طبقة «المرشح- المليونير» تتصدر في الأردن

سواليف

تبدو القراءة الأولية لتداعيات الانتخابات البرلمانية في الأردن التي دخل فيها تماما المزاج الشعبي قبل نحو ثمانية أسابيع من موعد الاقتراع مفتوحة على كل الاحتمالات الخالية من الطابع السياسي، ليس فقط بسبب طبيعة وتركيبة القوائم الانتخابية المتوقعة، ولكن أيضا بسبب الوضع الملتبس الذي ينتجه نظام القوائم الانتخابية في غياب الأحزاب وبرامجها وفي ظل قرار جماعة الإخوان المسلمين إنهاء المقاطعة والمشاركة في الانتخابات.
حتى قبل أقل من شهر على موعد تسجيل القوائم الانتخابية رسميا، لا تتجرأ العشرات من القوائم المحتملة على كشف هويتها النخبوية والإعلان عن أسماء أعضائها مرة بسبب صعوبات مناطقية وديموغرافية وأخرى بسبب تعقيدات إدارية ومالية خصوصا مع استمرار تكرس القناعة بأن كل قائمة انتخابية يتم تركيبها على أساس إمكانية النجاح في الفوز بمقعد برلماني واحد فقط على مستوى غالبية الدوائر الانتخابية.
على الصعيد الرسمي، لا تبدو المؤسسات المعنية حتى في جهاز الدولة والإدارة العليا قادرة على ترسيم سيناريو أو تصور لنتائج الانتخابات بموجب النظام القانوني الجديد، الأمر الذي ينتج ارباكات متعددة الأوجه.
الأسئلة الحرجة في معادلة الانتخابات لا يمكن الإجابة عليها مقدما، وفي هذه المرحلة خصوصا عندما يتعلق الأمر بأي تصور حول الحصة التي يمكن ان يحصل عليها التيار الإخواني حصريا بعد النتائج أو عندما يتعلق بالهوية السياسية للمرشحين الأوفر حظا.
كذلك لا يمكن الإجابة عن مستوى وحجم المناكفين المحتملين بعد نتائج الانتخابات ولم تتضح بعد تفصيلات مركز الثقل العشائري أو البيروقراطي في انتخابات على أساس القوائم يقول الجميع أنها مسيسة ومهمة وستجري بأقصى طاقات النزاهة وعدم التدخل.
عدم وجود إمكانية لإحصاء عدد القوائم الانتخابية وتتبع هويتها السياسية والديموغرافية، من العناصر التي تساهم الآن في ضبابية الصورة والامتناع عن دراسة النتائج المحتملة بصورة دقيقة أو عميقة خصوصا وان القوائم المتشكلة حتى الآن والتي ستتشكل لاحقا قابلة للتقلص والتمدد والانسحاب والتغيير في أي لحظة قبل يوم 16 اب/اغسطس المقبل وهو اليوم الذي تنتهي فترة التسجيل الرسمي للقوائم.
لا توجد قوة سياسية أو حزبية مركزية خلافا للإخوان المسلمين تخوض الانتخابات، ما دفع السلطات لأقصى طاقات الاحتمال تجنبا لمزالق ومفاجآت لها علاقة بالإخوان المسلمين وحصتهم.
وعبرت السلطات عن ذلك مرات عدة عندما منعت خطباء المساجد المترشحين أو الذين ينوون الترشح من اعتلاء منابر المساجد ومن إدارة صلوات خاصة في العيد.
لاحقا أصدر رئيس الهيئة المستقلة للانتخابات الدكتور خالد كلالدة موقفا أعلن فيه ان الهيئة لن تستقبل طلبات ترشيح لقوائم باسم جماعة الإخوان المسلمين «غير المرخصة» إعمالا بالقانون.
عمليا تنظم جماعة الإخوان المسلمين شؤونها الانتخابية في إطار من السرية والكتمان بعيدا عن الأنظار، ويثير الأمر ارتياب السلطات وشهية التساؤل والتوقع، وفي بعض مفاصل القرار يثير الوضع الإخواني الصامت مخاوف من مفاجآت يمكنها ان تخل بمبدأ نظافة الانتخابات في المحصلة.
المستوى الرسمي الأمني منشغل حاليا بأولويات خارج النطاق الانتخابي، والتحديات الإقليمية والاقتصادية تتصدر على المستوى العميق، وصيغة قانون الانتخاب عبرت عن جميع مراكز القوى أصلا بدون نقاش وترتيبات مسبقة، الأمر الذي يساهم بدوره في عدم وجود تصور مركزي لنتائج الانتخابات كما كان يحصل في الماضي.
الارباك لا يقف فقط عند ملف الإخوان المسلمين واحتمالات المعارضة، فالمعارضون والمناكفون وأصحاب الراي المستقل في برلمان 2016 الذي تقلصت عدد مقاعده أصلا، يمكنهم التحول إلى قوة حقيقية في الواقع التشريعي إذا ما تقاربوا من بعضهم البعض وبصورة سترهق كما يؤكد لـ«القدس العربي» أحد الخبراء برامج الاسترضاء المعتادة عند الدولة للنواب المعتدلين أو غير المعارضين.
العنصر الذي لا يمكن اسقاطه أيضا من خريطة الارباك يجلس بوقار اليوم عند الرصد الأولي لدور المال في رعاية العملية الانتخابية برمتها، فالطابع العام وبعيدا عن المآل السياسي المباشر يسير اليوم في اتجاه انطباع يقول، ان كل قائمة انتخابية خالية من أقطاب عدة ستعمل لصالح مرشح محدد يترأسها هو شخصيا، وبالتالي سينحصر تمويل نفقات القائمة في هذا المرشح الأقوى.
في غالبية الحالات سينفق مرشح واحد فقط مؤهل للنجاة على حملات ونفقات زملائه في القائمة الواحدة.
يعني ذلك عمليا ان من لديهم فرصة في الترشح أصلا هم في الأغلب الأرجح أصحاب المال وذوي الامكانيات الكبيرة، لان كلفة الحملة الانتخابية في بعض الدوائر الانتخابية قد تقفز عن نصف مليون دولار.
المثقفون والمسيسون في العادة لا يملكون مالا يؤهلهم للمنافسة ورغم كل الإجراءات الإيجابية والشفافة التي تتخذها الهيئة المستقلة لمحاربة ما يسميه الكلالدة بالمال الأسود في الانتخابات إلا ان شبح المال يخيم فعليا على التفاصيل ومن زاوية الحقيقة المرة التي يقر بها الجميع.
وهي حقيقة تقول في النتيجة ان نفقات كل قائمة سيمولها شخص واحد على الأغلب، وان الحملات الانتخابية بالتالي تتأثر بدور المال وستنحصر بمرشحين من طبقة المليونيرية وبصورة تؤكد ان الفقراء الذين يطمحون بالترشح لا مكان لهم في الخريطة والواقع بسبب الاستعراضات المالية الكبيرة التي تتطلبها أي حملة انتخابية وهي استعراضات يشتمها الناس من الآن وفي وقت مبكر جدا.

القدس العربي

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى