سواليف
ثلاث علامات فارقة تماماً في تشكيلة الحكومة الأردنية الجديدة التي أعلنها الرئيس د. هاني الملقي توحي بأن التركيبة المختارة عابرة تماماً للرئيس الجديد، وشكلت محصلة لتوافق مراكز القوى الأساسية معه.
الإشارات الثلاث هي أولاً تمكن المخضرم ناصر جودة من الاحتفاظ بموقعه كرجل رابع في الوزارة بالرغم من «عاصفة التجاذب» التي حاولت الإطاحة به من خلف الستارة.
وثانياً تمكن البيروقراطي الأمني المحنك سلامة حماد من العودة وبسرعة كبيرة لموقعه كوزير للداخلية بعد أسابيع قليلة من مغادرته الموقع نفسه، بعمل منهجي من رئيسه السابق د. عبد الله النسور، الأمر الذي يعكس مستوى «بصمات» القصر الملكي في التركيبة الوزارية الجديدة.
ثالثاً العودة لرموز القطاع العام بل وأبرزهم وهو الرجل الثاني د. جواد العناني الذي يجلس بلا منافس الآن او بمنافسة ضعيفة على رأس الطاقم الاقتصادي لطمأنة الرأي العام في «بصمة» من الواضح والمرجح أنها تخص رئيس الوزراء حصرياً وبصفة شخصياً.
خلف الكواليس دارت مواجهة شرسة هدفها إبعاد الوزير ناصر جودة. واستمرار الرجل في موقعه يعني إضعاف محور وزيرالتخطيط والتعاون الدولي عماد فاخوري ومدير مكتب الملك جعفر حسان، وهو أيضا وزير سابق للتخطيط.
كلاهما ـ أي الفاخوري وحسان – اختلفا مع جوده مؤخرا، والأخير انتقد بشدة وفي عدة مناسبات مغلقة تدخلهما في شؤون وزارته وتنسيق الكثير من العمل مع السفراء بدون ترتيب معه في الوقت الذي تم فيه إبعاد جودة عن محور التعاون المالي الدولي خصوصا في ملف التعويض عن اللجوء السوري.
محور فاخوري وحسان يبدو أضعف الآن ليس فقط بسبب بقاء جودة في الحكومة، ولكن لأن رفيقهما وزير العمل الأسبق نضال قطامين رحل عن الوزارة وحل في موقعه وزير سابق هو علي الغزاوي الذي يعتبر من الشخصيات الخبيرة والهادئة والمحبوبة خصوصا في المجال الإنساني.
المواجهة المستمرة منذ مؤتمر لندن بين جودة وفاخوري وحسان حسمت لصالح الأول، وهو حسم غير ممكن إطلاقا بدون تدخل المرجعيات ودعم بقاء جودة وحيدا في المجال الحيوي الدبلوماسي وشؤون المغتربين مع الاحتفاظ بموقع نائب الرئيس.
عودة الوزير حماد للداخلية بعد أقل من شهرين على إقالته بقرار من الرئيس النسور وبعد خلافات علنية تبدو مؤثرة في المشهد لأنها «تغلق عمليا» الحسابات الشخصية للنسور بعد أيام فقط من رحيله.
«القدس العربي»علمت أن الوزير حماد وعندما أصر النسور على مغادرته في التعديل الوزاري الأخير له حظي بـ»همسة ملكية» وعدته بالإنصاف قريبا، بمعنى أن المرجعية الملكية مررت للنسور ما يريد بخصوص حماد لكن رضاها عن أداء الأخير يفسر عودته السريعة.
المسألة هنا عابرة للحكومة ولرئيسها الجديد أيضا، والمفاجئ أن النسور وبعد خروج حماد الوزير القوي جدا من حكومته خطب ضده في البرلمان ووصفه بأنه «فردي ولا يؤمن بالعمل ضمن قنوات الدولة»، فيما كان حماد نفسه يصف النسور بأنه «متفرد ويعامل الوزراء كطلاب صف».
طبعا النسور ووزيره حماد اختلفا علنا في مسألة قانون اللامركزية، ويبدو واضحا الآن أن الوزير حماد ستكون أولويته تنفيذ مشروع اللامركزية الإدارية وهو أمر مباشر حل في المرتبة الثالثة تماما في خطاب التكليف الملكي للرئيس الملقي.
بمعنى أن حماد عاد للحكم في أهم وزارة سيادية من أجل ملف «اللامركزية» التي لمح لها الملك أيضا في خطاب مناسبة الاستقلال.
بقيت الظروف والملابسات التي عادت بشخصية تكنوقراطية مثيرة للجدل من وزن جواد العناني للواجهة مجددا، فالرجل كان رئيسا للديوان الملكي في الأيام الأخيرة لحياة الراحل الملك حسين بن طلال وبقي خارج الإدارة ومؤسسات الحكم لأكثر من 16 عاما.
عودة العناني وقبوله بموقع الرجل الثاني تبدو «الحدث الأبرز» في التركيبة الوزارية وببصمة محسومة للرئيس الملقي. ومحور الفكرة أن الملقي لا يريد أن تتهم حكومته خصوصا بعد قانون الاستثمار الجديد بـ»بيع القطاع العام» والرجل الأنسب لإنتاج هذا الانطباع وحتى للتلاعب به إذا لزم الأمر هو د. العناني، وهو متعدد المواهب، فهو مقدم برامج وكاتب صحافي ومعلق اقتصادي ووزير مخضرم عدة مرات.
أهمية العناني تكمن في أنه الرجل الذي يحسب له أنه المشرف الأبرز على فكرة ورعاية برنامج مؤسسة عملاقة من وزن الضمان الاجتماعي في الماضي، وأنه مبتكر مفهوم «رقابة وزارة التموين» وينتمي للقطاع العام في التفكير الاقتصادي.
وظيفة العناني ستكون على الأرجح الحد من اندفاع الاقتصاديين الليبراليين في الحكومة مثل وزراء التخطيط والمالية والطاقة، والإيحاء بأن حكومة الملقي مهتمة ببقاء التأثير لمفكري ورموز القطاع العام، هذه المهمة إذا أخفقت مهارات العناني الذاتية تؤهله لتجميلها قدر الإمكان ولمنح مشاريع «بيع الاستثمارات» مستقبلاً قدراً أقل من الصخب والإثارة.
بدون ذلك لا توجد مفاجآت سياسية في تشكيلة وزراء الملقي المعلنة أمس الأربعاء، خصوصاً وأن اللاعب الجديد الداخل بقوة لوزارة الشباب بعد العودة لإنعاشها إثر سنوات من الغياب وهو وزير الشباب الجديد رامي وريكات له حضور قوي بسبب خبراته المتراكمة كابن شرعي ومؤثر في المشهد البيروقراطي.
الملقي استعان بأربع نساء في وزارات خدماتية مباشرة فبقيت مجد الشويكة وزيرة للاتصالات، ودخلت كريمة الوزير السابق ياسرة عاصم غوشة وزيرة لتطوير القطاع العام، ولينا عناب وزيرة للسياحة، وخولة العرموطي وزيرة للتنمية الاجتماعية.
في المقدمة وبعد العناني بقي د. محمد الذنيبات في موقعه كرجل ثالث معني بملف التربية والتعليم وشؤون الخدمات. وبعد أداء لفت نظر الجميع بقي الدكتور محمد المومني وزيراً لشؤون الإعلام.
وعاد داعية إصلاح الجامعات وجيه عويس لوزارة التعليم العالي وبقي إبراهيم سيف «ممثل كرسي المخيمات» في الوزارة بمكانه وزيرا للطاقة، وكذلك المخضرم حازم الناصر بقي وزيراً للمياه والري مع تعيين وزير جديد للزراعة هو رضا الخوالدة والاستعانة بشخصين في مقر الرئاسة كوزيرين للدولة هما خالد حنيفات وفواز ارشيدات.
عمر ملحس استمر وزيراً للمالية بسبب عدم وجود «بديل جاهز»، وبقي أيضا سامي الهلسه وزيرا للأشغال، وأصبح وزير الأشغال السابق يحيى الكسبي وزيرا للنقل لتغطية «التمثيل الشركسي»، وعين وائل عربيات ابن وزارة الأوقاف وزيراً لها، وعين ياسين الخياط وزيرا للبيئة، وبقي بسام التلهوني وزيراً للعدل.
القدس العربي