفّاً” على رقبته الملساء كأجرة مناسبة على التنظيف ويغادر مبتسماً بأسنان مكسرة إلى مكانه…وإذا ما أراد المعلّم أن يكمل الدرس ويكتب مسائل جديدة ، ولم يعثر على “المسّاحة” لتنظيف اللوح ، كان ينظر الى “نفس الصبي ” من جديد ، فيدفع الأخير زميليه ويركض مهرولاً نحو اللوح الخشبي ، ويباشر بمسح الكتابة بكمّيه وكفيه محاولاً ان يقلّد “مسّاحات السيارة” لينال ضحكات الطلاب التي تبرّد قليلاً من شعوره بالدونية..وبعد ان ينتهي من تنظيف السبورة ببلوزته القاتمة كان ينال ركلة مؤلمة من المعلم على مؤخرته كأجرة مناسبة على المهمّة حيث يتقبّلها بسرور كبير كأنها الوسام …طبعاً هذا الدور الذي تمناه وقبله على نفسه صاحبنا كان يقابله اتفاق ضمني الاّ يُسأل على تقصير أو يعاتب على “قلة فهم” أو يخرج من الصف على مسألة…فكان له ما أراد..
ومع ذلك كان الطلاب يستهجنون تصدّيه لهذه المهمة التي يمكن ان تقوم بها أي ممسحة توضع على الرف العلوي في الصف…لا بل حدث ما هو أكثر من ذلك ، فقد أحضر احد الطلاب الميسورين “مماسح” و”شرايط” أنيقة من بيته لتسدّ مكان الزميل العزيز في “البهدلة اليومية” ليكتشفوا ان الزميل نفسه قام بإخفائها وإلقائها خارج الصف حتى لا تحتل مكانه أو تسطو على مهمّته التي يعشق وبالتالي كي لا تكشف ضعفه وتخلفه العلمي…
ظلّ الزميل ينجح تلقائياً كل سنة بنفس الطريقة ،فكلما انتقل إلى صف مارس نفس وظيفة تنظيف الكراسي بجسده ، وتجاوز التوجيهي والجامعة وترقى بالوظيفة بنفس الأسلوب مع انحراف قليل في الأدوات وحركة التنظيف…مرّت الأيام ولم يعد يذكره أحد او يعرف شيئاً عن أخباره ….لكن بعض المقرّبين منه يؤكّدون أنه – نفس الصبي- الذي كان يقوم بــ”الدور”..يشغل الآن منصباً رفيعاً…وما زال يفرح لذات الركلة التي تأتيه كل صباح…

احمد حسن الزعبي
ahmedalzoubi@hotmail.com