عنف الجامعات والعنف المجتمعي / د . حسين عبيدات

عنف الجامعات والعنف المجتمعي : معالجة الأعراض والداء يستفحل
عنف الجامعات ليس له ما يبرره وهو مرفوض بكل أشكاله وألوانه. فهو ببساطة يتنافى والقيم التربوية والأخلاقية ويتنافى مع كينونة المؤسسات التي يحدث فيها. فالأصل أن من يرتادون مثل هذه المؤسسات هم الفئة المتنورة في المجتمع والتي يحتم علي هذه الفئة قبولها في تلك المؤسسات أن تكون سامية في أخلاقها وسلوكها وتفكيرها. لكن الواقع يحكي خلاف ذلك. وفي كل مرة يحدث العنف الجامعي يلقى باللوم على المؤسسة وعلى العاملين فيها وتقصيرهم بالقيام بواجباتهم. وهذه للأسف نظرة سطحية تنظر إلى ظاهر الأمور وليس إلى جوهرها. فلو فكرنا لبرهة بالأشخاص الذين يقتحمون الجامعات ويشاركون بالصراع لوجدنا أنهم في معظمهم ليسوا من طلبة الجامعة وأن الجامعة هي ليست إلا أرضا للمعركة ولا أحد يسأل كيف يدخل هؤلاء إلى الجامعة بأسلحتهم بسهولة ويسر مع أن طلبة الجامعة يجدون صعوبة في الدخول دون استخدام أو ابراز الهوية الجامعية، أليست هذه أحجية تحتاج إلى جواب؟ منذ سنوات بعيدة والجامعات تعاني من اكتظاظ الجسم الطلابي ولا استجابة من الجهات المسئولة للحد من ظاهرة الاكتظاظ الذي يترتب عليه الحد من أعداد المقبولين والقوائم الاستثنائية التي تفوق أعداد المقبولين تنافسيا. فهل يعقل أن تقبل جامعة أكثر من نصف طاقتها الاستيعابية في عام واحد؟ وهل يعقل أن يصل أعداد الطلبة في جامعة في وقت ما إلى ما يقارب الاربعين ألف طالب وطاقتها الاستيعابية لا تصل إلى نصف هذا العدد ويكون الاكتظاظ الطلابي فيها أعلى من الاكتظاظ السكاني في أكثر بقاع الأرض اكتظاظا. أليس هذا كفيل بأن يؤدي إلى احتكاك الطلبة ببعضهم وتوليد العنف نتيجة التزاحم؟ هل فكر المسؤولون بحل لذلك كما فكروا بمن يتحمل المسئولية؟ ثم لماذا يتم التعامل مع العنف الجامعي بمعزل عن العنف المجتمعي؟ ما أسباب العنف المجتمعي الذي أصبح يقض مضاجع المجتمع الأردني والذي بسببه أصبح الناس لا يرغبون بسماع الأخبار لأنها تعج بأخبار الجرائم البشعة التي ترتكب على امتداد مساحة الوطن والتي توحي لك بأنك تستمع إلى نشرة محلية لمدينة نيويورك، لكنها ليست بنفس بشاعة جرائمنا التي ترتكب بدم بارد. وتتلخص ردة فعل المسئولين بمنع النشر حول الجريمة لحين انتهاء التحقيق. أما لماذا تحدث وما الذي أحدث كل هذا الخلل في سلوك الأردنيين ومن المسئول فلا أحد يكترث. هل ما يحدث في الجامعات ليس له علاقة بما يحدث بالمجتمع؟ هل الحالة النفسية والاقتصادية والاجتماعية والمستقبل المجهول والبطالة والفقر والمحسوبية والفساد والواسطة والشللية والتوريث العائلي وتبديد مقدرات الوطن و..و… ليس له علاقة بالمجتمع الجامعي؟ هل يخلع الطالب جلده وعقله ونفسيته وحالته الاقتصادية والاجتماعية عندما يدخل من بوابة الجامعة ليرتدي شيئا مغايرا تماما ويعيش حالة من الانفصام؟
كان الطالب فيما مضى يقبل على التعليم بنفسية فيها شيء من الأمل بأن مستقبله الآن يرسم على مقاعد الدراسة وأن الأبواب ستفتح له عند التخرج فكان أكثر جدية واكثر تفاؤلا وانفتاحا فلم نكن نرى مظاهر العنف ولم نكن نسمع إلا عن حالات فردية تنتهي بوقتها ومكانها. أما اليوم فالطلاب يدخلون الجامعة لأن ليس لديهم شيء آخر يتجهون إليه. يأتون إليها وهم فاقدوا الأمل بأي مستقبل. وعندما تحاورهم تجد اليأس في نفوسهم من أن يجدوا عملا في أي مكان، يملؤهم الاحباط. وعندما تحدثهم عن أن القادم سيكون أفضل تكون الإجابة بأنه منذ أكثر من عقدين والأمور من سيء إلى أسوأ. طبعا هذا هو حال السواد الأعظم منهم حتى نكون منصفين. هل نتوقع منهم خلاف ذلك وهم خرجوا من رحم المجتمع الذي يئن تحت وطأة الفقر والبطالة؟
نعم على الجامعات أن تقوم بدورها رغم مديونياتها وعجز موازناتها هي الأخرى. وعلى العاملين فيها أن يبذلوا جهدا أكبر في توعية الطلبة وتنويرهم ولكن هذا هو علاج للاعراض فقط فمن يعالج أسباب المرض. إن القسط الأكبر من المسئولية يقع على عاتق الدولة التي يجب أن تعالج العنف المجتمعي لا أن تزيد فقر الناس فقرا ولا جوعهم جوعا لأن الفقر كفر وليس بعد الكفر ذنب. إن المجتمع قد بلغ به الفقر مبلغه وهذا مؤشر خطير على الدولة أن تتداركه قبل فوات الأوان وقبل أن ينتقل هذا العنف إلى أماكن أخرى لا قدر الله. لا تعزوا ما يحدث في مجتمعنا الى اسباب سطحية ولا تتخذوا من تعاطي المخدرات والمرض النفسي شماعة على أنها السبب فيما يحدث. فالجامعة مرآة المجتمع وما يحدث في الداخل هو رد فعل لما هو كائن في الخارج. كلنا نريد للاردن أن يبقى بلدا آمنا خاليا من العنف ونريد الحفاظ على ذلك ونريد لظاهرة العنف الجامعي أن تختفي وتبقى صورة الاردن المشرقة، الاردن الآمن. لكن هذا لن يتأتى إلا إذا اضطلع كل بمسئولياته وتحملت الحكومة مسئوليتها الكاملة بالسير بالاردن نحو بر الأمن والأمان بمعالجة أسباب المرض ووضع الحلول الناجعة للنهوض به اقتصاديا واجتماعيا حتى تتكامل منظومة الأمن وننتهي من العنف بكل أشكاله إلى غير رجعة.
إن على طلبة الجامعات وجيل المستقبل أيضا أن ينبذوا العنف وأن يتحملوا المسئولية وأن يساهموا في الحفاظ على أمن بلدهم وأمانه، وأن يعملوا بجد وأن ينجزوا ما جاءوا من أجله وأن يكونوا عونا لجامعاتهم وبلدهم في التخلص من هذه لظواهر المشينة والسلوك الذي لا يليق بهم ولا بالمؤسسات التي ينتمون إليها وأن يكونوا صناعا للتغيير، يصنعون مستقبلهم بعلمهم وابداعهم. حمى الله الأردن وحفظه بلدا آمنا.

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى