القمر الدامي … وبدء موسم القتل!
شهدت منطقتنا العربية الأسبوع الماضي ظاهرةً كونيّة فريدةً تُعرف بخسوف القمر العملاق أو الدامي، حيث تواجد القمر في أقرب مكان له من الأرض، وكان مصطبغاً باللون الأحمر الشفّاف، فبدت السماء لوحة طبيعية أخّاذةً يتوسطها قمرٌ عملاق مشبّع بالحُمرة الشفّافة.
ولكن للأسف، فإن هذا المنظر الجميل على ما يبدو قد حفّز شهوة القتل عند بعض الأنظمة، فاختلط لون القمر «الدامي» بلون الحبر القاني في قوائم الموت في كلٍ من سوريا ومصر، وكأن ظاهرة القمر الدامي قد أعلنت بدء موسم القتل في بلادنا العربيّة، بعد توقف قسري!
فقد أصدرت الحكومة السورية (ما يسمّى دائرة النفوس) قوائم تضم أسماء الوفيّات من المعتقلين في سجون النظام، والذين تم اعتقالهم مع بدء المظاهرات الشعبية السلميّة عام 2011، وقد عزت الحكومة أسباب الوفاة في المجمل، إلى ظروف صحيّة غلب عليها (النوبة القلبيّة)، وتصدّرت منطقة داريّا – غوطة دمشق أعداد القتلى بألف قتيل، تلتها الحسكة 750، وحلب وحمص 500 قتيل لكل منطقة، إضافة إلى 500 قتيل من اللاجئين الفلسطينيين من ضمنهم المصور والناشط نيراز سعيد.
وما زال أهالي المفقودين في سوريا، في انتظار صدور قوائم موت جديدة في الأسابيع المقبلة، في خطوة يستهدف النظام من خلالها إغلاق ملف المعتقلين وحقوق الإنسان إلى الأبد، مستفيداً من حسمه للعملية العسكرية على الأرض من جهة، ومن الغطاء السياسي الذي يحظى به حالياً من جهة أخرى، في ظل رغبة المجتمعين الدولي والعربي في إرساء قواعد السلام والأمن على الحدود السورية (بما في ذلك حدوده مع دولة الاحتلال)، وهو ما تم تأكيده أكثر من مرة، كان آخرها تصريحات إسرائيلية رسمية ترحّب بعودة الجيش النظامي السوري «لحراسة» الحدود!
وحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فإن نحو مائة ألف مدني اعتقلوا أو اختفوا قسراً في سوريا منذ بدء الثورة السورية، يتحمّل النظام السوري مسؤولية 80 ألفاً منهم (يعترف النظام بثلاثين ألفاً)، وقد تمَ توثيق مقتل ثلاثة عشر ألفاً منهم تحت التعذيب في سجون النظام لغاية عام 2016.
المُبكي والمفجع، أن تبليغ الأهالي عن مقتل ذويهم، يتم عبر الهاتف، أو عن طريق نشر قوائم بالأسماء،
وعلى هؤلاء الأهالي المكلومين استلام شهادات وفاة أبنائهم والتوقيع على ذلك، بما يضمن اخلاء النظام من أية مسؤولية، وفوق هذا كله، فإن جثث هؤلاء المتوفّين لا يتم تسليمها أو حتى الدلالة على مكان دفنها، بل يُكتفى بالإخبار عن الوفاة التي حصلت منذ عدّة سنوات، على أن يُفهم ضمناً أنها قد دفنت بمعرفة النظام!
بعض الأسماء الواردة في قوائم الموت الجديدة، كانوا ضمن تسريبات الصور التي نشرها «القيصر» سابقاً والتي وثّقت مقتل ما يزيد عن أحد عشر ألف ضحية في المعتقلات السورية نتيجة التعذيب والجوع وسوء الرعاية الصحية أو بسبب التصفية الجسدية المباشرة.
وهنا لا يسعنا إلا أن نتساءل، ما الذي يمنع المحاكم الدولية والمنظمات الحقوقية، والدول التي تدّعي الدفاع عن حقوق الإنسان، من اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لمتابعة ملف المعتقلين وإدانة النظام بجرائم الإبادة وقتل المدنيين؟!
هل تخيّلت يوماً أن يختفي أحد أفراد عائلتك ولا تعلم عنه شيئاً لسنوات عدّة، وعند مراجعتك للدوائر الحكوميّة المختصة، لا تجد سوى الإنكار وادعاء عدم وجود معلومات، وفي لحظة هاربة من الزمن يأتيك اسمه ضمن قوائم المتوفين بنوبة قلبية منذ خمسة أعوام، ثم لا تجد قبراً تبكيه!
غير بعيد عن سوريا، أصدرت المحكمة المصرية قائمة موت طويلة تضم 75 شخصا من المتهمين في أحداث ميدان رابعة العدوية الذي اعتصم فيه أنصار الرئيس مرسي رافضين إجراءات خلعه واعتقاله. وتضم هذه القائمة وزراء سابقين وسياسيين وأكاديميين ورجال دعوة.
المأساة هنا هو أن هؤلاء المحكومين بالإعدام، هم ضحايا تلك الأحداث التي قام بها الجيش المصري وقادة الانقلاب، بل إن الوفيات التي حصلت أثناء فض ذلك الاعتصام (وغيره) كانت جلّها من نصيب ذوي المحكومين وأقاربهم وعائلاتهم ومعارفهم وأصدقائهم، حيث تجاوز عدد الوفيات الرسمي 600 وفاة، في حين أن عدد القتلى من أفراد الأمن كان ثمانية أفراد فقط.
وقد استمر الاعتصام لمدة شهر ونصف دون أحداث عنف أو تعدٍّ من المعتصمين على الممتلكات او أفراد الأمن، إلى أن قررت قوات الأمن فض الاعتصام بالقوة واقتحام قوات الجيش للميدان.
في الوقت الذي يجب فيه محاكمة المسؤولين عن فض الاعتصام بالقوة، والذين تسبّبوا في إراقة الدماء، يتم اعتقال واتهام ومحاكمة الضحية من قبل الجلاّد، ذلك الجلاّد الذي سبق وأن أعلن أن هدفه هو إقصاء هؤلاء الخصوم عن المشهد السياسي والاجتماعي.
وهذا لا يدع مجالاً للشك في أن هؤلاء المحكومين قد حُرموا من فرصة الحصول على محاكمة عادلة ومنصفة، في ظل التحريض المستمر ضدهم.
ونحن إذ نقول هذا، لا ندّعي براءتهم المطلقة أو إدانتهم، ولكننا نرى من واجبنا وواجب كل من يحرص على إعلاء شأن المواطن العربي، المطالبة بتحقيق شروط العدالة في محاكمتهم، بعيداً عن الإقصاء السياسي والإملاءات التي يقوم بها النظام الحالي، وبعيداً عن تصفية الحسابات، وهو أمر مشكوك فيه في ظل الظروف الحالية في مصر، التي تتسم بالأحاديّة، وقمع الحريّات العامة.
القتل العلني الفاضح، يتم اليوم بحماية القانون والدستور، ويصطبغ بحجج الدفاع عن الوطن، ومكافحة الإرهاب، وهو بذلك يحظى بتأييد البعض، وبغضّ الطرف من البعض الآخر، إنه موسم القتل الشرعي، والمسكوت عنه في بلادنا!
وأختم بهذا الاقتباس (عصفور، صدمه سائق سيارة فنزل السائق وأخذه لبيته وعالجه حتى شُفي تماماً، ثم وضعه في قفص فلما أفاق العصفور وجد نفسه محبوساً في قفص. العصفور يعتقد أنه ضرب السيارة وقتل السائق وهو الآن في السجن!)