تداعيات رجل عالق في «البيروقراطية» الأردنية / بسام البدارين

تداعيات رجل عالق في «البيروقراطية» الأردنية

استذكرت كثيرا مؤخرا تداعيات الراحل الكبير الزميل محمد طملية بعنوان «..رجل يجلس على جاعد» والجاعد لمن لا يعرفه هو جلد الخاروف الذي يحوله فقراء الأردن لمقعد وثير في صالوناتهم قبل اختراع المقاعد الوثيرة والتجارية.
بكل الأحوال شاء حظي السيئ ان أراجع مؤخرا عدة مؤسسات أردنية للاطلاع عن كثب على أجمل وأبهى المشاهد الساخرة في الإدارة البيروقراطية.
فيما يلي انطباعات وتداعيات متفرقة بين المكاتب والموظفين..لكنها عند محاكمتها معا تعكس صورة وحقيقة ما يجري خصوصا في قطاع الاستثمار:
# غرفة الصناعة والتجارة.. أدفع 30 دينارا «حوالى 46 دولارا» بدل ورقة تسجيل في الغرفة.. فليكن: ثمن الورقة لأنها مصقولة مرتفع، ولكن..حتى أحصل على الورقة المصقولة التي تثبت تسجيل بقالتي الجديدة طلبت الغرفة مني خمس وثائق أصلية ومصدقة..طبعا تصديق هذه الوثائق كلفني 150 دينارا.
ليست مشكلة باعتباري تاجرا «مليانا»..عند الاجراء أعاد لي الموظف الأوراق الخمس التي تبهدلت اسبوعا لإنجازها ببساطة وحصل على صور منها فقط…عندما سألته حدثني عن عدم حاجته للأوراق الرسمية الأصلية إلا فقط للتأكد من عدم التزوير…حاولت «أشد شعري» يا جماعة وألطم لم أعثرعلى اي شعرة.
لماذا؟: لأن غرفة التجار والصناع تستطيع ببساطة الاكتفاء برخصة الدكانة والاطلاع على موقع وزارة الصناعة والتجارة للحصول على رقم منشأتي الوطني ثم منحي الورقة المصقولة إياها وهي طبعا ورقة صلاحيتها سنة واحدة فقط وتتجدد بـ 20 دينارا ولا يمكنك الحصول على رخصة مهن من أمانة عمان بدونها.
ولله كمواطن حزين لأول مرة في حياتي على من يعمل بالقطاع الخاص.
الرغبة في إحباط المستثمر وملاعبته والمزاودة عليه وطنيا وأخلاقيا وتشليحه سرواله دون إكتراث بالنتائج «تنز» من عينيه وهو يخطب بصفته حارسا للبيروقراطية الوطنية المسؤولة.
لو قلنا كأردنيين القطاع الخاص حرامي ويسرق المواطنين والنقابات ملعونة ومخترقة والأجانب والضيوف الذين معهم مصاري يفكرون تراب الوطن للبيع..لوحصل ذلك وقررنا كشعب الهتاف «فليسقط القطاع الخاص والاستثمار»…وذهبنا للعام فهل تستطيع الحكومة توفير التعليم والخدمات وفرص العمل والرعاية الصحية لعيالنا ؟..مجرد سؤال.
غرفة فيها خمس موظفات.. في أمانة عمان..كلهن يلتهمن رقائق البطاطا خلال الدوام الرسمي ولا توجد ورقة واحدة على مكتب أي منهن.. «طق حنك وسوالف» والغريب ان معاملتي وقعتها إحداهن من قفا إيدها دون ان تتكلف حتى عناء النظر لي.
قيل لي :إذهب ووقع أوراقك من المسؤول الصحي..ذهبت لم ينظر الرجل ايضا لي وشرح على ورقتي وقال «لا مانع» وطج الختم والتوقيع وهو يتسلى هاتفيا مع إحداهن.. تحية للصحة.
موظفة معنية باستقبال الاعتراضات في دائرة ضريبة الدخل غير موجودة على مكتبها لـ 45 دقيقة متواصلة..سألت زملاءها الثلاثة الذين لا يفعلون شيئا إطلاقا فقيل لي انها في «الوضوء والصلاة»….يعني أختنا تخصص نصف نهار لانتظار صلاة الظهر والنصف الثاني للوضوء..شخصيا أفتي من عندي مثل هذه الصلاة غير مقبولة.. لا منها ولا من مدرائها.
مسؤول وظيفي أمسك معاملتي واندفع في حديث فكاهي وشخصي مع شخص يجالسه بينما انا المراجع الوحيد أمامه وكأنني «ذبابة» لم يحترم إطلاقا وقتي ولا وقت الدوام..عشر دقائق عدا ونقدا والرجل لا يحفل بوجودي وأوراقي بين يديه وأنا صامت كالصنم وهو يتبادل النكت ويستغيب أحد المدراء.
تنحنحت مرتين على الأقل دون فائدة، تنملت..تحركت دون أمل..في النحنوحة الثالثة نظر بسرعة لمعاملتي قائلا: «إرجع عالضريبة جيبلي ورقة كذا مش موجودة أو إدفع الغرامة».
حاولت عبثا إقناعه بالنظر إلى ورقة براءة الذمة المرفقة من الضريبة فردد نفس عبارته دون ان ينظر لشكلي حتى.
أحب وزير التربية والتعليم في الأردن وأحترم جهده وأصفق لاجراءاته في إحالة مخالفات سابقة ليست في عهده للتحقيق القضائي ولكن لا يمكنني الموافقة معه على أن الوزارة يمكنها ان تنقلب على الناس وعلى من سبق ان عمل فيها وان من سيدفع الثمن هم المواطنون سواء أكانوا عاديين مثلي او طلابا فالوزارة عليها ان تتحمل أخلاقيا ووطنيا مسؤولية اي قرارات خاطئة سابقة قبل المعنى.
سألت الموظف المختص في إحدى المؤسسات الأهلية «ما هي الامتيازات النقابية التي أحصل عليها عند التسجيل معكم رغم أني مسجل قسرا؟»..ابتسم وقال: أستاذ إقرأ موقعنا…الغريب ان المؤسسة كلها لا تقرأ موقع وزارة الصناعة والتجارة..لو فعلت لأعفتني وأعفت نفسها من الكثير من التفاصيل.
بحسبة بسيطة كلفتني رخصة المهن لشركة صغيرة مسجلة تحبو أكثر من «1000» دينار عدا ونقدا ما بين رسوم ومواصلات وبدل إصدار وثائق..طبعا هذا غير بند الغرامات…وغير الساعات الطويلة المملة مع طوابق وأفلام السكرتيرات والموظفين النعسانين ووقتي ووقت إثنين محامين مهدور وثلاثة اشهر من المراجعات»..وبيقلك جذب الاستثمار ومش «جباية»..بلاش كذب».
لماذا غالبية الموظفين يلتهمون «كعكا وشايا وشيبسا» خلال الدوام الرسمي ؟ نفسي أفهم..ولماذا عدد كبير منهم سيبقى واقفا وليس لديه كرسي وطاولة ؟..ولماذا جزء كبير من المحاسبين والمراقبين تحديدا دائما ليسوا في غرفهم بحجة «صلاة الظهر».؟

٭ إعلامي أردني من أسرة «القدس العربي»

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى