بين الحقيقة والتزوير / د. هاشم غرايبه

بين الحقيقة والتزوير

قبل أسبوع أيام كتبت منتقداً مماطلة الجهات الرسمية في الكشف عن حقيقة ادعاء “يونس قنديل” رئيس منظمة “مؤمنون بلا حدود” أنه اختطف وتعرض الى اعتداء جسدي، الحقيقة أن حدسي كان يقودني الى أن القضية مفبركة، بسبب مسارعته الى اتهام الإسلاميين به، وقلت إنه لا توجد لدينا تنظيمات اسلامية مسلحة، وليس هنالك من وجود لأسطورة الخلايا النائمة والمستيقظة، وما ذلك إلا إحدى أكاذيب التبرير للحرب على الإسلام (التي تدعى تمويها الحرب على الإرهاب).
أخيرا أعلنت المصادر الأمنية الرسمية أن القصة مختلقة ولا وجود لاختطاف ولا اعتداء، واعتقلت المدعو بتهمة الإدعاء الكاذب.
إثر ذلك ساد صمت القبور على معسكر المصابين بلوثة الرهاب من الإسلام(الإسلاموفوبيا)، بعد أن علا زعيقهم أسبوعا طويلاً، تباكيا على استهداف (التنويريين)، ومطالبتهم الأجهزة الرسمية بالبطش والتنكيل بكل المدافعين عن الإسلام، باعتبارهم محرضين على العنف.
احدى الصحف الأردنية اليومية التي تأسست بالتزامن مع إعلان التعبئة الإعلامية لتحقيق الإنتصار على (الإرهاب)، والتي تعج بالكتّاب الموبوئين بالرهاب ذاته، كان الزعيق في أعلى مداه، لكنها بعد الإعلان عن انكشاف الكذبة، لبد الرهط جميعا، ولم تعد تسمع لهم حسا، واكتفوا بالموال اليومي المعتاد بالدعوة الى تكثيف الجهود في الحرب على (الإرهاب)، رغم أنه ليس هنالك من جهد للأنظمة العربية غيره.
لا شك أن الأجهزة الأمنية اكتشفت مسرحية “قنديل” منذ اليوم الأول، لكن القرار الرسمي بتأخير الإعلان عن القصة، يبدو أنه لإعطاء معسكر محاربي (الإرهاب) فرصة لإحماء الجو بعد أن فترت همة فرسانه، وربما ديبلوماسيا الى عدم الرغبة بتعكير الأجواء مع دولة الإمارات، لأن هذه المنظمة ومثيلاتها التي أسستها المخابرات الأمريكية، أوكلت للعربان تمويلها ضمن ما سمي بالحرب الفكرية المعاضدة للحملة الصليبية الأخيرة (الحرب على الإرهاب)، وهي تستهدف مكافحة الفكر الإسلامي، أي ما يدعونه بالإسلام السياسي.
وهذه الحرب لم تعد سرية، فقد كان أول ظهور علني لها في تأسيس وتمويل حركة (تمرد) المصرية بكلفة عشرة مليار دولار دفعتها الإمارات أثمرت بانقلاب السيسي، ثم تم دعمه بستة مليارات أخرى للبطش بالمتظاهرين المعارضين، بهدف اجتثاث دعاة الفكرالإسلامي.
تلا ذلك الدور في سوريا، الذي تمثل بمحاولة تأسيس وتمويل معارضة علمانية، لتوجيه الثوار خارج توجههم الإسلامي، ولما فشلت المحاولة، تحول الأمريكان الى الإبقاء على بشار، بالدعم العسكري الروسي، فانقلب الموقف الخليجي لينسجم مع التحول الأمريكي، ولما تخلفت “قطر” عن مواكبة هذه الإستدارة حوصرت، وطلب منها طرد حماس والإخوان المسلمين وإلا فهي داعمة للإرهاب!.
أما التدخل في اليمن فكان بظاهره منحة أمريكية مقابل حسن الأداء، لتحقيق أطماع السيطرة على باب المندب لتعويض فقدان مكانة دبي التجارية المرتقب بعد تدشين ميناء “جوادر” في الباكستان، لكنها بحقيقتها لاستنزاف الثروة الخليجية.
كما جرى التدخل أيضا في تركيا لدعم الإنقلاب ضد حكم الإسلاميين، وذلك من خلال تمويل أتباع “قولن” الذي يعتبر أهم رجال أمريكا الأتراك باللباس الإسلامي، ولا يقل دوره عن رجالها باللباس العلماني.
ولا شك أن نظام “أردوغان” جاءه العون الإلهي بإفشال الإنقلاب، مما كشف كل هؤلاء الذين كان بعضهم يتخفى بلباس الدين السلفي وبعضهم بلباس التحرر العلماني.
نستخلص من ذلك كله أنه وإن ادلهمت الخطوب، ومهما استيأس المؤمنون وتساءلوا: متى نصر الله!؟، يجب أن لا يقنطوا، بل يتمسكوا بعقيدتهم، ويوقنوا بأن الله معهم، وليتذكروا قصة الإفك ضد أهل بيت رسول الله صلى الله عليهم وسلم، تأخر الوحي أربعين يوما مؤلمة، لكنها كانت ضرورية لكشف المنافقين.
وهكذا أيضا كانت قصة “قنديل” غربالا أفرز المعادين للإسلام ممن كتبوا مستثمرين في القصة المفبركة، وأظهروا نواياهم الخبيثة ضد الإسلام، فسقطوا من الغربال (من أعين الناس)، وبقي فقط من كان مع الإسلام حقيقة فدافع عنه وبرأه.
المعادون لله ودينه يحسبونه غافلا عما يفعلونه، بل”وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ”.
وبالنتيجة لا يخسر إلا المبطلون.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى