
أزمة الإسلام السياسي 2 / 2
رأينا كيف أن الغرب، وامتدادا لوصايته السياسية والإقتصادية على منطقتنا قد فرض تلك الوصاية على عقيدتنا أيضا، فاعتبر الإسلام نوعين: الأول سماه المعتدل، ويقتصر اهتمامه على إقامة الشعائر الدينية وتلاوة الأذكار والأدعية، وهو يسقط فريضة الجهاد وواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يهتم بمدى التزام الحاكم بتطبيق أحكام الشرع وإقامة الدين والعدل، وأوضح مثال عليه هو مؤسسة الأزهر.
والثاني سماه الإسلام السياسي، لأن سمته السعي لتطبيق الإسلام كمنهاج حياة، والذي اعتبره خارجا على القانون رغم أنه يؤكد أن يسعى الى غاياته بالوسائل السلمية.
ليس الأمر صراعا دينيا، لكنه يعلم أن تمكّنِ الإسلام السياسي من الوصول الى الحكم في أي قطر عربي، والذي سيكون بلا شك أنجح في حل مشكلات القطر بشكل ساطع من الأنظمة القائمة المنخورة بالفساد والفشل، إن هذا النجاح سيكون شرارة التغيير لكل المنطقة، وتحول كل الأنظمة للإسلامية سيعجل في وحدتها…وذلك هو ما يخشاه ونجح (سايكس وبيكو)في منعه، فالمحذور أن تعود الدولة الإسلامية الجبارة من جديد.
بعد قرن من استيلاء الغرب على مقاليد الأمور في الدول الإسلامية، تبين له إخفاقه في محاصرة فكرة انتهاج المنهج الإسلامي، لكن ذلك كان نتيجة منطقية لاستسلامه لمطامعه وعدوانيته على الأمة، فلم يتمكن أعوانه (الأنظمة) من إقناع الناس باتباعه طمعا بتقدمه وخوفا من جبروته، ولا نجح من اجتباهم بعطائه من العلمانيين والمثقفين (المتنورين) في إقناع الناس بصلاح الليبرالية أكثر من الإسلام.
كانت ساعة الحقيقة المريرة عندما هبت الجماهير بعفوية في ثورات 2011، فتكشفت هشاشة ما بناه أولئك طوال القرن المنصرم، عندما تبين أن منهج الإسلام هو خيار الناس عندما يتاح لهم الإختيار.
لذلك تحولت استراتيجية الغرب من حصار الإسلام السياسي الى العمل على اجتثاثه، فأنشأت عليه حربا تحت ستار دخاني كثيف أسمته محاربة الإرهاب، وجسدت ادعاءها بأن منهج الإسلام هو الإرهاب الى حالة تطبيقية باصطناع عملاء لها، قاموا بأعمال مشينة لتشويه الدين.
حتى الساعة لم تحسم الأمور، والمعركة ما زالت قائمة، والأوضاع كما يلي:
1- نجحت الأعمال العسكرية بإعادة الأنظمة الموالية للغرب، تلك التي سقطت أو كانت آيلة للسقوط .
2- كما نجحوا بوقف الثورات بل وانكفائها عسكريا ، ومدنيا بجهود حلفاء الأنظمة المستبدة من المثقفين القوميساريين.
3- نجحت بإضعاف وتخويف الإسلاميين، لكنها فشلت بتغيير قناعات الناس بصواب منهج الإسلام.
4- النتيجة الإيجابية الوحيدة كانت في انكشاف الأمور، فلم تعد تنطلي على الناس الشعارات البراقة، فلن ينخدع أحد مستقبلا بمن يدّعون المقاومة بعد أن رأى تحالفهم مع عدو الإسلام وتنكيلهم الطائفي بإخوانهم في الدين، وهكذا أنتجت هذه المعركة فرزا حقيقيا كما معركة الخندق: الحقيقي من بقي مع الدين والشعب، والمنافق اصطف مع العدو الغازي وأنظمة الحكم المستبدة.
هكذا أصبح هنالك واقع جديد ينبغي على المخلصين لله وللدين والأمة أن يعوه، يتطلب من المفكرين العمل على بلورة مشروع النهضة الموعود ، وعلى الأخوان المسلمين كونهم حزبا سياسيا إسلاميا مراجعة أخطائهم والإستماع الى صوت العقل : ما الحاجة الى التمسك بهذا الإطار العتيق؟، المصلحة تستوجب انخراط كل المؤمنين بمنهج الإسلام معا، ولن يتم ذلك إلا في إطار جديد واسع مبني على برنامج سياسي عملي مقنع للأغلبية ومطمئن للأقليات، ورؤية عصرية لمنهج الحكم، متحررة من عقلية الإستنساخ، بل المحاكاة مع الأخذ بالمتغيرات الحادثة والتجارب البشرية.
والواجب الإسراع بإعداد هذا البرنامج ليكون جاهزا حينما يأذن الله بالتغيير القادم لا محالة.