لم تكن صبيحة الحادي عشر من أيلول/ #سبتمبر 2001, تشبه أي يوم آخر مر على #العالم الذي كان حينها مغمورا بفرحته في دخول الألفية الثالثة، عندما تسمر الملايين أمام شاشات التلفاز وهم يشاهدون أعنف #هجوم تعرضت له #الولايات_المتحدة_الأمريكية على الإطلاق، وأين؟ على أرضها، وفي أوج قوتها وهي تنصب نفسها شرطي العالم وقطبه الأوحد.
هزت الهجمات أرجاء المعمورة، وتركت بصمتها في كل القارات، مؤثرة بشكل مباشر في أحداث العقدين المنصرمين، فتغيرت معها #سياسات و #استراتيجيات كما برز بعدها صراع هويات بحت وصدام حضارات بنظر الكثيرين.
وبين من استثمر “أيلول الأسود” ومن كان ضحيته ظلت عشرات الأسئلة تبحث عن إجابات منطقية، لعل أولها مصداقية وواقعية #الحرب على #الإرهاب، ومن المسؤول فعليا عن مقتل 3 آلاف مدني في منهاتن وعشرات أضعاف هذا العدد في العراق وأفغانستان وغيرها من البلاد التي شملتها الحرب الأمريكية.
وبالنظر إلى النتائج لا يبدو أن الولايات المتحدة نجحت بعد عقدين بجهل العالم أكثر أمنا، فتلك القاعدة التي انحسرت، أنجبت #تنظيم_الدولة الأكثر دموية وعنفا، بالتوازي مع اتساع أسباب وظروف إنتاج “التطرف والإرهاب”.
وبحسب خبراء، يمكن رؤية نتائج الحروب الطويلة، لمعرفة ما إذا كانت الحرب على الإرهاب استراتيجية مدروسة أم رد فعل طائش، أم انها شماعة أريد بها أريد تحطيم منطقة حاولت شعوبها الخروج من عنق الزجاجة.
يوم الكارثة
استفاق الأمريكيون صبيحة يوم الثلاثاء 11 أيلول/سبتمبر على خبر #اصطدام #طائرتين للركاب بمركز التجارة العالمي المكون من برجين وسط منطقة #منهاتن في نيويورك، بعدها بدقائق جاء خبر تحطم طائرة أخرى فوق مبنى البنتاغون في فرجينيا، قبل أن يسمعوا بإسقاط طائرة رابعة في بنسلفانيا كانت متجهة للكونغرس الهدف الثالث للهجوم المنسق.
8:46 صباحا: اصطدمت طائرة “أمريكان إيرلاينز” ذات الرحلة 11 في البرج الشمالي لمركز التجارة العالمي مخترقة الطوابق من 93 إلى 99.
9:03 صباحا: تهاجم رحلة الخطوط الجوية “يونايتد إيرلاينز” رقم 175 البرج الجنوبي وتتحول الطوابق من 77 إلى 85 لسحابة من لهب.
9:37 صباحا: تضرب الرحلة رقم 77 التابعة لشركة الخطوط الجوية الأمريكية الجزء الغربي من البنتاغون في ولاية فرجينيا.
10:03 صباحا: تتحطم طائرة “يونايتد إيرلاينز” برحلة رقم 93 فوق حقل بالقرب شانكسفيل في بنسلفانيا.
قتل في ذلك اليوم قرابة 3000 شخص، من 57 جنسية مختلفة 400 منهم رجال إطفاء وضباط شرطة وفرق طوارئ طبية هرعت لموقع الهجوم.
وكلفت تلك الهجمات الاقتصاد الأمريكي مليارات الدولار حيث قدر البنك الفيدرالي الأمريكي الخسائر فقط في موقع البرجين ب 35 مليار دولار، هذا فضلا عن مبالغ ضخمة أخرى تكبدها الاقتصاد بسبب تداعيات الحدث.
ثأر أمريكا
عشية الهجمات خرج الرئيس الأمريكي آنذاك #جورج_بوش، بخطاب للأمريكيين توعد فيه بمعاقبة “الإرهابيين ومن يؤويهم”، واصفا ما جرى بأنه هجوم على الأمة الامريكية.
اتهمت إدارة بوش تنظيم القاعدة بالتورط بالهجمات، إلا أن الأخير نفاها أول الأمر، وأعرب زعيم التنظيم أسامة بن لادن في بيان له عقب أيام من الهجوم عن استغرابه لاتهام أمريكا له وللقاعدة بالوقوف وراء تلك الهجمات.
تدرج التنظيم بموقفه من الهجمات من عدم التبني إلى المباركة، حتى دخلت القوات الأمريكية أفغانستان حينها
أعلن التنظيم رسميا على لسان زعيمه أسامة بن لادن مسؤوليته عن الهجمات التي سماها “غزوة منهاتن” واعتمد كل عام نشر مقاطع مصورة للخاطفين الـ 19 وهم يلقون وصايا وخطبا تحريضية ضد الولايات المتحدة.
يقول الأكاديمي والباحث السوري أحمد الهواس، “إن الحرب على ما يسمى الإرهاب، في واقعها حرب على الإسلام وليس على التنظيمات المتطرفة التي صنعتها أمريكا، فمنذ اللحظة الأولى للواقعة 11 سبتمبر كان صانع القرار الأمريكي قد اتخذ قراره بغزو العراق وأفغانستان وهذا ما ذكره جورج تنت في مذكراته (في قلب العاصفة)”.
وأضاف في حديث لـ “عربي21”, وحين غزت أمريكا العراق بأكذوبة تعاونه مع القاعدة، كانت تعلم أن الحكم في العراق علماني لا رابط بينه وبين القاعدة،وقد كلف النظامان الإيراني والسوري بصناعة القاعدة في العراق ليكون ذلك مسوغًا لأمريكا بأنها تحارب الإرهاب وتضع تحت هذا البند فصائل المقاومة العراقية”.
أفغانستان
أعلنت واشنطن الحرب على حركة طالبان التي كانت تحكم أفغانستان في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2001، وبدأت هجوما عسكريا واسع النطاق باسم عملية “الحرية الدائمة”، بعد رفض طالبان تسليم زعيم القاعدة أسامة بن لادن.
مطلع شهر كانون الأول/ديسمبر 2001، أعلن رسميا انهيار طالبان، وتشكلت حكومة مؤقتة برئاسة حامد كرزاي، ونشرت قوة دولية لحلف شمال الأطلسي في البلاد.
ساهم الغزو الأمريكي لأفغانستان بتفتيت البلد الذي مزقته الحروب، حيث ذكر “مشروع تكاليف الحرب” التابع لجامعة براون الأمريكية، أن أكثر من 241 ألف شخص لقوا مصرعهم خلال الحرب، فضلا عن تشريد الملايين، بالإضافة لخسائر اقتصادية أمريكية قدرت بترليوني دولار.
وبعد 20 عاما من الحرب في أفغانستان عادت حركة طالبان للحكم، وسيطرت على العاصمة كابول بعد الانسحاب الأمريكي من البلاد أواخر آب/أغسطس 2021.
ورغم الهدوء النسبي الذي شهدته أفغانستان خلال العامين الماضيين بعد عقدين من الصراع الدموي، إلا أن آثار الغزو الأمريكي لا تزال شاخصة حيث تعاني البلاد من ركود اقتصادي وبطالة مرتفعة كما تحتاج مليارات الدولارات للتعافي من آثار الحرب.
يرى الدكتور أحمد الهواس، “أن أمريكا لا تقبل بتعريف قانوني للإرهاب، أو تسمح لمجلس الأمن بأن يتبنى تعريفًا محددًا للإرهاب، ولذلك فهي تخوف بهذا المصطلح أعداءها ،وتستخدمه وفق مصالحها ، لذا كانت تسم كل من يختلف معها بالإرهاب، الذي استخدمته مبررًا في عدوانها على دول مستقلة مثل أفغانستان والعراق”.
العراق
بعد أفغانستان استدار بوش نحو العراق الذي اتهمه برفقة رئيس الوزراء البريطاني وقتها توني بلير، بامتلاك أسلحة دمار شامل والعلاقة مع تنظيم القاعدة.
في 20 من آذار/ مارس شنت الولايات المتحدة وبريطانيا وحلف من 30 دولة حربا على العراق رغم معارضة دولية واسعة، حيث زعم بوش أن العملية تهدف لنزع أسلحة الدمار الشامل والإطاحة بالحكم الديكتاتوري لجعل العراق نموذج الديمقراطية في الشرق الأوسط.
ودخلت القوات الغازية العاصمة بغداد صبيحة التاسع من نيسان/أبريل 2003 وأعلن بوشها بعدها انتهاء العمليات العسكرية في العراق والبدء بمرحلة الإعمار.
غرق العراق عقب ذلك في أتون صراعات دامية خلفت نحو مليون قتيل، هذا فضلا عن تدمير البنية التحتية للبلاد والضرر الكبير الذي أصاب النسيج المجتمعي بسبب الصراع الطائفي بالإضافة لفشل الحكومات التي أشرفت عليها واشنطن بانتشال العراق من مأساته.
عام 2008 أبرمت الولايات المتحدة والعراق اتفاقية الإطار الإستراتيجي والتي مهدت لخروج القوات الأمريكية بشكل كامل أواخر 2011 بعد 8 سنوات من الاحتلال، وتنظم الاتفاقية العلاقات بين البلدين على مختلف الأصعدة السياسية والأمنية والاقتصادية والثقافية وغيرها.
وعقب عقدين من الاحتلال لا يبدو أن شيئا في العراق قد تحسن، فالأزمات السياسية والاقتصادية والأمنية ما زالت تعصف بالبلاد، حيث بات العراق انموذجا لفشل السياسات الأمريكية التي دفع العراقيون ثمنها الباهظ.
وعجزت الولايات المتحدة طوال العشرين عاما الماضية عن إثبات امتلاك العراق لأسلحة دمار أو علاقته بالقاعدة، حتى بدأ عرابو الغزو يقرون بأخطائهم حيث ذكر كولن باول وزير الخارجية الأمريكي آنذاك بأن تبربر حرب العراق كان نقطة سوداء في تاريخه.
وفي نيسان/أبريل الماضي كشفت شبكة “بي بي سي” البريطانية عن وثائق تشير إلى تأكد بلير وبوش بعدم إمكانية العراق على صنع أسلحة محظورة.
يقول الباحث في شؤون الجماعات المسلحة رائد الحامد، “إن الولايات المتحدة نجحت في تحييد خطر معظم التنظيمات الجهادية على الغرب عموما بنقل الصراعات وحصرها داخل بلدان الشرق الاوسط وأفغانستان وأفريقيا منذ احتلال افغانستان 2001 والعراق 2003 ومرحلة الثورات العربية 2011 وما بعدها”.
وأضاف في حديث لـ “عربي21”, “أن الانتقالة الكبرى كانت عام 2014 عندما سيطر تنظيم الدولة على الموصل وأجزاء واسعة من العراق وسوريا لتصبح هذه المناطق مناطق حرب طيلة خمس سنوات انتهت بإضعاف معظم هذه التنظيمات، وأبرزها تنظيم الدولة وإشغالها بالصراعات البينية ضمن ذات الرقعة الجغرافية”.
وأردف، “تبدو الدول التي تهتم الولايات المتحدة بأمنها في مأمن من الهجمات العابرة للحدود على غرار هجمات سبتمبر أو حتى على أهداف مثل مجلة شارل بيدو، فيما تراجعت ما يعرف بعمليات الذئاب المنفردة لعناصر مؤيدة للجماعات الجهادية تعمل عادة بمفردها أو بالتنسيق مع عدة أفراد لتسهيل مثل هذه الهجمات”.
تنظيم القاعدة
بعد سقوط نظام طالبان أواخر 2001، انحسر تنظيم القاعدة في أفغانستان، وتوارى قادته عن الأنظار، خصوصا بعد نجاح الولايات المتحدة بالوصول لعدة أشخاص تتهمهم بالتورط في الهجمات على رأسهم رمزي بن الشيبة وخالد شيخ محمد المعتقلين في غوانتانامو.
بالتزامن مع الحرب في أفغانستان والعراق شنت دول أخرى حربا على “الإرهاب” خصوصا في الشرق الأوسط حتى أضحت الجمعيات الخيرية والمنظمات الإسلامية هدفا تحت ذريعة “تمويل القاعدة”.
في المقابل نفذت القاعدة عدة هجمات عقب غزو أفغانستان، أشهرها تفجيرات ميترو لندن 2005 وقطارات مدريد 2004, التي دفعت إسبانيا لسحب قواتها من العراق.
وشهدت عدة دول عربية هجمات وصدامات بين خلايا التنظيم وقوى الأمن في السعودية والأردن والجزائر وتونس واليمن.
وامتد نشاط التنظيم بعد الحروب الأمريكية إلى العراق حيث أعلن أبو مصعب الزرقاوي ولاءه لبن لادن، فضلا عن تنامي نفوذه في اليمن، وإنشاء فرع في الصومال والصحراء الغربية وخلايا أخرى في أوروبا تولت مهمة التجنيد والدعاية الإعلامية.
في 2 أيار/مايو 2011 أعلن الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما مقتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن خلال عملية عسكرية نفذها الجيش الأمريكي في أبوت آباد بباكستان، بعد مطاردة توصف بأنها الأطول في تاريخ وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية.
أثر مقتل بن لادن على حضور القاعدة كرأس لهرم “الجهاد العالمي” بمنظوره الأممي، كما أسهمت ولادة جماعات جديدة من رحم القاعدة مثل تنظيم الدولة بانحسار التنظيم ومحدودية عملياته.
وتلقى التنظيم ضربات عنيفة استهدفت نواته الصلبة والقاعدة الأكثر تأثيرا فيه، حيث تولت الطائرات المسيرة مهمة مطاردة تلك الشخصيات وقتلت العديد منهم في وزيرستان على الحدود الباكستانية الأفغانية وفي اليمن والصومال ومالي والعراق، حتى اغتالت الزعيم الجديد للتنظيم أيمن الظواهري في كابول في آب/أغسطس 2022.
وفي رؤيته عن وضع القاعدة بعد 22 عاما على الهجمات يقول الخبير في شؤون الجماعات المسلحة رائد الحامد، “إن التنظيم الذي كان يهدد السلم والأمن الدوليين خلال تسعينيات القرن الماضي والعقد الأول من الألفية الثالثة تبنى استراتيجية جديد بعد مقتل بن لادن وتولي الظواهري قيادة التنظيم”.
وأوضح، “أن الاستراتيجية الجديدة كانت مغايرة لاستراتيجيات بن لادن التي ركزت على العدو البعيد ثم العدو القريب، أي استهداف ما يعلن عنه التنظيم الصليبيين كناية عن الولايات المتحدة والدول الاوربية”.
واستدرك الحامد، “قد لايكون ذلك تبدلا في الاستراتيجيات بالقدر الذي يعبر عن واقع التنظيم في عهد الظواهري والضعف الذي ظهر عليه سواء في المركز على الحدود الافغانية الباكستانية او في عموم فروع التنظيم”.
أما مرحلة ما بعد مقتل الظواهري والذي لم يعلن التنظيم حتى بعد أكثر من عام عن تعيين أمير جديد له، فيبدو أنه يعاني من شبه غياب في القيادة المركزية ونوع من الاستقلالية في فروعه العاملة خاصة اليمن والصومال والمغرب الاسلامي، وفق الحامد.
ويرى الخبير في شؤون الجماعات المسلحة، “أن التنظيم يتجه لمزيد من التشتت والضعف بعد معلومات غير مؤكدة عن تعيين المصري سيف العدل أميرا عليه رغم أن التنظيم لم يعلن ذلك رسميا، ما يعكس ازمة حقيقية في قيادة التنظيم”.
وأشار الحامد خلال حديثه لـ “عربي21”, “أن عناصر التنظيم في فروعه التي تخوض في اليمن وسوريا حربا ضد الميليشيات الإيرانية، لا يمكن أن تستسيغ فكرة أن يقودها أمير يقيم في إيران الراعية لتلك الميليشيات”.
وبين، “أن الخيارات أمام قيادة التنظيم وانتقال مركز القيادة من الحدود الأفغانية الباكستانية إلى إيران تبدو ضيقة جدا ما يشي باحتمالات إعلان فرع او أكثر فك ارتباطه بالتنظيم الأم عدا فرع اليمن الذي يهيمن على قراره نجل سيف العدل الذي يعمل إلى جانب أمير فرع اليمن خالد باطرفي”.
آثار الحرب
لم يقتصر تأثير حرب واشنطن على الإرهاب في البلدان التي احتلتها فقط، بل وصل حتى إلى منظومة القيم التي تنادي بها، خصوصا في ما يتعلق بالحرية الفكرية والمساواة، حيث تصاعدت بعد الهجمات ظاهرة الإسلاموفوبيا في الغرب.
وساهمت خطابات بوش بترسيخ الطابع العقدي للصراع لا سيما عندما ذكر أن الحرب على العراق هي حرب “صليبية”، تلك الجملة التي استفاد منها في المقابل تنظيم القاعدة لتأكيد أطروحته بالأصل العقائدي للمعركة.
وعمدت البروباغاندا الأمريكية بشكل مستمر على إظهار المسلمين بالصورة النمطية في “هوليوود” كإرهابيين مؤجلين أو على الأقل كارهين للغرب، كما قال الرئيس السابق دونالد ترامب في إحدى مقابلاته، بأن “الإسلام يكره أمريكا”.
على الجهة الأخرى اتسعت رقعة العداء لأمريكا الموجودة أصلا بسبب موقفها من القضية الفلسطينية، وأسس غزو العراق وأفغانستان لسرديات اعتمدتها “السلفية الجهادية” في طرحها للصراع بين “الإسلام والمجتمع الدولي”.
كما أطلقت شماعة “الحرب على الإرهاب” يد الأنظمة العربية (التي طالما انتقدتها أمريكا وطالباتها بالإصلاح)، لقمع المعارضين والمطالبين بالحرية تحت ذريعة محاربة الإرهاب، حيث شملت هذه التهمة حتى تلك الجماعات والأحزاب التي على نقيض من القاعدة، لكنها تعارض السلطة.
وعلى الرغم من قناعة الولايات المتحدة بأن “الإرهاب” والتطرف هو نتاج الاستبداد، فقد أدارت ظهرها للشعوب العربية التي خرجت تطالب بالديمقراطية والإصلاح خلال موجة الربيع العربي.
حيث انعكس نجاح التغيير السلمي في تونس ومصر بالسلب على فكرة “التغيير المسلح” التي تعتنقها القاعدة، وساهمت بتحجيمها.
وعادت الشعوب العربية للحديث سياسيا بهدف إصلاح أوضاع البلدان بطريقة “اللاعنف” حتى أوشكت سرديات ونظريات القاعدة على الاندثار، قبل أن تعود للرواج مرة أخرى بعد الانقلاب في مصر واليمن والقمع الدموي للتظاهرات في سوريا، حيث فشل التغيير السلمي للسلطة مرة أخرى في الشرق الأوسط.
وعن استثمار الأنظمة للحرب على الإرهاب، يؤكد الدكتور أحمد الهواس، “أن الأنظمة العربية أنظمة مستبدة ولكنها في الوقت ذاته أنظمة خدمية تعمل لمصلحة أمريكا وحماية الصهاينة ، وتحويل شعوب المنطقة إما إلى مستهلكة لا تفكر بالإنتاج أو مسحوقة تسعى وراء لقمة الخبز”.
وتابع، “حين بدأ الربيع العربي فإن الأنظمة التي ثارت عليها شعوبها سارعت لأمرين، تخويف الغرب من القادم (الإسلاميين) ووسم ما يجري بأنه صراع مع الإرهاب”.
وأوضح الهواس، “أن خوف أمريكا من تداعي النظام الرسمي العربي، غيّر مسار الثورات العربية، فقد رفضت التغيير وادعت أنها مع إرادة الشعوب، وعملت على إجهاض الربيع العربي”.
وأردف، “وضعت واشنطن لكل دولة مكافئًا موضوعيًا مقابل الثورة كالانقلاب في مصر وتمكين الحوثي في اليمن والسماح لإيران ومليشياتها بمقاتلة الثورة السورية ثم دعم النظام بالروس، أو الانقلاب الناعم في تونس ، وكذلك صناعة حفتر في ليبيا، وقد فرض على الشعبين الليبي والسوري الدفاع عن النفس بسبب لجوء النظامين للقوة المفرطة تجاه المتظاهرين ثم استخدام الجيش في مواجهة الشعب”.
وبين الهواس، “في الحالة السورية كان لابد من تشويه الثورة بتخليق جماعات متطرفة قتلت من الشعب السوري أكثر مما قتلت من النظام بأضعاف ، وكانت سببًا مباشرًا لإنقاذ النظام من السقوط ومجيء أمريكا بحلف دولي لمقاتلة ما يسمى الإرهاب ، وفي واقع الأمر كان الهدف تهجير السنة وتمكين البككا الإرهابي وكذلك المليشيات الطائفية”.
وعند سؤال الخبير في شؤون الجماعات المسلحة رائد الحامد حول مستقبل فكر التنظيمات المسلحة قال، “طالما هناك معايير مزدوجة من القوى الكبرى المتسلطة على مقدرات الشعوب المسلمة وتنامي الظلم الذي يقع عليها، فإن فرص نمو الأفكار الجهادية تبدو مؤاتية، في ذات الوقت خلقت تجارب بعض التنظيمات في التعامل مع المجتمعات المحلية حالة من النفور من هذه الجماعات والأفكار التي تحملها”.
ويتابع، “في كل الأحوال وحتى مع واقع تراجع القدرات المالية والإقبال على التجنيد فإن هذه التنظيمات ستظل موجودة سواء بأسمائها المعروفة أو بأسماء جديدة مع احتمالات ظهور تنظيمات أكثر تشددا من المعروفة حاليا وفق ما تفرزه تلك التنظيمات من قيادات جديدة إذ أن لكل قائد جديد تكتيكات وآليات عمل وأهداف تختلف عن غيره من أسلافه”.