’للقضاء محاكمة النائب المعتدي على خبرني بلا إذن النواب’

خاص بـ “خبرني”
كتب – الدكتور أشرف سمحان

بقراءة نص المادة (86/1) من الدستور الاردني نجدها تنص على انه:
[1. لا يوقف احد اعضاء مجلسي الأعيان والنواب ولا يحاكم خلال مدة اجتماع المجلس ما لم يصدر من المجلس الذي هو منتسب اليه قرار بالاكثرية المطلقة بوجود سبب كاف لتوقيفه او لمحاكمته او ما لم يقبض عليه في حالة التلبس بجريمة جنائية وفي حالة القبض عليه بهذه الصورة يجب اعلام المجلس بذلك فورا.] .
ولتحديد مفهوم “الجرم المشهود” نجد ان المادة (28) من قانون اصول المحاكمات الجزائية تعرف هذا المصطلح بقولها: [1. الجرم المشهود ( هو الجرم الذي يشاهد حال ارتكابه او عند الانتهاء من ارتكابه ).
2. وتلحق به ايضا الجرائم التي يقبض على مرتكبيها بناء على صراخ الناس اثر وقوعها او يضبط معهم اشياء او اسلحة او اوراق يستدل منها انهم فاعلو الجرم وذلك في الاربع والعشرين ساعة من وقوع الجرم ، او اذا وجدت بهم في هذا الوقت آثار او علامات تفيد ذلك].
ومن خلال قراءة نص هذه المادة نجدها قررت صورتين من الجرم المشهود هما الجرم المشهود الحقيقي او الفعلي متضمناً في الفقرة الاولى من المادة السابقة والجرم المشهود الحكمي وهو المحدد في الحالات في المذكورة في الفقرة الثانية من تلك المادة.
ومثل تلك الحصانة الاجرائية التي يتمتع بها النائب ليست امتيازاً شخصياً له وانما تتقرر بصورة الاذن من مجلس النواب لتمكين النائب من ممارسة عمله دونما ادنى ضغط من اية سلطة كانت تنفيذية او قضائية، بحيث لا يبتز بالتوقيف او المحاكمة، وعلة هذه الحصانة منتفيه حتماً في حالة الاعتداء على خبرني لان الادلة على تلبس النائب بالجرائم المنسوبة اليه قطعية الثبوت ممثلة في العلنية ارتكبت تلك الجريمة من خلالها واعترافه بشكل علني بارتكابه اليها كذلك، ثم نقول بأن النائب المذكور ارتكب جريمة اخرى بتقريره عبر وسائل الاعلام الالفاظ التي تفوه بها بحق موقع خبرني والقائمين عليه، فاي جرم مشهود يمكن ان يتحقق اكثر من ذلك، لا بل نرى ان الجراءم المرتكبة عبر وسائل الاعلام تتحقق فيها الحكمة المرجوة من اشتراط الجرم المشهود اكثر من حالة الجرم المشهود ذاتها (بالقياس من باب اولى)، اذ انه اذا كان يتواجد في الجرم المشهود شاهد او شاهدان بلحظة ارتكاب الفعل فان الشعب الاردني عن بكرة ابيه كان شاهداً على الاقوال التي ادلى بها النائب المذكور عبر وسائل الاعلام، لا بل ان توثيق هذه الجريمة لا يقبل الشك باي حال من الاحوال، سيما اذا علمنا بان تسجيل الاعلام لتصريح النائب لا ينطبق عليه مفهوم المادة (88) من الاصول الجزائية والتي تشترط اذن المدعي العام لغايات تسجيل الصوت او الصورة ببساطة لانه اجلى بتلك الاقوال عبر وسيلة من وسائل العلنية والمادة المذكورة انما وجدت لحماية الحياة الخاصة للافراد وضمان حرمة خصوصيتهم الامر الذي لا يتوف بوقائع هذه القضية.
واذا جاز لنا الاجتهاد في هذه المسألة فإننا نقرر أن توجيه النائب كل من الذم والقدح والتحقير وكذلك توجيه التهديد الصريح للقائمين على ادارة موقع خبرني نقول بأن توجيه كل ذلك عبر وسائل الاعلام يجعل الجرائم التي شكلها كل ذلك من قبيل الجرم المشهود، سيما ان النائب المذكور اعترف صراحة بذلك وبشكل علني على الاقل من ناحية وجود اثار او علامات تفيد بوقوع الافعال المنسوبة الى النائب من لحظة توجيهها وطوال فترة اربع وعشرين ساعة لا فقط خلال تلك الفترة.
ولا ادل على ذلك من تحريك مخفر امن الشميساني لقوة تابعة له لحماية المكاتب التي يدار موقع خبرني من خلالها، وكل ذلك خلال فترة تقل عن اربع وعشرين ساعة من وقت وقوع الافعال المنسوبة الى النائب المذكور.
من ناحية اخرى، فإنه وحتى بفرض رفض القضاء وتحرزه من توقيف النائب او محاكمته فيتوجب العلم بأن كلاً من ادارة موقع خبرني والاشخاص الذين وجه الذم والتهديد اليهم مباشرة لاي منهم توجيه طلب مباشرة الى رئيس الوزراء احتراماً لنص المادة (136) التي تنص على انه: [يقدم رئيس الوزراء طلب الاذن باتخاذ الاجراءات الجزائية الى رئيس المجلس ، مشفوعا بمذكرة تشتمل على نوع الجرم ومكانه وزمانه والادلة التي تستلزم اتخاذ اجراءات عاجلة].
واذا كان مقبولأ من ناحية تنظيمية تحديد رئيس الوزراء كجهة تملك تقديم طلب رفع الحصانة بناء على طلب من النيابة العامة الاذن بتحريك دعوى الحق العام بشأن الجريمتين المذكورتين (من خلال تقديم المدعي العام طلباً بذلك يتسلسل بحسب قاعدة تسلسل السلطة ليصل الى وزير العدل ومنه الى رئيس الوزراء)، الا اننا نرى ان منح رئيس الوزراء اية سلطة تقديرية في تقرير تقديم مثل ذلك الطلب (طلب رفع الحصانة عن النائب) من عدمه لا يتوافق وروح الدستور ويمنح النائب حصانة اكبر من تلك التي قررها له الدستور، الامر الذي يوجب القول بأن سلطة رئيس الوزراء في تقديم طلب رفع الحصانة هي سلطة مقيدة لا سلطة تقديرية، لانه لا يجوز للنظام الداخلي لمجلس النواب الذي يفترض به ان يكون مجرد نظام اجرائي يحدد الاجراءات التي يؤدي مجلس التنواب وطيفته من خلالها، لا يجوز لمثل ذلك النظام تقرير حقوق لم ينص عليها الدستور سيما اذا علمنا انه ليس لجلس النواب تقرير امتيازات لنفسه بشكل اكبر من تلك المقررة في الدستور.
وكذلك فإن عدم الدستورية تمتد لتصم المادة (135) ايضاً من النظام الداخلي لمجلس النواب والتي على انه: [لا يجوز خلال دورة انعقاد المجلس ملاحقة العضو جزائيا او اتخاذ اجراءات جزائية او ادارية بحقه او القاء القبض عليه او توقيفه الا باذن المجلس، باستثناء حالة الجرم الجنائي المشهود، وفي حالة القبض عليه بهذه الصورة يجب اعلام المجلس بذلك فوراً]. ذلك ان المادة المذكورة حظرت على النيابة العامة اتخاذ اي اجراء تحقيقي بحق النائب الا بعد صدور الاذن وهو امر لم يقرره الدستور وفيه منح لحصانة اكبر من تلك التي قررها الدستور للنائب والمتمثلة في حظر التوقيف او المحاكمة دون غير ذلك من اعمال التحقيق القضائي الذي تجريه النيابة العامة حماية للادلة من الضياع.
وما سبق يؤيده اعتبار اخر مهم جداً يتمثل في مثل تلك الحصانة التي يتمتع بها النائب (والمتمثلة في صورة الاذن) انما تشكل قيداً على حرية النيابة العامة في تحريم دعاوى الحق العام حماية للمجتمع واقتضاء لحقه في العقاب بالاضافة الى حماية الافراد والحقوق والحريات العامة، مما يعني ان مثل ذلك القيد الذي يرد على حرية النيابة العامة في تحريم دعوى الحق العام هو قيد استثنائي لا يجوز التوسع في تفسيره ولا القياس عليه. حتى اذا توصلنا الى الزام رئيس الوزراء بتقديم طلب رفع الحصانة عن النائب وجدنا ان المادة (138) من النظام الداخلي لمجلس النواب تقرر الاجراءات التالية: [أ . يحيل الرئيس تقرير اللجنة القانونية على المجلس في اول جلسة تالية ، وتستمر مناقشة الموضوع حتى البت نهائيا بالامر ، فاذا وجد المجلس سببا كافيا لاتخاذ الاجراءات المطلوبة يتخذ قراره برفع الحصانة بالاكثرية المطلقة. ب. ان قرار رفع الحصانة محصور بالفعل الوارد في طلب الاذن ولا يمتد ليسري على افعال اخرى].
اخيراً، فنحن في هذا البلد العزيز يجب ان نعلم دوماً بالا صوت يعلو على صوت القانون الذي يتوجب الا يكون احد خارج دائرته، وان الاعتداءات المتكررة على حرمة دولة القانون لا يجوز ان تمر بغير محاسبة او حسيب، وان الحصانة الممنوحة للنائب ليست امتيازاً شخصياً له ورثه عن احد بيستغله للاعتداء على حرمة الامنين وعلى حقوق وحريات الافراد سيما اذا علمنا بأن مجلس النواب هو من يصضع القانون ويحمي حقوق وحريات الافراد ويحاسب الحكومة على انتهاكها، فلا يؤتين كل ذلك من قبله ولا يكونن اول المنتهكين للقانون واول المعتدين على حقوق وحربات الافراد التي يفترض به هو نفسه ان يحاسب الحكومة في حال اعتجائها على اي منها.
وذلك ما كان من أمر اجتهادي في هذه المسألة، ورأيي يبقى صواباً يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب، فإن أصبت فمن الله وتوفيقه، وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان، فعسى أن أكسب باجتهادي هذا الأجرين لا الأجر الواحد، والله من وراء القصد، وشكراً.

أ.ر

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى