عن الكرك

عن الكرك
سالم فلاح المحادين

وكيف لا أغتنمُ الحجر وحظر التجوُل لأكتبَ عن سوقِ الكرك وأعني تحديدًا سوقها الرئيسي الذي لهُ في النفسِ مكانة خاصة ابتدأت معي وتَرسخَت في سنٍ مُتأخر أي عندَ السادسة عشر تحديدًا وهو عمري عندما قرر أبي رحمهُ الله أن العودةَ إلى عزرا ( مسقط رأسه ) هي الخيار الأنسب في نهاية رحلته العملية عام ١٩٩٦ ضاربًا بعرضِ الحائط رفضَنا المُطلَق آنذاك لمُغادرة الزرقاء التي كُنا نراها فَرحنا الدافئ وحاضنة طُفولتنا الشهية !

جميلٌ أن تستكشفَ مكانًا جديدًا في حياتك وأنت بكاملِ وعيكَ وإدراككَ ، بمعنى أنكَ لستَ طفلًا وُجِدَ في ظرفٍ ما واضطرَ لمحبتهِ والاعتياد عليه بل أنت هنا ورُغم رفضك الأولي للمدينة عُدتَ لترضى بها شريكة عمرٍ و وَقَعتَ بملء قلبكَ في غرامها مُتنفسًا أصالتها بكلِّ ما في الشباب من حيويةٍ ويقينٍ مُطلَق ! وهل تُرفَض حسناء كالكرك ؟

وبالعودةِ إلى سوقها الذي أستلذ ، هو سلسٌ حتى في الوصف ولكنني لن أخوض في تفاصيلهِ كي لا أتخطى منزلًا عريقًا دونما تحية ، وكي لا أنسى تاجرًا ما ، أو لربما أتوهُ في ازدحامِ عبقِ الماضي الذي ما زال ينثرُ شذاهُ عبرَ الشوارع والأرصفة و قد تفوتني الكثير من المعاني وربما ستخونني اللغة فأظلم رجالًا لهم في صفحات المجد ورودًا لا تذبل !

الأميز واللافت الذي لا يختلف عليه اثنين في السوق الكركي هو كم النخوة بين الناس وأعني غيرتهم على النساءِ واحترامهم لكبار السن وخوفهم على الأطفال ومساعدتهم لمن يستحق في عُرف الشهامة المُساعدة ثمّ أنكَ قد تتلقى نصيحة أو مُلاحظة من أحدِهِم دون أن يعرفك شخصيًا وهذا جزءٌ من مجموعةِ سُلوكياتٍ مُتوارثَة ومُتعارَف عليها بين الناس بالفطرة ويلتقطها الصغير من الكبير فيُمارسها وهذا بالمُجمَل يمنحكَ أحيانًا الشعور الأكيد بأنّ من في السوق عائلةً واحدة مع التنويه طبعًا بأنني أصِفُ مشهدًا عامًا ، وليست الشُمولية هُنا شرطًا بالطبع فلكُلِّ قاعدةٍ شواذ !

قلتها دائمًا وأكررها باستمرار : إمنح نفسك جولةً ولو لمرةٍ واحدةٍ في العمر داخلَ سوق الكرك ولا بأس لو كانت ليلًا فحتى في خُلُوِها من المُتسوقين والمارة ستمنحكَ الضجيج الكافي لجعلكَ تُقسِم مُبتسمًا وبكُلِّ سَكينةٍ أنّ الكرك بماضيها وحاضرها ومستقبلها : حقًا جميلة ..

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى