التجوال الديني / د. هاشم غرايبه

التجوال الديني

بعيد هجمة فرض التركيع على الأمة والتي تمثلت بتوقيع اتفاقيتي كامب ديفد ووادي عربة، ثم مفاوضات عملية السلام ظهرت دعوات مشبوهة لإزالة الحواجز لارتداد المسلم عن دينه وتحوله الى اتباع اليهودية أو النصرانية، بحجة أنها جميعا سماوية توحيدية، ورافق ذلك توظيف كثير من الأقلام والمواهب الفنية للتبشير بقصة أبناء العمومة، على أنه إزالة للكراهية والتعصب الديني، وكان انتشارها الأوسع في مصر ثم الأردن وباقي الأقطار بحسب مدى ارتباط ذلك النظام السياسي بالعدو وحُماته.
عادت هذه الدعوات من جديد للنشاط منتهزة الفرصة التي وفرتها الحرب على الإرهاب كغطاء للهجوم على الإسلام بهدف اقتلاعه، أوعلى الأقل تدجينه وحبسه في المساجد، مثلما فعلوا بالنصرانية التي حجروا عليها، ومنعوها من التأثير في سلوك الناس، وحبسوها في الكنائس.
الدين واحد، هذا صحيح، وهو أمر تؤكده وحدانية الألوهية، وبغض النظر عن تعدد الأنبياء والرسالات، لكنهم جميعا دعوا الى اتباع دين الله ولم يأت نبيّ بما ينقض من سبقه، أول من أوصاه الله بالدين كان “نوح” ثم إبراهيم ومن تبعه من الأنبياء وجميعهم من ذريته عليهم السلام جميعا ،وأما من سبقهم من الأنبياء الأقدمين فكانت لهم رسالات لهداية أقوامهم الى عبادة الله وإصلاح فسادهم.
إذن فالدين هو واحد بدليل قوله تعالى:” شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ “، كما أن النص قاطع في دعوة الأنبياء الخمسة الى الدين ذاته ومن البديهي أن لا يخالف أي منهم أمر من أرسله، أو يجعل الدين بإسمه.
طالما هو واحد فماذا فيمن يقول أنه ثلاثة أديان مختلفة، لكل منها عقيدة مختلفة وشرائع متباينة، فبعضها يعدد الالهة وبعضها يحلل ما حرّمه الآخر.. أي الفريقين حجته منطقية من يعدد ويفرق أم من يوحّد؟
لنترك المنطق ونعود الى كلام الله، التوراة والإنجيل، وهي الكتب السماوية السابفة للقرآن لم تعد موجودة، الموجود منها روايات دوّنت بعد زمن طويل من موت الرسول الذي نزلت عليه، لذلك لا يمكن الجزم بمدى صحة النص المنسوب الى كتاب الله ذاك، أما القرآن فهو الوحيد الذي ما زال خاليا من العبث البشري، فلم يثبت وجود أي نص في أي مكان في العالم لا يتفق تماما مع آخر، لذا يحتج به ولا ناقض لحجته.
يقول تعالى:”إنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ “، فالنص واضح أن الدين هو الإسلام، وهكذا كان مسماه عند نزول كل الرسالات، لكن بعض الذين اتبعوها حرفوا العقيدة عن منهجها ظلما واعتداء، ويؤكد ذلك أقوال جميع الأنبياء بدءا من ابراهيم:” وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ”.
لذلك قال تعالى:” وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ” أي المسلم الذي يترك الدين الكامل ويتبع الرسالات السابقة التي كانت مراحل تمهيدية للدين، لمأرب أو مكسب، لكن من اتبعوها قبل نزول الرسالة المحمدية فلهم أجرهم عند الله، وهؤلاء إن بلغتهم هذه الرسالة وأمنوا بها فقد اهتدوا لأنها استكمال للرسالة التي اتبعوها، وإن لم يؤمنوا فلا إكراه في الدين، وحسابهم عند ربهم، أما من كان مسلما فلا يعقل أن يعود الى الوراء بعد إذ اهتدى، إذاً خاب سعيه “وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى