
سواليف – رصد
داعبت فكرة “دعوة على إفطار سفارة الدوحة” على ما يبدو بعض مشاعر الرجال الأخطر والأعمق في المشهد الأردني، ليسجلوا “عدم رضاهم” على نهج حكومة الدكتور هاني الملقي في المراهنة على الجانب السعودي، وهو أمر يحتاج الإمعان بالنظر والفهم أكثر، حين يكون الحديث عن شخصيات من وزن: عون الخصاونة، وعبد الكريم الكباريتي، ونادر الذهبي وعدنان بدران، مجتمعين.
ففي رمضان، تتحول مآدب الإفطار والسحور في عمان لحلقات متواصلة من الرسائل السياسية من جهة، وتسجيل مواقف وتوضيح اتجاهات من ثانية، الأمر الذي يبدو أن إدراكه جعل من دعوتيّ الدوحة والرياض مكاناً لمسؤولين أردنيين لتسجيل رضاهم أو عدمه، على شكل “تلبية دعوات”.
الرؤساء الذين تواجدوا في إفطار سفارة الدوحة يوجهون رسالة قاسية، وفي اليوم التالي تماما لسحور السفير السعودي، وهي رسالة قد تفهم على طريقة “ليس حباً بعليّ ولكن كرهاً بمعاوية” أكثر من كونها تقرّباً لقطر، التي لا زالت بلا سفير أصلا في عمان منذ مغادرة السفير بندر بن محمد العطية في يونيو/حزيران الماضي كاستجابة أردنية للأزمة الخليجية.
غياب سفير قطر عن عمان، لم يمنع تواجد الرجال الأربعة، وهم من أخطر رؤساء الوزراء في الأردن (رغم استبعادهم عن الساحة السياسة)، كما لم يمنع- وهو الأهم- عمدة عمان السابق عقل بلتاجي، حيث رجل نافذ وقريب من القصر الملكي، من التواجد أيضاً وفي ذات الإفطار الأمر الذي يوحي بأضواء خضراء هذه المرة للتنوع في الخيارات ولإرسال رسالة خشنة للرياض.
وجود رجال كالمذكورين، يرسم لوحة جديدة على المشهد الأردني في السنوات الاخيرة، حيث خيارات عمان تتقارب وأحياناً تتماهى مع رغبة الحلفاء؛ الأمر الذي يمكن احتسابه ضمن سلسلة التنافرات مع السعودية على قاعدة القدس اولا وثانيا المساعدات والمنح.
ليلة ما قبل الافطار القطري، كان معظم اعلاميي الاردن يحتشدون في منزل السفير السعودي الجدلي الامير خالد بن فيصل آل سعود، وكان وزير الدولة لشؤون الاعلام والاتصال الدكتور محمد المومني من ذات السهرة والسحور يتحدث عن محاولات فاشلة لـ “دق العلاقة” بين الأردن والسعودية، بينما يقول الامير بن فيصل ان السعودية تدعم الاردن بطرق جديدة، ويعتبر الوصاية الهاشمية “شأن سيادي أردني لا تعترض عليه السعودية” وفق ما نقلته وكالة الانباء الاردنية الرسمية- بترا.
السفير السعودي أساساً ليس محبوباً جداً بالاوساط الاردنية، فالرجل تعدى الكثير من الخطوط الحمراء، وهو يهاجم الاعلام والنواب عدّة مرات، كما تأخذ عليه دوائر صنع القرار التعامل بتعالٍ، ما زاد توتر العلاقات الاردنية السعودية، واضطر الرياض لتنبيهه، ما جعله يختفي عن المشهد في الفترة الماضية.
في السهرة ذاتها، صرح الوزير المومني التصريح المثير للجدل عن كون 49% من الاساءات للاردن على وسائل التواصل الاجتماعي مصدرها سوريا، في محاولة اعتبرها البعض تصديراً لأزمة الداخل الاردني، في حين تتضمن بالضرورة رسالة حكومية للجيش الالكتروني السوري، بأن عمان لديها معلومات من هذا النوع، كما تريد ان توحي ان الاردنيين ليسوا الاساس في الاساءة للعلاقة مع السعودية.
تصريحات المومني بالضرورة تتسق مع موقف حكومته، ففريق الدكتور هاني الملقي لا يزال شديد الحذر بخصوص اللعب بورقة قطر وبصورة رسمية، وهو ما يعارضه رئيس وزراء سابق من وزن عبد الكريم الكباريتي بوضوح وعلناً وهو يتحدث عن انشغال السعودية بمشاريعها وضرورة الانفتاح على خيارات أخرى كإيران للمصلحة الأردنية.
“صراع السفارات” على ما يبدو حمل الكثير من الرسائل في وقت أكثر حساسية من سواه، حيث عمان تشهد حراكاً مطلبياً مختلفاً على خلفية تعديلات قانون ضريبة الدخل، وتتحرك فيه “براكين خامدة” تسمى النقابات المهنية لم تكن ضمن حسابات الحراك الاردني في السابق بهذه القوة.
مثل هذا الحراك، يمكن استغلاله اصلاً من قبل الدولة الاردنية لو أرادت كأرضية صلبة وقوية لأي تنويع للخيارات- بما فيها الخيار القطري- تحت لافتة “لم يعد الشارع يحتمل كلفة الاصطفافات القديمة”، وهو ما يمكن اليوم واكثر من اي وقت مضى تبريره وتفهمه في الداخل الاردني والخارج، في ضوء رسائل ايجابية جدا من قطر (التي صادق اميرها قبل يوم من الافطار فقط- 29 يونيو- على اتفاقية التشجیع والحمایة المتبادلة للاستثمارات بین حكومة دولة قطر وحكومة المملكة الأردنیة الھاشمیة)، بالاضافة لتركيا وايران.
بكل الاحوال، الاستقطابات في السفارات العربية في الاردن على اشدها، وهو ما التقطه حضور افطار الدوحة في عمان بكل تأكيد، ووجهوا رسالتهم فيه، ويبقى الاهم عملياً، ان تتخذ عمان قرارها الواضح بتنويع الخيارات اكثر فأكثر، خصوصا في ضوء حراك يعود للشارع قد تعلو في اي لحظة مطالبه ويصعب السيطرة عليه، أمام حكومة يتجلى ضعفها يوماً بعد يوم.
عن جو اندبندنت