سواليف
خلال السنوات الست الماضية، لم تتوقف مطاردة النظام المصري لأنصار الدولة الشرعية التي أفرزتها ثورة يناير/كانون الثاني 2011، أولئك الذين تمترسوا في ميادين الوطن في مواجهة النظام، من دون أن يدور في أذهانهم أنه من الممكن أن تعود عقارب الساعة إلى عصور الهمجية في أبشع صورها من أجل السلطة، بعد أن ذاقت مصر لذة الديمقراطية والحرية.
وقعت “الجريمة الغبية”، كما وصفتها دوائر سياسية محلية ودولية، مخلفةً وراءها جرحاً باتساع الوطن، وتضمنت إسقاط مئات القتلى والجرحى، وتخللها إحراق المستشفى الميداني والمركز الإعلامي، وإشعال النار في مسجد رابعة العدوية بالكامل، بمن فيه من ضحايا أحياء وأموات. لكن نظام الانقلاب فشل في إخفاء جريمته، رغم كثرة المحاولات.
اتركوا “التحرير”
كانت السيطرة على ميدان التحرير، درّة ميادين الثورة، في قلب القاهرة، بداية خطة الدولة العميقة لمنع المتظاهرين والمعتصمين المناهضين للانقلاب من التمركز فيه، من خلال رفده بعصابات البلطجية المدعومة من الأجهزة الأمنية والاستخبارية المتآمرة على الديمقراطية. فكان على المتظاهرين السلميين إما أن ينجرّوا إلى مواجهات دامية للسيطرة على الميدان، أو تجنّب الصدام والتوجه إلى أماكن أخرى؛ فتمسّك المتظاهرون بالسلمية، واتجهوا إلى ميدان رابعة وامتداداته، ثم ميدان النهضة بالجيزة.
ميدان “رابعة”
مع أحداث 30 يونيو/حزيران 2013، واختطاف الرئيس المنتخب محمد مرسي (توفي في 17 يونيو/حزيران الماضي)، اتجه أنصار الديمقراطية إلى التظاهر والتمركز في ميدان “رابعة العدوية” شرقي القاهرة، وهو ميدان يزيد من اتساعه ارتباطه بشوارع رئيسية واسعة، ويقع في منطقة تضم العديد من المنشآت العسكرية. ووضعت في الميدان منصة كبيرة لإلقاء الخُطب المُناهضة للانقلاب، ليستمر الوضع على هذه الحال حتى يوم الفضّ الدموي في 14 أغسطس/آب من ذلك العام.
ميدان “النهضة”
حظي ميدان “رابعة” بالنصيب الأكبر من الاهتمام، نظراً للحشد الغفير من المعتصمين السلميين الذين احتواهم، لكنه لم يكن الميدان الوحيد الجريح، فقد تمركز آلاف المعتصمين الآخرين في ميدان النهضة بالجيزة، متضامنين مع “رابعة”، وكان قرار فض اعتصام هذا الميدان وقنص المعتصمين فيه وحرق جثثهم وخيامهم متزامناً مع قرار فضّ “رابعة”.
وخلّف فضّ اعتصام “النهضة” مئات القتلى والجرحى، وأتبعته قوات الأمن بملاحقات أمنية لأنصار الحكم الديمقراطي وذويهم من أجل إخضاعهم لدولة 30 يونيو/حزيران، التي بدا في الذكرى السادسة أنها لم تعد ترحم أحداً، لا المعارضين لها، ولا حتى الأنصار.
الإشارة الجارحة
إشارة “رابعة” عبارةٌ عن يدٍ مفتوحة ما عدا الإبهام، تُرسم بلونٍ أسود على أرضية صفراء. وعلى الرغم من أن الاسم يعود أصلاً إلى السيدة رابعة العدوية، أحد أشهر الأسماء في تاريخ التصوف الإسلامي، فإن الخيال الشعبي المصري افترض أن هذا الاسم له علاقة بالرقم “أربعة 4″، لتنتقل هذه الإشارة الاصطلاحية إلى التعبير عن الولاء لمعتصمي “رابعة” والتذكير بالجريمة.
واعتبرت الأجهزة الأمنية إشارة “رابعة” علامة تمرّد تستحق البطش والتنكيل بحاملها، فلم تتوانَ في إلقاء القبض أو إدانة واضطهاد كل من يرفع يده بها أو يحملها. كما صدر قانون ينص على إدانة كل من يحمل أو يطبع أو يضع في مواقع التواصل الاجتماعي شارة رابعة، وهو ما جرّ إلى المحاكم قضايا هزلية، كالقبض على مراهق وولي أمره بتهمة حيازة مسطرة مرسوم عليها إشارة رابعة، والقبض على فتاة وضعت دبوساً عليه إشارة رابعة. إضافة إلى إيقاف مجموعة من الرياضيين الذين فاجأوا الكاميرات المسلطة عليهم بالتلويح بإشارة رابعة. ومن المحاولات لمحو اسم رابعة من الذاكرة الجماعية المصرية، تغيير اسم ميدان “رابعة العدوية” إلى ميدان هشام بركات، النائب العام المصري الذي اغتيل في عام 2015.