يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل

يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل
د. منصور العبادي
الدكتور منصور أبوشريعة العبادي\جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية

إن من أكثر الظواهر الكونية التي أكثر القرآن الكريم من ذكرها وحث علماء البشر على التفكر في معجزات خلقها هي ظاهرة الليل والنهار فلقد ورد ذكر كلمة الليل في القرآن الكريم 73 مرة وكلمة النهار 53 مرة عدا مشتقاتهما. ولقد تحدثت الآيات القرآنية عن ظواهر كثيرة تتعلق بالليل والنهار كتعاقب وكذلك دوران الليل والنهار وولوجهما ببعضهما البعض وتكويرهما على بعضهما البعض وإمكانية أن يكون الليل والنهار سرمديا وكذلك اختلاف مطالع الشمس ومغاربها. فاختلاف أو تعاقب الليل والنهار على الأرض منذ أن خلقها الله عز وجل قبل عدة بلايين من السنين ورد ذكرها في آيات عديدة كما في قوله تعالى “إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ (6)” يونس. وأما دوران الليل والنهار فقد ورد ذكره في آيتين كما في قوله تعالى “وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (33)” الأنبياء. أما ولوج الليل في النهار والنهار في الليل فقد ورد ذكرهما في عدة آيات كما في قوله تعالى “ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (61)”الحج. وأما تكوير الليل على النهار والنهار على الليل فقد ورد ذكره في آية واحدة وهي قوله تعالى “خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (5)” الزمر. وأما سرمدية الليل والنهار فقد ورد ذكرها في آيتين وهما قوله تعالى ” قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ (71) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (72)” القصص. وأما اختلاف أماكن طلوع وغروب الشمس في كل يوم من أيام السنة فقد ورد ذكرها في عدة آيات كما في قوله تعالى “فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ (40) عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْرًا مِنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (41)” المعارج.
إن بعض ظواهر الليل والنهار يمكن لمعظم الناس أن يدركوها بالمشاهدة ولكن البعض الآخر لا يمكن معرفتها إلا بعد معرفة أن الأرض كروية وأنها تدور حول نفسها وحول الشمس كتكوير الليل على النهار ودوران الليل والنهار. أما حقيقة ولوج الليل في النهار والنهار في الليل فعلى الرغم من أن البشر كانوا على علم بها في عصر نزول القرآن إلا إن مقدار الولوج في مكة المكرمة والمدينة المنورة لا يتجاوز الساعة والنصف وهو مقدار قد لا يلاحظه كثير من الناس في تلك المناطق خاصة في غياب ساعات التوقيت. وأخيرا هل يمكن لأي عاقل أن يقول أن هذه الحقائق العلمية هي من تأليف سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وهو الذي أمضى 13 عاما مطاردا ومحاربا في مكة المكرمة وعشر سنوات في المدينة المنورة مؤسسا للدولة الإسلامية وقائدا حربيا لعشرات المعارك والغزوات. بل إن إشارة القرآن الكريم إلى هذه الحقائق تؤكد على أنه منزل من لدن عليم خبير أحاط علمه بكل شيء سبحانه وتعالى القائل “اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12)” الطلاق.

لقد لفتت ظواهر الليل والنهار أنظار علماء البشر على مر تاريخهم وحاولوا دون كلل أو ملل فهم أسرارها وحل ألغازها بما أودع فيهم من عقول وبما طبعوا عليه من غريزة حب الاستطلاع. ومع نزول القرآن الكريم على البشر في بداية القرن السابع الميلادي كان أهم ما يميزه على الكتب السماوية السابقة هو كثرة الآيات التي تحث البشر على النظر والتفكر في كل ما خلق الله عز وجل من مخلوقات في هذا الكون كما في قوله تعالى “قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (101)” يونس وقوله تعالى “إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)” آل عمران. إن الهدف من هذا الحث في التفكر في مخلوقات هذا الكون هو لإكتشاف خصائصها والطريقة التي تعمل من خلالها لتقوم بالوظيفة التي خلقت من أجلها. وإذا ما تمكن البشر من فهم أسرار هذه المخلوقات فلا مناص لهم من التسليم بأن هذه المخلوقات لا بد أنها قد صممت وخلقت من لدن خالق عليم خبير مصداقا لقوله تعالى “سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53) ” فصلت والقائل سبحانه “وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (93)” النمل. وفيما يلي سنشرح كيف أن اكتشاف العلماء لكروية الأرض ودورانها حول محورها وحول الشمس مكنهم من تفسير جميع الظواهر المتعلقة بالليل والنهار. بل تمكنوا بناء على النموذج الحديث للكون من تحديد مواعيد الخسوف والكسوف ومواعيد طلوع الشمس وزوالها وغروبها بكل دقة لأي مكان على سطح الكرة الأرضية وأحجام وكتل وبعد معظم أجرام الكون مما يؤكد صحة هذا النموذج.

النموذج الحديث للكون
كان البشر حتى بداية القرن السادس عشر الميلادي يعتقدون أن الأرض مسطحة وأنها مركز الكون وأن جميع ما في الكون من أجرام تتحرك حولها وهي ثابتة لا تتحرك أبدا كما توحي بذلك حواسهم. ومع ظهور الفلسفة الطبيعية في العصر اليوناني والاهتمام بمختلف أنواع العلوم طرح الفيلسوف اليوناني فيثاغورس فكرة الأرض الكروية وذلك في منتصف القرن السادس قبل الميلاد. وفي القرن الثالث قبل الميلاد قام الفلكي اليوناني إراتوستينس بقياس محيط الأرض من خلال قياس طول الظل في مدينة الاسكندرية عندما كانت الشمس متعامدة تماما على مدينة أسوان في مصر. ومنذ ذلك الحين تم تبني نظرية الأرض الكروية في مختلف الأوساط العلمية وانحسار نظرية الأرض المسطحة. وفي القرن الثاني الميلادي قام الفلكي الإغريقي بطليموس بوضع أول نموذج يفسر حركات الأجرام السماوية المختلفة كالشمس والكواكب وبقية النجوم وتنص نظريته على أن الأرض كروية الشكل وهي ثابتة في مركز الكون وتدور جميع الأجرام السماوية حولها على أبعاد ثابتة من بعضها البعض باستثناء بعض الأجرام التي تدور بعكس هذه الخلفية في مسارات تبدو متمردة. وبقي نموذج بطليموس هو المعمول به في علم الفلك حتى ظهر الفلكي الشهير كوبرنيكس في القرن السادس عشر وقرر أن الشمس هي مركز المجموعة الشمسية وتدور الكواكب بما فيها الأرض حولها. لم يبني كوبرنيكس نظريته من فراغ بل اعتمد على كم هائل من الدراسات الفلكية التي أجراها العلماء من قبله وخاصة علماء المسلمين الذين استلموا قيادة المسيرة العلمية في العصور الوسطى. فقد انتقد ابن الهيثم في القرن الحادي عشر من ناحية رياضية بحته نموذج بطليموس في مقالة له “شكوك حول بطليموس” وقال أنه نموذج غير قادر على تفسير كثير من الحركات الفلكية ولا بد إذا من تطويره. بينما صرح البيروني في القرن الحادي عشر بأن الأرض تدور حول محورها وتدور كذلك مع بقية الكواكب حول الشمس ولكنه عاد ليقول بأن مثل هذا القول قد لا يصلح لأننا لا نكون في موضع نتمكن من التحقق من حقيقة هذا الدوران. أما العالم الفلكي الفذ ابن الشاطر الدمشقي في القرن الرابع عشر فقد قام ببناء نموذج معقد كانت الشمس فيه مركز لحركات الكواكب وتتحرك هي بدورها حول الأرض وقد تمكن هذا النموذج من تفسير معظم الحركات الفلكية التي فشل نموذج بطليموس من تفسيرها وهو أقرب ما يكون للنموذج الذي وضعه كوبرنيكس فيما بعد وقد نشر نتائج أبحاثه في كتابه “تحرير نهاية السؤال في تصحيح الأصول”.
وفي عام 1543م نشر الفلكي البولندي نيكولاس كوبرنيكس (Nicolaus Copernicus) نظرية جديدة تقول أن الشمس هي مركز المجموعة الشمسية وأن الكواكب بما فيها الأرض تدور حولها في مدارات مستقلة وأثبت كذلك أن الأرض تدور حول محورها دورة كاملة كل 24 ساعة فينتج عن ذلك ظاهرة الليل والنهار بينما تدور حول الشمس مرة كل عام مما ينتج عنها ظاهرة تغير الفصول وكذلك تغير طول الليل والنهار. لقد كانت فرحة علماء الفلك بهذه النظرية غامرة فقد حلت هذه النظرية عدد لا يحصى من الألغاز التي كانت تحيرهم حول حركة الأجرام السماوية وخاصة كواكب المجموعة الشمسية. وفي عام 1619م تمكن الفلكي الألماني جوهانس كيبلر (Kepler) من خلال القياسات التجريبية لمدارات الكواكب حول الشمس من تحديد أشكال ومواصفات هذه المدارات بمعادلات رياضية. فلقد قام كيبلر بوضع ثلاثة قوانين رياضية تجريبية سميت باسمه تصف بدقة عالية طبيعة هذه المدارات من حيث شكل المدار وسرعة ومدة دورة الكوكب في المدار. ومع ظهور هذه القوانين الثلاث لكيبلر زال أي شك في نموذج مركزية الشمس الذي اقترحه كوبرنيكس في عام 1543م بسبب قدرته الفائقة على تحديد مدارات وسرعات ودورات جميع كواكب المجموعة الشمسية.

ومع اكتشاف العالم الانجليزي الفذ اسحق نيوتن لقانون الجذب العام وقوانين الحركة الثلاث في عام 1687م كان أول ما قام به نيوتن هو التأكد من صحة نموذج كوبرنيكس لمركزية الشمس وكذلك صحة قوانين كيبلر الثلاث باستخدام قوانينه بطريقة رياضية بحتة. وكانت النتيجة هو التطابق التام بين النتائج التي حصل عليها نيوتن بشكل رياضي بالاعتماد على قوانين فيزيائية وقوانين كيبلر المبنية على القياسات التجريبية. ولا يمكن لنا أن نتخيل مدى فرحة هذا العبقري بهذه النتائج فهي أولا أنها أثبتت صحة قوانينه لتمكنها من تفسير قوانين كيبلر المبنية على القياسات التجريبية وثانيا أنها أكدت على صحة نموذج مركزية الشمس لكوبرنيكس. ومع ظهور قوانين نيوتن أصبح تفسير حركات جميع أجرام السماء وليس فقط كواكب المجموعة الشمسية في منتهى السهولة بالنسبة للمختصين في هذا المجال. وقد قام العلماء فيما بعد بالاعتماد على قوانين نيوتن بتحديد خصائص الشمس وجميع الكواكب حولها وكذلك أقمارها من حيث أحجامها وأوزانها وأشكال وأبعاد مدراتها وتحديد مسارات المذنبات ودراسة مجرات ونجوم الكون المرئي. وفي القرن العشرين اكتشف البشر أن الشمس مع كواكبها تدور حول مركز مجرة التبانة والتي تحتوي على مئات البلايين من الشموس المختلفة الأحجام وأنه يوجد مئات البلايين من المجرات التي تملأ الفضاء الكوني. أما النتيجة الأهم لهذه القوانين فهي أن الكون بناء على قانون الجاذبية لا يمكن أن يكون مستقرا إلا إذا كان كل جرم من أجرامه في حالة حركة مستمرة ولو حدث أن توقف أي جرم عن الحركة لأنجذب فورا إلى أقرب الأجرام إليه وأندمج معه. ولمنع الأجرام السماوية من الإنهيار على بعضها البعض كان لزاما أن يدور بعضها حول بعض بحيث تتساوى قوة الجذب بينها مع قوة الطرد المركزي الناتجة عن حركتها الدائرية. ولذلك نجد أن الأقمار تدور حول كواكبها والكواكب تدور حول نجومها والنجوم تدور حول مركز المجرة في هذا الكون لكي لا تسقط على بعضها البعض وهذا ما أشار إليه القرآن الكريم في قوله تعالى “وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيۡلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمۡسَ وَالۡقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسۡبَحُونَ (33)” الأنبياء.
لقد اختار الله سبحانه وتعالى الحركة الدائرية لحفظ الأقمار حول الكواكب والكواكب حول النجوم والنجوم حول مراكز المجرات والمجرات حول مراكز عناقيد المجرات ولكن بما أن هذه المتوالية لن تستمر إلى ما لانهاية بسبب محدودية حجم هذا الكون كان لا بد من وقفها. ولكن إيقاف الحركة الدائرية عند مستوى ما كعناقيد المجرات على سبيل المثال يعني إنهيار كامل للكون نحو المركز بسبب قوة الجذب بين هذه المجرات. لقد كان الحل لهذه المعضلة الكبرى التي تتعلق باستقرار الكون في اكتشاف ما يسمى بالإنفجار العظيم (the big bang) والذي عمل على دفع المجرات بسرعات خيالية بعيدا عن مركز الكون للتغلب على قوة الجاذبية بينها وبذلك تمنع الكون من الانهيار على بعضه وصدق الله العظيم القائل “إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا” فاطر 41. لقد ظهرت نظرية الانفجار العظين بعد أن قام الفلكي والرياضي الروسي الكسندر فريدمان في عام 1922م بإعادة حل معادلات النسبية العامة التي وضعها ألبرت أينشتاين في عام 6191م وتبين له من الحل أن الكون في حالة توسع دائم وذلك على عكس ما توصل إليه أينشتاين عندما حل هذه المعادلات وأثبت أن الكون ساكن. وفي عام 1929م اكتشف الفلكي الأمريكي إدوين هابل (Edwin Hubble) بالاعتماد على قياس مقادير الإزاحة الحمراء (red shift) في الطيف المنبعث من أعداد كبيرة من المجرات أن المجرات البعيدة تنحسر بسرعة أكبر من المجرات القريبة ثم قام بوضع القانون الذي يربط ما بين المسافة التي تفصلنا عن هذه المجرات وبين سرعة انحسارها أو ما يسمى بقانون هابل (Hubble’s law). وفي عام 1931م اقترح القس البلجيكي جيرجس لامتير (Georges Lemaître) سيناريو للطريقة التي نشأ بها الكون وهو أنه قد ظهر نتيجة لانفجار عظيم (massive blast) لما يسمى بالبيضة الكونية (cosmic egg) والتي كانت تحتوي على جميع مادة وطاقة هذا الكون وقد أطلق على هذا الإنفجار فيما بعد اسم الانفجار العظيم (Big Bang).
كروية الأرض ودورانها حول محورها

لقد تبين للعلماء أن معظم الظواهر المتعلقة بالليل والنهار يمكن فهمها وتفسيرها بكل بساطة بعد أن تم إثبات بطرق شتى أن الأرض كروية وأنها تدور حول محورها مرة واحدة كل يوم. فالأرض لها شكل كروي بانبعاج طفيف عند خط الإستواء حيث يبلغ قطرها عند هذا الخط 12756كيلومتر بينما يبلغ قطرها بين القطبين 12713,6كيلومتر أي بفارق 42,4 كيلومتر بينهما وهو فارق بسيط لا يكاد يذكر مع هذا القطر الكبير. ويعود السبب في هذا الفارق إلى قوة الطرد المركزي على جسم الكرة الأرضية الناتجة عن دوران الأرض حول محور الدوران المار بين القطبين وهي أعلى ما تكون عند خط الاستواء وتقل تدريجيا إلى أن تنعدم عند القطبين. وهذه الأقطار مقاسة من مستوى سطح البحر حيث أنها تزيد أو تنقص في مناطق اليابسة بسبب التضاريس من الجبال والأودية ويبلغ أقصي ارتفاع فوق سطح البحر 8,848 كيلومتر وهي قمة إفرست في جبال الهملايا بينما تبلغ أخفض نقطة 400 متر تحت سطح البحر وهي البحر الميت في الأردن. وتبلغ كتلة الأرض ستمائة بليون بليون طن تقريبا (5.9723X1024 kg) ومعدل كثافتها 5514 كيلوغرام لكل متر مكعب. وتغطي المياه ما نسبته 71 بالمائة موزعة في المحيطات الثلاث والبحار والبحيرات المغلقة في داخل اليابسة والمفتوحة على المحيطات بينما تغطي اليابسة ما نسبته 29 بالمائة موزعة على القارات الخمس وما يتبعها من جزر.

مقالات ذات صلة

تدور الأرض دورة كاملة كل 24 ساعة حول محور دوران يمتد بين القطبين وهما القطب الشمالي والقطب الجنوبي. وتبلغ السرعة الخطية لسطح الأرض عند خط الاستواء 1650 كيلومتر في الساعة وتقل هذه السرعة مع الابتعاد عن خط الاستواء إلى أن تصبح صفرا عند القطبين. ويميل محور دوران الأرض بمقدار 23.4 درجة عن العمود القائم على مستوى دورانها حول الشمس ويشير اتجاه هذا المحور في الوقت الحالي إلى النجم القطبي الشمالى. إن البشر الذين يعيشون على سطح الأرض لا يشعرون بهذه الحركة الدورانية بتاتا طبقا لمبدأ نسبية الحركة كما هو الحال مع ركاب السيارة أو القطار أو الطائرة المندفعة بسرعات عالية الذين يرون أن الأشياء التي من حولهم هي التي تتحرك وليس ما يركبون. إن مبدأ نسبية الحركة هو ما أشار إليه القرآن الكريم بشكل واضح في قوله تعالى “وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (88)” النمل.

إن دوران الأرض حول محورها هو السبب في ظاهرة الليل والنهار فالشمس تضيء نصف سطح الأرض المقابل لها فقط فيكون بذلك النهار في هذا النصف أما النصف الآخر الذي لا تصل إليه أشعة الشمس يكون مظلما فيغلفه الليل مصداقا لقوله تعالى “وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا (12)” الإسراء. ونظرا لدوران الأرض حول نفسها فإن سطح الأرض المعرض لأشعة الشمس يتغير بشكل متواصل مما يعني أن أي مكان على سطح الأرض سيتعاقب عليه الليل والنهار كل يوم مرة واحدة باستثناء المناطق القطبية كما سنشرح ذلك لاحقا. إن الناظر إلى الشمس من سطح الأرض يراها هي التي تدور ظاهريا حول الأرض من الشرق إلى الغرب بينما في الحقيقة أن الأرض هي التي تدور حول نفسها من الغرب إلى الشرق وذلك استنادا لمبدأ نسبية الحركة. ولقد صور القرآن الكريم حالة الليل والنهار على سطح الكرة الأرضية بشكل دقيق وذلك في عدة آيات منها أولا تصوير الليل والنهار كنصفي كرة تطبقان على كامل الأرض وذلك في قوله تعالى “خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (5)” الزمر. أما التصوير الثاني فهي أن المشاهد لسطح الأرض من خارجها يرى أن الليل والنهار يدوران حول الأرض بشكل مستمر وذلك في قوله تعالى “لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40)” يس. أما التصوير الثالث فهو تصوير قدوم الليل وذهاب النهار كعملية سلخ جلود الدواب حيث يحل الجلد الداخلي محل الجلد الخارجي عند سلخه وذلك في قوله تعالى “وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ (37)” يس. أم التصوير الرابع فهو ملاحقة الليل للنهار بشكل دائم وحثيث وذلك في قوله تعالى “إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54)” الأعراف.

Earth Science

دوران الأرض حول الشمس
إن ظاهرة ولوج الليل في النهار وولوج النهار في الليل تنتج عن ظاهرتين أولهما أن الأرض تدور حول الشمس مرة كل عام والثانية أن محور دوران الأرض يتجه باتجاه ثابت في الفضاء. فلقد أثبت العلماء بأدلة لا حصر لها أن الأرض تدور حول الشمس في مدار إهليجي أقرب ما يكون للدائري حيث تبعد الأرض عن الشمس عند نقطة الحضيض 147 مليون كيلومتر وعند نقطة الأوج 152 مليون كيلومتر أي بمتوسط 150 مليون كيلومتر تقريبا. وتبلغ مدة دورة الأرض في مدارها حول الشمس 365.256 يوما وهو طول السنة الشمسية وتسير الأرض في هذا المدار بسرعة 30 كيلومتر في الثانية أو ما يقرب من 108 ألف كيلومتر في الساعة. أما ثبات إتجاه محور دوران الأرض في الفضاء فهو ناتج عن ظاهرة فيزيائية تسمى التأثير الجايروسكوبي (gyroscopic effect) ومفاده أن الأجسام الدوارة تقاوم تغيير اتجاه محور دورانها نتيجة لعزمها الدوراني. وتستخدم الجايروسكوبات في تحديد الاتجاهات في السفن والطائرات والأقمار الصناعية وهي عبارة عن عجلات معدنية يتم تدويرها بسرعات عالية. لقد وجد العلماء أن محور دوران الأرض وهو الخط الواصل بين قطبيها يميل بزاوية مقدارها 23,4 درجة عن العمود القائم على مستوى دورانها حول الشمس وأن هذا المحور يتجه باستمرار نحو نجوم محددة في السماء. إن اتجاه محور دوران الأرض يتغير مع الزمن نتيجة ظاهرة الترنح (nutation) لهذا المحور بشكل دائري حول العمود القائم على مدار الأرض حول الشمس. ومحور دوران الأرض يشير في الوقت الحالى الى النجم القطبي ولكنه يبتعد عنه تدريجيا ليشير إلى نجوم أخرى ويكمل هذا المحور دورته كل ستة وعشرين ألف سنة مسببا تغير مواعد الاعتدال فيما يسمى بالتقدم الاعتدالى (precession of equinox).

بما أن اتجاه محور دوران الأرض في الفضاء لا يتغير أثناء دوران الأرض حول الشمس فإن الزاوية بين اتجاه أشعة الشمس ومحور الدوران على مكان ما على سطح الأرض ستتغير في كل يوم. ويوجد أربع أماكن خاصة في مدار الأرض حول الشمس يفصل بين كل منها زاوية مقدارها 90 درجة تحدد بداية الفصول الأربعة. ففي الموقع الأول يكون القطب الشمالى مائلا نحو الشمس تماما بحيث تكون أشعة الشمس عمودية على مدار السرطان ( 23.4درجة عرض شمال) ويكون النهار أطول من الليل شمال خط الاستواء والعكس في الجنوب وهو بداية الانقلاب الصيفي (Summer solstice) أي بداية الصيف بتاريخ 23 حزيران. أما الموقع المقابل للموقع الأول فيكون ميل المحور بحيث يكون القطب الجنوبي مائلا نحو الشمس تماما وتكون أشعتها عمودية على مدار الجدي ( 23.4 درجة عرض جنوب) ويكون النهار أطول من الليل جنوب خط الاستواء والعكس في الشمال ويسمى هذا الانقلاب الشتوي (Winter solstice) أي بداية الشتاء بتاريخ 23كانون الثاني. أما في الموقع الثالث والرابع فلا يوجد ميل للمحور نحو الشمس ويكون القطبان على نفس البعد من الشمس أي أن أشعة الشمس عمودية على خط الاستواء وعندهما يتساوى طول الليل والنهار في جميع مناطق الأرض. ويسمى أحد هذين الموقعين بالاعتدال الربيعي (spring equinox) أي بداية الربيع ويحدث في 21 آذار ويسمى الآخر بالاعتدال الخريفي (Autumn equinox) أي بداية الخريف ويحدث في 21 أيلول.

وعلى هذا فإن المقصود بولوج الليل في النهار هو زيادة طول الليل وتناقص طول النهار ابتداءا من يوم الإعتدال الخريفي الذي يتساوى فيه طولهما ويزداد مقدار الولوج إلى أن يصل ذروته في يوم الانقلاب الشتوي ثم يبدأ بالتناقص إلى أن يتساوي طولهما في يوم الاعتدال الربيعي. أما ولوج النهار في الليل فهو زيادة طول النهار وتناقص طول الليل ابتداءا من يوم الإعتدال الربيعي الذي يتساوى فيه طولهما ويزداد مقدار الولوج إلى أن يصل ذروته في يوم الانقلاب الصيفي ثم يبدأ بالتناقص إلى أن يتساوي طولهما في يوم الاعتدال الخريفي. وتعتمد أقصى قيمة للولوج لمكان ما والتي تحدث عند أيام الانقلاب الصيفي والشتوي على خط العرض لذلك المكان وتزداد مع زيادته. ويتساوى طول الليل والنهار عند خط الاستواء على مدار السنة فلا يلج أحدهما في الآخر. أما عند خطوط العرض الأخرى شمالا أو جنوبا فيزداد الولوج بما يتناسب مع مقدار خط العرض فأقصى مقدار له في مكة المكرمة والتي تقع 21 درجة شمالا يبلغ ساعة وثلث تقريبا أي أن طول أقصر يوم فيها 10,40 ساعة وطول أطول يوم 13,20 ساعة. أما في القدس والتي تقع 32 درجة شمالا فيبلغ الولوج ساعتين وفي استانبول والتي تقع 40 درجة شمالا فيبلغ ثلاثة ساعات وفي أقصى السويد في مدينة أوسلو والتي تقع 60 درجة شمالا فيبلغ ستة ساعات أي أن طول أقصر يوم فيها ستة ساعة وطول أطول يوم 18 ساعة. وللمناطق القطبية التي تقع فوق خط العرض 66.7 شمالا أو جنوبا فيبلغ طول كل من الليل والنهار ستة أشهر أي أن الليل يلج في النهار بالكامل والعكس كذلك.

لقد أشار القرآن الكريم إلى إمكانية أن يكون طول كل من الليل والنهار لا نهائي أو سرمدي وذلك في قوله تعالى ” قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ (71) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (72)” القصص. إن توقف الأرض عن الدوران حول محورها كفيل بأن يجعل النصف المقابل للشمس نهار دائم لا نهاية له ويجعل النصف الآخر ليل دائم لا نهاية له وستكون درجة حرارة النصف المضاء عالية جدا والنصف المعتم متدنية جدا. إن طرح مثل هذا التصور للأرض وهي في حالة نهار دائم أو ليل دائم لا يمكن أن تصدرعن بشر كسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وهو الأمي الذي عاش في أمة أمية وفي عصر كانت البشرية تجهل كثير من الحقائق العلمية عن الكون.
ومن الظواهر المرتبطة بدوران الأرض حول الشمس هي أن مكان شروق وغروب الشمس يتغير يوميا لكل مكان على سطح الكرة الأرضية. فالشمس تشرق من الشرق تماما عند الاعتدال الربيعي ثم يتحرك مكان الشروق شمالا حتى يصل إلى أقصى نقطة عند الانقلاب الصيفي ثم يعود إلى الجنوب حتى يصل إلى الشرق تماما عند الاعتدال الخريفي ثم يتحرك جنوبا حتى يصل إلى أقصى نقطة عند الانقلاب الشتوي ليعود بعدها شمالا حتى يصل إلى الشرق تماما في الاعتدال الربيعي بعد مرور سنة شمسية كاملة. ويعتمد مقدارالزاوية بين أقصى نقطتين للمشارق أو المغارب على خط عرض مكان المشاهدة فكلما زاد مقدار خط العرض كلما زاد البعد بين المشرقين وكذلك المغربين. إن تغير مسار الشمس الظاهري في القبة السماوية دليل واضح على دوران الأرض حول الشمس فعند الانقلاب الشتوي يكون مسار الشمس أبعد ما يكون عن مكان المشاهدة والعكس عند الانقلاب الصيفي. وقد يكون المقصود بالمشرقين والمغربين في القرآن الكريم هو أقصى نقطتين لشروق أو غروب الشمس وذلك في قوله تعالى “رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ (17)” الرحمن. أما المشارق والمغارب فهي جميع نقاط الشروق والغروب المحصورة بين المشرقين أو المغربين كما جاء ذلك في قوله تعالى “رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ (5)” الصافات.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى