75 عاما على النكبة والجريمة مستمرة

#سواليف

يحيي #الفلسطينيون، اليوم الإثنين، الذكرى الـ75 لعام النكبة (1948)، التي يُنظر إليها اليوم، أكثر من أي وقت مضى، على أنها شأنٌ راهن وفعلٌ مستمر جرّاء تفاقم سياسات التطهير العرقي والتهجير ومصادرة الأراضي وهدم البيوت والإعدام الميداني والاجتياحات والتضييقات على الشعب الفلسطيني، والتي تمارسها المؤسسة #الصهيونية الإسرائيلية باختلاف حكوماتها أو عصاباتها الصهيونية كما كان يطلق عليها قبل ذلك في كل أرض #فلسطين التاريخية.

والإجماع قائم اليوم على أن #النكبة مستمرة، وإن كانت أدواتها قد اختلفت، إذ أصبحت تتغلف بقوانين سُنّت ولا تزال تسن من قبل #الحكومات_الإسرائيلية لتُلائم استمرار عملية التطهير العرقي ولترتكب #جرائم_الاحتلال بتغطية وبغلاف قانوني، ولتبقى بوصلة الصهيونية سارية المفعول: “أكبر عدد ممكن من العرب على أقل رقعة أرض”. وفيما تشهد إسرائيل حكم أكثر حكوماتها تطرفاً، تعلو في الآونة الأخيرة أصوات التهديد من اليمين المتطرف بنكبة جديدة.

تهديد اليمين الفاشي بنكبة جديدة
ويقول الكاتب والمحلل أنطوان شحلت إنه “منذ أعوام عدة، تعلو في ذكرى النكبة الفلسطينية أصوات إسرائيلية استثنائية قليلة تشدّد على ضرورة الاعتراف بها لناحية تحمّل المسؤولية عنها، وبالأساس في سبيل المُضي قدماً نحو تجاوز تبعاتها التي لا تزال مستمرة”.

غير أن الأمر المُلفت، بنظر شلحت، “هو ما استجد في مواقف اليمين الإسرائيلي، حيث تراكمت أخيراً إشارات قوية تشي بأنه قام بالانتقال من مرحلة إنكار النكبة إلى مرحلة الإقرار بها وبفظائعها بغية التلويح علناً بالاستعداد لتكرار ارتكابها، كما انعكس ذلك في تصريحات عدد من المسؤولين الحكوميين والبرلمانيين في الفترة القليلة الماضية”.

في عام 1948، سقطت الجيوش العربية في اختبار قاسٍ أمام التاريخ، بعد أن أثبتت أنها غير قادرة على حماية بقاعها المقدسة أمام مهاجرين مُحتلين وعصابات مسلحة، وليس أمام إمبراطورية عظمى أو جيوش قاهرة. وبلغ العرب من الضعف أن اجتمعت جيوشهم في حرب على جماعة سُكانية لا يعادل عددها سكان عاصمة من عواصمها الكُبرى، فخسرت خسارة مُذلة وتشرَّد شعب من شعوبها بأكمله.

لم تُحَل حتى الآن الكثير من ألغاز حرب 1948، وكلما زاد التعمُّق في أحداث الحرب التي خاضتها الجيوش العربية في مواجهة العصابات الصهيونية على أرض فلسطين، ازدادت الأسئلة التي لا يوجد لها جواب شافٍ. وفي واقع الأمر، أتى أداء الجنود العرب في بعض المعارك مُستبسلا واستثنائيا إلى حدٍّ يجعلنا نطرح السؤال الآتي: هل خسر العرب لأسباب عسكرية حقا أم أن ثمَّة مؤامرة سياسية أفضت إلى الهزيمة؟ ويفرض ذلك السؤال نفسه لأننا لا نتحدث في عام 1948 عن إسرائيل المتطورة ماديا التي عرفناها طيلة العقود الماضية، بل نتحدث عن عصابات مسلحة لا تمتلك سلاحا متفوقا نوعيا على السلاح العربي، رغم ما حازته من دعم دولي. في هذا المقال سنحاول أن نعيد النظر من قرب إلى أسباب الهزيمة التاريخية في حرب 1948، التي تشكَّلت على آثارها أهم التحولات السياسية والاجتماعية داخل العالم العربي في السنوات اللاحقة.

خطط متخبِّطة وهيمنة بريطانية
على مستوى تمويل العمليات العسكرية، ظهر بون شاسع بين التمويل السخي الذي حظيت به العصابات الصهيونية، والتمويل الشحيح للجيوش العربية.
ظهر بون شاسع على مستوى تمويل العمليات العسكرية بين التمويل السخي الذي حظيت به العصابات الصهيونية، والتمويل الشحيح للجيوش العربية. (مواقع التواصل)
“لن أعترف بأن خطأ كبيرا قد ارتُكب بحق الهنود الحمر في أميركا أو السود في أستراليا بإحلال عِرق أقوى وأعلى نوعية مكانهما”.

شحذت الحرب وما حام حولها الكثير من النظريات والأساطير. ففي مصر ساد الحديث لعقود عن أن النظام الملكي أرسل الجيش بأسلحة فاسدة عن عَمْد، بينما شاع في العراق الحديث عن أن أحد القادة العسكريين في الميدان قال والحنق يملؤه: “ماكو أوامر”، بمعنى أن القيادة السياسية كبَّلت الجيوش عن القيام بدورها الصحيح لاستعادة أرض فلسطين. ولكن بعيدا عن تلك الروايات الشعبية التي تكشف لنا تصوُّرات الشعوب العربية عن جيوشها آنذاك، التي سنُفصل حقيقة بعضها في السطور القادمة، فإن هناك حقائق ثابتة تثير الدهشة بالفعل، منها مثلا العدد الضئيل للجنود على الجانب العربي، رغم أن عدد جالية المحتلين اليهود في فلسطين بلغ حينها نحو 650 ألف نسمة لا أكثر، في حين بلغ عدد سكان مصر وحدها نحو 19 مليون نسمة.

تمكَّنت الميليشيات الصهيونية من نشر ما لا يقل عن 29 ألف رجل على أقل تقدير مع انطلاق الحرب على خط القتال بتنظيم عالٍ، إذ كان جنودها قد اكتسبوا العديد من الخبرات في الحرب العالمية الثانية. ووفقا لمصادر عديدة، اقترب عدد المقاتلين الصهاينة من 70 ألف جندي، بل وزاد في الأيام العشرة الأخيرة من الحرب، ونحن نتحدث هنا عن المقاتلين وليس عن المُجنَّدين أصحاب المهام الجانبية مثل الطهاة. علاوة على ذلك، بلغ عدد أفراد المنظمات الصهيونية بحلول عام 1948 نحو 100 ألف شخص، بخلاف الوعاء العسكري الذي جنَّدت منه المنظمات الصهيونية أحيانا رجالها، وتكوَّن حينئذ من أكثر من مليون جندي جاهزين للقتال في أي وقت، منهم 600 ألف جندي يهودي خدموا في الجيش الأميركي أثناء الحرب العالمية، و500 ألف جندي حارب مع السوفييت، و70 ألفا مع الجيش البريطاني، و15 ألفا مع الجيش البولندي.

على مستوى تمويل العمليات العسكرية، ظهر بون شاسع بين التمويل السخي الذي حظيت به العصابات الصهيونية، والتمويل الشحيح للجيوش العربية. فقد أخذ مؤسس دولة الاحتلال “ديفيد بن غوريون”، وهو رئيس الوكالة اليهودية آنذاك، يُجهِّز لتجميع 500 مليون دولار من التبرعات للإعداد للحرب، وتدفقت عليه المساعدات بالفعل، لا سيَّما في لحظة أبدت فيها الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية تعاطفا مع القضية اليهودية. في المقابل، بلغت الميزانية المُعتمَدة للجيش المصري بتاريخ 4 مايو/أيار 1948 15 مليون جنيه فقط لا غير (يعادل 60 مليون دولار آنذاك)، ولذا طلبت الحكومة المصرية اعتمادا إضافيا قدره 4 ملايين جنيه (16 مليون دولار) للتجهيز للحرب.

دخلت مصر الحرب بعد يومين فقط من موافقة برلمانها على المشاركة، ولكن رئيس وزرائها “محمود فهمي النقراشي” كان لديه موقف متشائم من الحرب، ولم يعتقد أن الجيش المصري جاهز لاختبار عسكري حقيقي. (غيتي)
دخلت مصر الحرب في عام 1948 بعد مرور أكثر من ستين عاما على آخر الحروب التي خاضتها قبل الاحتلال البريطاني للبلاد عام 1882، ولم تفلح إلا في تنظيم عشرة آلاف مقاتل أضافت إليهم فيما بعد نحو عشرة آلاف آخرين في حالة التعبئة القصوى. أما الأردن فأرسل 12 ألف مقاتل، في حين أرسل العراق 15 ألف مقاتل، ودخلت سوريا بـ5 آلاف مقاتل فقط، وقدَّمت المملكة العربية السعودية نحو 3000 مقاتل، وشارك لبنان بنحو 1000 مقاتل. وعلى صعيد السلاح، لم يكن المشهد أقل تخبُّطا وعشوائية، فرغم أن التقدم التكنولوجي لصالح إسرائيل لم يكن فارقا، أتى حجم التسليح والطريقة التي تسلَّحت بها الجيوش العربية هزيلة مقارنة بالتنظيم والتدريب على الجبهة الصهيونية.

لعل تسليح وتجهيز الجيش في مصر كان الأكثر تخبطا من بين الجيوش العربية، فرغم أن مصر كانت الأكثر تحمُّسا وجدية لاعتبارات جيوسياسية معروفة، والأكثر رغبة في الانتصار على الدولة الصهيونية الوليدة، فإن القرار نفسه اتُّخِذ متأخرا ولم يسمح بتنظيم الصفوف والموارد كما ينبغي. فقد دخلت مصر الحرب بعد يومين فقط من موافقة برلمانها على المشاركة، وجدير بالذكر هنا أن رئيس وزرائها “محمود فهمي النقراشي” كان لديه موقف متشائم من الحرب، ولم يعتقد أن الجيش المصري جاهز لاختبار عسكري حقيقي. وبتاريخ 13 مايو/أيار، شكَّلت الحكومة المصرية لجنة لمحاولة الحصول على أي سلاح ممكن بأقصى سرعة لسد النقص الكبير في السلاح والذخيرة.

من هنا ظهرت قصة الأسلحة الفاسدة التي ردَّدها الكثيرون بعد ذلك لعقود، وهي في الواقع ليست كما يتخيلها الناس. لقد عملت اللجنة في إطار وقت ضيق لم تتمكَّن فيه من تسليح جيش، ومن ثم قامت اللجنة بدورها في ظروف غير عادية، ما أدى أحيانا إلى شراء أسلحة باهظة الثمن وبعضها لم يكن مطابقا للمواصفات، خاصة أننا نتحدث عن فترة كان مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة فيها قد أصدر قرارا بحظر بيع الأسلحة للدول المتحاربة في فلسطين. ومن ثم كان بديهيا أن يؤدي اللجوء إلى القنوات الخلفية لشراء السلاح إلى بعض الأسلحة الغالية ورديئة الصنع، بخلاف تلاعبات مالية أخرى. وقد ظل الملك فاروق والنقراشي باشا يحاولون البحث عن الأسلحة حتى في أثناء الحرب نفسها بسبب النقص الشديد.

كانت بريطانيا هي مَن تحكَّم في تسليح العرب، ومنعت عنهم السلاح حين شاءت، حيث تلكأت في تسليم صفقة تسليح متفق عليها مع العراق قبل الحرب حتى صدور قرار حظر التسليح.
كانت بريطانيا هي مَن تحكَّم في تسليح العرب، ومنعت عنهم السلاح حين شاءت، وتلكأت في تسليم صفقة تسليح متفق عليها مع العراق قبل الحرب حتى صدور قرار حظر التسليح. (مواقع التواصل)
بالإضافة إلى ذلك، كانت القوة الرئيسية في الجيش المصري تحت قيادة اللواء النواوي قد كُلِّفت بالمجهود الحربي، لكنها لم تمتلك وسائل نقل للجنود، ولذا تم الاتفاق مع شركة سياحة على القيام بالمهمة، بل ولم تتوافر خرائط دقيقة لتسهيل حركة الجيش. الأمر الآخر أن أغلب الدول العربية دخلت الحرب بالأساس تحت الضغط الشعبي من الجماهير العربية، وهو ما ذكره تقرير من الخارجية الأميركية بتاريخ 14 مايو/أيار 1948، وتحديدا ضغط الحركة الطلابية الناشئة كما حدث في العراق. وقد تقاعست الأنظمة العربية بوضوح بعد قرار التقسيم الصادر من مجلس الأمن مباشرة، وبدا التردُّد سيد الموقف، إذ إن فكرة إرسال الجيوش إلى فلسطين لم تحظَ بالحماس الكافي على مستوى الحُكام. وحتى الملك فاروق الذي أبدى فيما بعد حماسة واضحة تجاه الحرب، كان بعد قرار التقسيم مُتشكِّكا في جدواها، ورأى أنها يُمكن أن تضر بالقضية الفلسطينية دوليا.

باختصار كانت بريطانيا هي مَن تحكَّم في تسليح العرب، ومنعت عنهم السلاح حين شاءت، حيث تلكأت في تسليم صفقة تسليح متفق عليها مع العراق قبل الحرب حتى صدور قرار حظر التسليح. وبالعودة إلى الجيش الأردني، الأفضل من ناحية التسليح والتدريب، كان هناك اقتناع سائد حتى في القاهرة أنه لو حدث انتصار في تلك الحرب فسيكون عبر بوابة الجيش الأردني، بل وكانت هناك اقتراحات في العواصم العربية بأن يدفع العرب للأردن أموالا تعوضه عن علاقته ببريطانيا مقابل أن يقوم الجيش الأردني بالمهمة على الوجه الأمثل. لكن الواقع أن الجيش الأردني المتطور مقارنة بأقرانه، الذي انتصر بالفعل على الصهاينة في معركة القدس، كان تحت قيادة رجل بريطاني هو “غلوب باشا”، الذي أسيل الكثير من الحبر حول قرارته المثيرة للجدل، وأهمها تغييره للخطة في اليوم الذي سبق الحرب مباشرة، وتهديده للجيوش العربية بالانسحاب الأردني إذا لم توافق على التغيير الذي طلبه. علاوة على ذلك، كانت بريطانيا أكبر المستفيدين من هزيمة العرب خاصة مصر، لما يوفره ذلك من ورقة ضغط تكبح مطالب الجلاء المصرية بحُجة أن الجيش المصري ليس جاهزا لحماية المواقع الإستراتيجية في البلاد.

المصدر
العربي الجديد + الجزيرة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى