
سواليف
يختصر فيتالي تشوركين مندوب روسيا في الأمم المتحدة مسافة واسعة من الكشف عن مظاهر الخلاف مع نظام دمشق وهو يصنف الرئيس السوري بشار الأسد بالعبارة التي تؤشر إلى أنه «لا يستمع بصورة جيدة للنصائح».
ثمة خلفية لمثل هذا التعليق الذي ربطه تشوركين بتطوير الأمريكيين لموقف يمتنع عن المطالبة برحيل الرئيس الأسد على طريق تسوية سياسية شاملة لا تنسجم حسب المسؤول الروسي مع مقولة «السيطرة على كل الأرض».
في عواصم عربية عدة بينها الأردنية عمان تم مبكراً التقاط الرسالة الأعمق في تصريح تشوركين الذي يكشف ضمنياً خلافات عميقة في وجهات النظر مع الرئاسة السورية حول تكتيك التعاطي مع المسألة.
عنصر الخلاف الأبرز في هذا الإطار يتعلق بالمسكوت عنه في ملف التنافس بل الصراع في بعض الأحيان على النفوذ بين الروس والإيرانيين داخل سوريا وتحديداً داخل الأراضي التي يتم تخليصها من المعارضة المسلحة في الغرب والشرق وفي الجنوب بمحافظة درعا.
المعلومات تبدو غير متاحة في هذه المساحة تحديداً لكن «القدس العربي» تمكنت من الإطلاع على تقرير بحثي عميق صدر عن لجنة المتابعة الأمريكية ويحتوي على معطيات مثيرة حول طبيعة النزاع الميداني بين أطراف عدة داخل سوريا.
وهي نفسها معطيات تتفق مع تحليل ومعلومات الدوائر العميقة في بلد مجاور كالأردن لديه بالتأكيد معلومات مفصلة على الأقل عن الوضع في درعا.
في كل الأحوال ما دفع الأردن لمطالبة روسيا خلال زيارة رئيس الأركان الجنرال مشعل الزبن لموسكو بإبعاد ميليشيات حزب الله ومقاتلي الحرس الثوري الإيراني المصنفين كإرهابيين بموجب وثيقة أردنية هو الرصد العيني لمقاتلي الطرفين بدلاً من مسلحي الجيش الروسي النظامي في معسكرين بعمق بلدتي عثمان والشيخ مسكين بمسافة غير آمنة تقل عن 20 كيلومتراً من الحدود مع الأردن.
اليوم ثمة من يقدر بعد التفحص في الأردن بان بعض القذائف العشوائية التي سقطت بكثافة على مدينة الرمثا الأردنية طوال الأسبوع الماضي قد تكون وجهت من قبل القوة المعسكرة في قرى درعاوية.
بالنسبة للأردنيين لا وجود للجيش النظامي السوري ولا للمستشارين الروس في بلدتي عثمان والشيخ مسكين، الأمر الذي يقلق سلطات عمان الأمنية والعسكرية وحتى السياسية.
الأهم ما تكشفه وثيقة لجنة المتابعة الأمريكية التي تمكنت «القدس العربي» من الإطلاع عليها وتتمثل في ان ضباط الحرس الثوري الإيراني وحلفاءهم من مقاتلي حزب الله يسيطرون بحكم الواقع التام وبدون تنسيق مع الجيش النظامي على كل المعسكرات الموجودة في مناطق يتم تخليصها من المعارضة المسلحة.
الأكثر حساسية ان دمشق ومعها موسكو لا تعرفان بصورة محددة ما الذي يجري داخل هذه المعسكرات التي أصبحت تدين للإيرانيين فقط فيما أصبحت مؤسسة الرئاسة السورية «أسيرة» هذا الواقع.
المفاجأة الأبرز حسب التقرير الأمريكي نفسه تتمثل في ان الكادر الإيراني في بعض معسكرات الجنوب وبمحاذاة البقاع اللبناني وحتى في بعض معسكرات غرب سورية يرفض تماماً السماح للمستشارين العسكريين الروس على الأرض بدخول هذه المعسكرات وغرف عملياتها.
في القراءة الأمريكية نفسها يخفق الجهاز العسكري الإستشاري الروسي في الاستحكام أو حتى في المشاركة في إدارة معسكرات تدين تماماً للحرس الثوري الإيراني ولمقاتلي حزب الله في الوقت الذي يقف فيه الجيش النظامي السوري في موقع العجز التام عن تلبية الرغبة الروسية عملياً.
النظام السوري من جانبه يجد صعوبة في مناقشة الإيرانيين واللبنانيين والعراقيين الذين يقاتلون إلى جانبه على اساس طائفي خصوصاً وان هؤلاء يخوضون فعلاً المواجهة ويتحملون كلفة الصدام مع المعارضة المسلحة خصوصاً السلفية والإسلامية منها.
موقف سلطات دمشق «المتراخي» اغضب موسكو مرات عدة خصوصاً وانها تسيطر على البحر والسماء ولا يوجد لديها على الأرض سوى عدد محدود من ضباط الإشارة وخبراء المعارك المستشارين.
الحرس الثوري وفي أكثر من مرة «طرد» طاقم روسي من محيط بعض المعسكرات ودمشق ترى انها تدين بالفضل للمقاتلين الشيعة في «تحرير» العديد من المناطق ومنظمات الحرس الثوري وحزب الله تحولت لـ «قوة فعلية مستحكمة» على الأرض لا يمكن تجاهلها وتخشى أطراف أمريكية وعربية مثل الأردن والسعودية ان تتحول إلى شريك سياسي سيجلس على طاولة التسوية الكبرى التي يلمح لها تشوركين وهو ينتقد تصريحات الرئيس السوري.
في بعض الميادين معارك النفوذ الميداني بين الحرس الثوري واللبنانيين والعراقيين والروس وحتى بعض ضباط الجيش النظامي لم يعد من الممكن إخفاؤها وإلى حد بعيد يعتقد بأن نمو النفوذ الإيراني في معسكرات محددة ومتعددة على الأرض قد يكون السبب الأرجح للخلافات بين دمشق وموسكو، طبعاً كل ذلك حسب تقييم التقرير الأمريكي.
بسام البدارين



