الوطن ليس للبيع أو المبادلة / د. هاشم غرايبه

الوطن ليس للبيع أو المبادلة

أنشغل الأردنيون خلال الأسبوع الماضي بقضية لا تستحق كل هذه الضجة، وهي عرض مسلسل إسمه “جن”، انتجته شركة عالمية هي “نيتفليكس” وتم تصويره في الأردن وأدى الأدوار فيه ممثلون مغمورون محليون.
ليس مطلوبا مني أن أعرض وجهات النظر المختلفة لكل من تعرض للموضوع، فلكل هواه ومصلحته ودوافعه، لذلك سوف انتهز الفرصة الخلافية لكي أعرض ما أعتقده وأومن به.
من الناحية الفنية الصرفة، فلم أطلع عليه شخصيا، بسبب اتفاق آراء من شاهدوه على أنه يحتوي مشاهد خادشة للذوق ومسيئة للأخلاق، فقد أجمع الكل على أن ما تم ليس عملا فنيا يستحق النقد، فالمضمون سخيف والأداء هزيل كون من قام به مبتدئون، إنما وبسبب احترافية الشركة الهوليودية المنتجة، فقد كانت الجوانب التقنية عالية الجودة.
عندما أُعلن عن نية انتاج هذا المسلسل التلفزيوني، تجند الليبراليون جميعا للدعاية له، وتبرع الذين يشعرون بعقدة النقص انبطاحا لحضارة الغرب، وانبهارا بقدرات (الأعور الدجال)، بالتهليل والترحيب باختيار الأردن مكانا للتصوير، واستحسن عامة الناس الفكرة اعتقادا أنها سوف تشهر الأماكن السياحية، وتسوق الأردن عالميا.
لكن عندما عرضت الحلقة الأولى أصيب كل أولئك المتفائلين بخيبة أمل قاصمة، فلم يكن هنالك من مضمون إنساني ولا ثقافي، بل هي مشاهد غير مترابطة لنمط حياة غير مألوف في مجتمعنا، فقد كان (كما وصفه مسوقوه والمؤيدون له) عبارة عن مشاهد حياة مجموعة من المراهقين، لكنها في الصورة التي عرضت به لا تعبر عن مجتمعنا البتة، بل لتاقضات الحياة الشخصية والعلاقات الغرامية للمراهقين، والتي هي سمات المجتمعات الغربية، وليست مجتمعاتنا المحافظة بشكل غالب، فلم تتعرض لأية مشكلة واقعية مما يعيشه شبابنا مثل البطالة وضيق العيش بسبب حالة التضييق الإقتصادي وانعدام فرص إثبات الذات بسبب ابعاد الشباب عن المشاركة السياسية ,.. و..العشرات من المشاكل المتراكمة بلا حلول منذ عشرات السنين.
إذاً لماذا قدم مجتمعنا بهذه الصورة المزورة!؟.. وهل يصدق أحد أن من اختار الموضوع بهذه الصورة جاهل؟.
بعيدا عن التصادم مع أعضاء حملة التبشير الجديدة للغرب (الليبراليون/العلمانيون العرب)، والمغرمين باتهام من يخالفهم بفكرة المؤامرة، لذلك سأناقش الأمر من زاوية مفاهيم البراغماتية النفعية التي يؤمنون بها.
إذا سلمنا بأن انتاج المسلسل هو مشروع استثماري محض، فما هو العائد المرجو لنشر هكذا مسلسل واضح من محتواه أنه متصادم مع مفاهيم المجتمع الذي عالج قضيته؟، وإن كان التوجه لتسويقه أساسا في الغرب، فمن هناك من يهتم بمشاكل الشباب الأردني ويبحث عن حلول لها؟.
إذاً فهو موجه للمجتمع الأردني، ولو افترضنا حسن نوايا منتجيه، فهو يسعى لتسويق نفسه والحصول على إقبال عريض، من خلال ملامسة هموم المواطنين ومراعاة مشاعرهم، ..فهل هو كذلك؟.
قطعا لا فهو يتناول اهتمامات فئة محدودة جدا من الشباب تعيش حالة الضياع الناجمة عن الفراغ الفكري والنفسي، والملل الذي يصيب من توفرت لهم كل الإحتياجات الأساسية والكمالية، لكن لديهم خواء روحي.
هذه الفئة موجودة في مجتمعنا لكن بنسبة محدودة لا تتجاوز 2.5 % ، وتنحصر في الطبقة المتنعمة التي تشمل الفئة الحاكمة وأعوانها المستفيدين من الثراء الفاحش والنفوذ، ومشكلات أبناء هذه الفئة مختلفة كثيرا عن مشكلات السواد الأعظم (97.5%) وهي الطبقة المنهكة من المجتمع، فهم لا يشكون من البطالة ولا من محدودية الدخل، إذ أنهم يحتكرون الوظائف العليا ذات الرواتب العالية، ولا يعانون من الظلم جراء القصف والإعتقال ومصادرة الحريات، فهم يقضون أغلب وقتهم في الغرب أو على متن الطائرات..مشكلتهم الأساسية في قتل الفراغ بالتسلية والإثارة.
طالما الأمر هكذا فلمن انتجوا هذا المسلسل؟.
لا يبقى إلا من تفسير واحد، إنه جهد ضمن جهود مستمرة من قبل المبشرين الليبراليين لاختراق ثقافة أمة محافظة، ونشر ثقافة الإنحلال الخلقي والإجتماعي التي نجح مثلث القوة الخفية بتعميمها في الغرب.
ردة الفعل الرافضة العاصفة أثبتت أن الأردنيين متمسكون بالعقيدة، وجعلت هؤلاء المبشرين يحنون رؤوسهم، مؤقتا، لكنهم عليهم أن يعلموا أن كل محاولة ستفشل، فهذه الأمة تمتلك الترياق الذي يحصنهم من كل السموم..
إنه الدين… ولن تتخلى عنه الى يوم الدين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى