الصوم طريق وسبيل وتذكرة إلى الجنّة
ماجد دودين
الحمدُ لله الَّذي لا مانعَ لما وَهَب… ولا مُعْطيَ لما سَلَب… طاعتُهُ للعامِلِينَ أفْضلُ مُكْتَسب… وتَقْواه للمتقين أعْلَى نسَب… هَيَّأ قلوبَ أوْلِيائِهِ للإِيْمانِ وكَتب… وسهَّلَ لهم في جانبِ طاعته كُلَّ نَصَب… فلمْ يجدوا في سبيل خدمتِهِ أدنى تَعَب… وقَدَّرَ الشقاءَ على الأشقياء حينَ زَاغوا فَوَقَعُوا في العطَب… أعرضُوا عنْهُ وكَفَروا بِهِ فأصْلاهم نَاراً ذاتَ لَهب… أحمدهُ على ما مَنَحَنَا من فضْله وَوَهَب… وأشهَدُ أن لا إِله إلاَّ الله وَحْدهُ لا شريكَ لَهُ هزَمَ الأحْزَابَ وَغَلَب… وأشْهَدُ أن محمداً عبدهُ وَرَسُولهُ الَّذي اصْطَفاه الله وانتَخَبَ… صلَّى الله عَلَيْهِ وعلى صَاحِبه أبي بكر الْفائِقِ في الفَضَائِلِ والرُّتَب… وعلى عُمَرَ الَّذي فرَّ الشيطانُ منهُ وهَرَب… وعَلَى عُثْمان ذي النُّوُريَنِ التَّقيِّ النَّقِّي الْحسَب… وَعَلى عَليٍّ صهره وابن عمه في النَّسب… وعلى بقِيَّةِ أصحابه الذينَ اكْتَسَوا في الدِّيْنِ أعْلَى فَخْرٍ ومُكْتسَب… وعلى التَّابِعين لهم بإحْسَانٍ ما أشرق النجم وغرب… وسلَّم تسليماً
عن حذيفة رضي الله عنه قال: أسندتُّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى صدْرِي فقال مَنْ قالَ لَا إلهَ إلَّا اللهُ ابتغاءَ وجْهِ اللهِ خُتِمَ لَهُ بها دخلَ الجنَّةَ ومن صام يومًا ابتغاءَ وجْهِ اللهِ خُتِمَ له به دخل الجنَّةَ ومن تصدَّقَ بصدَقَةٍ ابتغاءَ وجْهِ اللهِ خُتِمَ له بها دخلَ الجنَّةَ “.
ورواه الأصبهاني ولفظه: “يا حذيفة من ختم له بصيام يوم يريد به وجه الله عز وجل أدخله الله الجنة”
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ” مَن أصْبَحَ مِنْكُمُ اليومَ صائِمًا؟ قالَ أبو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنْه: أنا، قالَ: فمَن تَبِعَ مِنْكُمُ اليومَ جِنازَةً؟ قالَ أبو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنْه: أنا، قالَ: فمَن أطْعَمَ مِنْكُمُ اليومَ مِسْكِينًا؟ قالَ أبو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنْه: أنا، قالَ: فمَن عادَ مِنْكُمُ اليومَ مَرِيضًا؟ قالَ أبو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنْه: أنا، فقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: ما اجْتَمَعْنَ في امْرِئٍ، إلَّا دَخَلَ الجَنَّةَ.
* وعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ” إنَّ في الجنَّةِ غرفًا يُرى ظاهرُها من باطنِها وباطنُها من ظاهرِها أعدَّها اللهُ لمَنْ أطعم الطَّعامَ وأفشى السَّلامَ وصلَّى بالليلِ والنَّاسُ نيامٌ… وألان الكلام وتابع الصيام… وصلى بالليل والناس نيام” .
الجنَّةُ هي أسْمى ما يَطلُبُ المُسلِمُ من ربِّه عزَّ وجلَّ؛ فدُخولُها هو الفَوْزُ المُبينُ؛ لذلك كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كثيرًا ما يُرغِّبُ أصْحابَه فيها، ويَصِفُها لهم، ويُوضِّحُ لهم بعْضَ نَعيمِها حتى يَجْتَهِدوا في الظَّفَرِ بها.
وفي هذا الحديثِ وصفٌ لبعضِ ما فيها وللأعمالِ التي تكونُ سببًا في الفوزِ به، حيثُ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: “إنَّ في الجنَّةِ غُرُفًا” جمْعُ غُرْفَةٍ وهي الحُجْرةُ، “يُرى ظاهِرُها من باطِنِها، وباطِنُها من ظاهِرِها”، أي: أنَّها غُرَفٌ شفَّافةٌ يَرى مَن بداخِلِها مَنْ خارِجَها، ولا يَرى مَن خارِجَها مَنْ بداخِلِها، كأنْ تكونَ من أَلْماسٍ أو دُرٍّ وياقوتٍ، ولا يَعلَمُ حَقيقَتَها إلَّا اللهُ.
فقال الصحابيُّ الجليلُ أبو مالِكٍ الأشْعريُّ رضِيَ اللهُ عنه: “لِمَنْ هي يا رسولَ اللهِ؟”، أي: لِمَنْ تلك الغُرَفُ التي يُرى ظُهورُها من بُطونِها، وبُطونُها من ظُهورِها؟ والتَّقْديرُ: ما هي الأعْمالُ التي إذا أتى بها صاحِبُها في الدُّنْيا ظَفر وفازَ بها في الآخِرَةِ؟ فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: “هي لِمَن أطابَ الكلامَ”، أي: لِمَن تكلَّم بطِيبِ الكَلامِ، وتَرَكَ قَبيحَه وشَرَّه، وهذه كِنايَةٌ عن حُسْنِ الخُلُقِ، “وأَطْعَمَ الطَّعامَ”، أي: وأَطْعَمَ الجَوْعى من الفُقراءِ والمَساكينِ، وهذه كِنايَةٌ عن الصَّدَقةِ والإنْفاقِ، “وباتَ قائِمًا والناسُ نيامٌ”، أي: وحافَظَ على قِيامِ اللَّيلِ والتَّهجُّدِ للهِ عزَّ وجلَّ، والناسُ في غَفْلةٍ نائِمونَ.
وفي الحديثِ: أنَّ الحِرْصَ على العِباداتِ، والزيادَةَ فيها سَبَبٌ لنَيْلِ الدَّرَجاتِ العُلْيا في الجنَّةِ .
الغرفات معدة للصائمين… وما أدراك ما الغرفات؟
قال رسول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ” ((إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تتراءون الكوكب الدري الغابر من الأفق من المشرق والمغرب لتفاضل ما بينهم قالوا: يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم. قال: بلى والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدّقوا المرسلين)) “.
قال تعالى: ”…كلوا واشربوا هنيئاً بما أسلفتم في الأيام الخالية”
قال مجاهد وغيره: نزلت في الصائمين.
من ترك طعامه وشرابه وشهوته لله يرجو عنده عوض ذلك في الجنة … من ترك شيئاً لله عوّضه الله خيراً مما تركه.
قال الحسن: تقول الحوراء لوليّ الله وهو متكئ معها على نهر العسل تعاطيه الكأس: إن الله نظر إليك في يوم صائف وأنت في ظمأ هاجرة من جهد العطش فباهى بك الملائكة وقال: انظروا إلى عبدي ترك زوجته وشهوته ولذته وطعامه وشرابه من أجلي رغبة فيما عندي اشهدوا أني قد غفرت له فَغَفَر لك يومئذ وزوّجَنيك.
من ترك لله في الدنيا طعاماً وشراباً وشهوة مدة يسيرة عوّضه الله عنده طعاماً وشراباً لا ينفد وأزواجاً لا يَمُتْن أبداً”.
مهور الحور العين طول التهجد وكثرة الصيام.
الحوراء هي المرأة الشابة الحسناء الجميلة البيضاء شديدة سواد العين ….يحار فيها الطرف من رقة الجلد وصفاء اللون …. يبدو مخ ساقها من وراء لحمها وعظمها و قد ارتدت ولبست مائة حلة من حرير، كل حلة على غير لون الأخرى وهي حلل رقيقة تستطيع جمعها في قبضة اليد لنعومتها ورقتها …. والحوراء يبدو – مخ ساقها من وراء حللها – كما يبدو الشراب الأحمر في الزجاجة البيضاء و ذلك بأن الله تعالى يقول (كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ (58) سورة الرحمن ، (كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ (54) سورة الدخان.
يرى الناظر وجهه في كبدها وصحن خدها و ترى صورتها في كبد زوجها وصحن خده من شدة صفاء اللون…. ((فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ (56)) سورة الرحمن .فالحوراء تقصر طرفها على زوجها و لا تنظر إلى غيره …. لها صفاء الياقوت في بياض المرجان … “(حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ (72)” سورة الرحمن . مقصورات قلوبهن على أزواجهن في خيام اللؤلؤ …….. .
(فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ (70) سورة الرحمن … خيرات الصفات والأخلاق والشيم… حسان الوجوه…. ” لو اطلعت امرأة من نساء الجنة إلى الدنيا لأضاءت ما بين السماء والأرض وملأت ما بينهما ريح مسك .. و لطمست ضوء الشمس كما تطمس الشمس ضوء النجوم ولآمن من على ظهر الأرض بالله الحي القيوم…….
“و لنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها” …. (كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ (49) سورة الصافات …. رقتهن كرقة الجلد الذي في داخل البيضة مما يلي القشرة، ولو أن يدا من الحور دليت من السماء لأضاءت لها الأرض كما تضئ الشمس لأهل الدنيا فكيف لو بدا وجهها ؟ ” وإذا دخل الرجل من أهل الجنة على زوجته قالت له والذي هو أكرمني بك ما في الجنة أحب ألي منك و يقول هو لها مثل ذلك”.
“مكتوب على صدر زوجة المؤمن من أهل الجنة: “أنت حبي وأنا حبك، لم تر عيني مثلك، انتهت نفسي عندك”…..و يسطع نور في الجنة فيرفع أهلها رؤوسهم فإذا هو من ثغر حوراء قد ضحكت في وجه زوجها .
الحور العين – و هذهِ الأخبار من كلام رب العالمين …. من كلام أجود الأجود ين وأرحم الراحمين …. و من أحاديث إمام الأنبياء و المرسلين و الصادق الصدوق الأمين – والحور العين في أجوف الخيام ينادين بأصوات لم يسمع السامعون بمثلها يقلن: أين خطابنا….. أين طلابنا….. أين رجالنا….. أين من نحن له؟
“نحن الراضيات فلا نسخط أبدا، و نحن الخالدات فلا نموت أبدا ، و نحن الشابات فلا نهرم أبدا ، ونحن الكاملات فلا نتغير أبدا ، و نحن الصادقات فلا نكذب أبدا ، و نحن الطيبات فلا نثفل أبدا ، ونحن خيرات حسان …..أزواج قوم كرام طوبى لمن كنا له و كان لنا”
و حديثها السحر الحلال لـو أنـه لـم يجـن قـتـل المـسلـم المتـحـرّز
إن طال لم يملل و إن هي حدثت ود المـحـدث أنها لـــم تـوجــز
وتسأل أم سلمه رضي الله عنها النبي “صلى الله عليه و سلم”
وتقول: “يا رسول الله أنساء الدنيا أفضل أم الحور العين؟”
قال : نساء الدنيا أفضل من الحور العين كفضل الظهارة على البطانة.(كفضل أعلى الشيء على أدناه )… قلت: يا رسول الله: و بم ذاك؟
قال : بصلاتهن و صيامهن و عبادتهن الله عز و جل ألبس الله عز و جل وجوههن النور ، وأجسادهن الحرير ، بيض الألوان ، خضر الثياب ، صفر الحلي ، مجامرهن الدر ، وأمشاطهن الذهب يقلن : ألا نحن الخالدات فلا نموت أبدا ، ألا نحن الناعمات فلا نبأس أبدا ، ألا نحن المقيمات فلا نضعن أبدا ، ألا نحن الراضيات فلا نسخط أبدا ، طوبى لمن كنا له و كان لنا .
قلت: يا رسول الله المرأة منا تتزوج الزوجيين والثلاثة والأربعة في الدنيا، ثم تموت فتدخل الجنة و يدخلون معها، من يكون زوجها منهم؟
قال : يا أم سلمة إنها تتخير فتختار أحسنهم خلقا فتقول : أي رب إن هذا كان أحسنهم معي خلقا في دار الدنيا فزوجنيه ، يا أم سلمة ذهب حسن الخلق بخير الدنيا والآخرة.
بعد هذا البيان بقي أن نستمع إلى قول الرحمن (خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26) سورة المطففين ، و((لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ (61) ) سورة الصافات .
أختي المؤمنة: بالإيمان و طاعة الحنان يمكنك أن تكوني سيدة وملكة خالدة على الحور العين في جوار رب العالمين ((إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ (55)) سورة القمر .
أخي المؤمن: بالإيمان وطاعة الرحمن يمكنك أن تفوز بجائزة مولاك ((وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (25) ) سورة البقرة …. و سلعة الله غالية …. سلعة الله هي الجنة ومن يخطب الحسناء لم يغله المهر والمهر
كان بعض الصالحين كثير التهجد والصيام فصلى ليلة في المسجد ودعا فغلبته عيناه فرأى في منامه جماعة علم أنهم ليسوا من الآدميين بأيديهم أطباق عليها أرغفة بياض الثلج فوق كل رغيف در كأمثال الرمَّان فقالوا: كل… فقال: إني أريد الصوم… قالوا له: يأمرك صاحب هذا البيت أن تأكل… قال: فأكلت وجعلت آخذ ذلك الدر لاحتمله فقالوا له: دعه نغرسه لك شجراً ينبت لك خيراً من هذا… قال: أين؟ قالوا: في دار لا تخْرب… وثمر لا يتغيّر… ومُلْكٍ لا ينقطع… وثياب لا تبلى… فيها أزواج رضيات… مرضيات راضيات فإنما هي غفوة حتى ترتحل فتنزل الدار فما مكث بعد هذه الرؤيا إلا جمعتين حتى توفي… فرآه ليلة وفاته في المنام بعض أصحابه الذين حدّثهم برؤياه وهو يقول: لا تعجب من شجر غُرس لي في يوم حدثتك… وقد حمل… فقال له: ما حمل؟ قال: لا تسأل لا يقدر أحد على صفته لم يُر مثل الكريم إذا حلَّ به مطيع” .
ألا خاطب في الصوم إلى الرحمن… ألا راغب فيما أعده الله للطائعين في الجنان… ألا طالب لما أخبر به من النعيم المقيم مع أن الخبر ليس كالعيان.
· من يرد ملك الجنان … فيلدع عنه التواني
· وليقُم في ظلمة الليـ … ـل إلى نور القرآن
· ولْيَصِل صوماً بصومٍ … إنّ هذا العيش فاني
· إنما العيش جوار الله في دار الأمــــــــــــــــان