يوم تشهد عليهم أنفسهم

يوم تشهد عليهم أنفسهم
رابعة أبو سنينة

في يومٍ أشرقتْ فيه الشّمس على الخَطَأة والصالحين ؛ كان أول الشتاء يؤذن بانهماره على الأبرار والأشرار في يومٍ لم تسطع فيه لبؤة أن تغدق على ظبيٍ صغير مشاعر خير، في ذلك اليوم كان مَلَك عذابٍ وشرٍّ يحاول أنْ يُسند أقدامه على الأرض، في اللحظة تلك ، غاب العالم الذي نحسّه إلى ما وراء الآكام، وفُتِحَت الستارة على عالَمٍ من أيدٍ مدقوقة وأعيُنٍ مُتَفَقّئةٍ ، وآذانٍ مقطوعةٍ وأنوفٍ مجدوعة ٍ وجلودٍ محترقة

كانت كلّ عينٍ فرادى، لا تزال تُبْعَثُ على هَيْأَتِهَا حينَ غادَرَت الجسد، وهي تستغيث أن تبقى أختها في مكانها علّها ترى قليلاً مما تبقّى من حياة، وكان الجلد المحترق يجلد الذات الشريرة التي تفشّت على الكوكب ،شهيدًا على ما أحدَثَ الإنسان في قريبه في الإنسانية -وكذلك سيحدث فيه-
تقول يدٌ مبتورة: هذه الحقيقة التي لمستم أصابعها أخيرًا، أسمعتم ما تحكيه من شقاء المدينة الذي من طبعه التحديق طويلاً في العيون واليِديّ:

ما كنتُ لأوذي أبصاركم بمناظر كريهة إلا لتتلمّسوا طريقًا يخرجكم من غُمّة خرَقَتْ الجفن ومزّقَتْ الأهداب وأسالت على صفحة المدينة دموع الدم.

مقالات ذات صلة

قالت عينٌ وهي تصرخ: لا جَرَم سيجوع جانٍ وهو يأكل مما أطعمني إيّاه، وإن عطش سيُسقى كاسي، ألا ترون على رأسه جمرُ نارٍ من صرخات ألمي، هذا الذي ظنّ أن جحيم الربّ هناك وليس هنا ؛جَهِلَ أنّ جحيم الدنيا أشد إذ هو مساوٍ للأذيّة

كانت السّواعد المُقطّعة تصعد التلال لتتلقّى التعازي، ثم توضع على حمّالاتٍ مرتفعةٍ كالمصابيح، تضيء لجميع أبناء المدينة ، استوت كل الأعضاء لتنشد نشيد الأنشاد،،،،،،،
بدا الصوت مستديرًا يلف كرة الأرض كلها:
على الدائن أن يسدّ آخر فلس عليه
(إنّ عين المجرم اليمنى دفعته لقلع عينٍ يسرى
إنّ صوت المطرقة على اليد المدقوقة يُسمع بالقلب لا بالأذن)

وقَفَتْ يدان على منبر الكلام تلقي خطابَ ذلك اليوم فقالت:
يا معشر هذه القِطَع ، اصطفوا إرْبًا إرْبًا، وامسحوا عنكم الدم ، إنّ الذي كان يحبو في الصّغَر، سيطير بكم في الكِبَر، مرفوعًا بكم إلى عرش من العدل وشريعة لحماية الضعفاء، من يكوي سيُكوى رضًّا برضٍ وجرحٌ بجرحٍ، سأبقى ماثلاً أمامكم اؤدّبُ بمنظري الناقص نقص الضمير، وأ ُلقي في قلوب قُطّاع الحياة الرّعب، إنّ الأشرار يموتون في يديّ اللتين هما الآن ثقبٌ أسود….
أيتها المدينة الطاعنة في الألم مثلي ، ستتخلّصين دروب الآلام، فأنا مثل مسيحٍ قُتِلَ وصُلِب.

ضجّ الجميع بشبه همسٍ، وفجأةً ؛انفتَحَتْ الستارة من جديد، فعاد العالم المحسوس ، ولكن هذه المرّة كانت فناجيل القهوة قد انقلبتْ على أعقابها، ولم تعد تهادن وجهًا ولا جاها.

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى