سواليف
“غوانتنامو مصر” هكذا يطلقون على سجن العقرب في مصر، وذلك للتشابه الكبير بينه وبين معتقل غوانتنامو شديد الحراسة في كوبا الذي اتخذته الولايات المتحدة مقرا لاحتجاز المتهمين في قضايا إرهاب، مستخدمة فيه كل أدوات التعذيب لنزع الاعترافات من المعتقلين في قضايا معظمها ملفقة. وفي غوانتنامو مصر تتكرر نفس المأساة لكن بصورة أكثر بشاعة، فلم نسمع أن أحدا مات جوعا أو بردا في سجن غوانتنامو رغم قسوته، لكن في سجن العقرب في مصر السيسي كل شيء يستحيل العقل تخيله متوفر وبصورة طبيعية على يد أمن النظام، بعدما حولوا حياة المعتقلين فيه إلى سكرات موت إلى أن يأتيهم الموت.
إضراب عن الطعام
تسبب تجاهل الدعوات التي أطلقتها أسر المعتقلين للمنظمات الدولية والشارع المصري إلى تصعيد جديد من قبل المعتقلين، عسي أن يصل صوتهم إلى الخارج للإسراع في إنقاذهم من الموت المحتمل، فقد بدأ أكثر من ٣٠٠ معتقل بسجن العقرب لليوم السابع على التوالي في الإضراب عن الطعام احتجاجا على ممارسات إدارة السجن معهم، والتي أدت إلى وفاة الصحفي والناشر محمود صالح بسبب معاناته من البرد والإهمال الطبي بسجن العقرب، وزيادة عدد المرضى في ظل الطقس منخفض الحرارة، ورفض إدارة السجن تسليم المعتقلين أغطية أو ملابس ثقيلة أو السماح لذويهم أو محاميهم بزيارتهم وتوفير متطلباتهم، ومنعهم من العلاج.
وبدأ المعتقلون في الإضراب عن الطعام عقب وفاة الصحفي محمود صالح مطالبين النائب العام بفتح تحقيق في أسباب وفاته، موجهين الاتهامات إلى كل من ضابط مباحث السجن محمد شاهين، وبلوكامين السجن علاء. وبدلا من استجابة المسؤولين لمطالب المعتقلين وتحسين أحوالهم قامت إدارة السجن بتحويل العشرات ممن أضربوا عن الطعام إلى زنازين التأديب لإجبارهم على إنهاء الإضراب، ما تسبب في حدوث حالات الغيبوبة لبعض المعتقلين وسط تعنت من إدارة السجن ورفض لنقلهم للمستشفى.ومع ازدياد الانتهاكات وسقوط متوفين داخل سجن العقرب، إلا أن النظام ينكر باستمرار بعدم وجود إضراب بالسجن أو تعرض المعتقلين إلى إساءة أو انتهاكات إنسانية.
بيان لأسر المعتقلين
فرغم أن سبعة معتقلين فارقوا الحياة في سجن العقرب سيء السمعة، على مدار الأعوام الأربعة الماضية، إلا أن وفاة المهندس محمود صالح، كانت مختلفة، لأنها الأولى التي جاءت نتيجة الجوع والبرد الذي يعانيه المعتقلون داخل السجن، حسبما أكدت أسرته.
أسر المعتقلين في العقرب، حملوا في بيان لهم بعد وفاة صالح في 4 يناير/ كانون الثاني الجاري، السلطات المصرية المسؤولية الكاملة عن حياة ذويهم، الممنوعين من الزيارة منذ أكثر من عامين، إضافة لمنع الأغطية والملابس الثقيلة والأدوية والمستشفيات عنهم، وهو ما وصفته التقارير الحقوقية، بأنها “أكبر عملية موت بطيء يشهدها التاريخ”.
هل يمكن أن تكون وفاة صالح سببا في إلقاء الضوء عما يحدث بالعقرب سيئ السمعة، وغيره من السجون المصرية التي تعاني من غياب الرقابة والمتابعة القانونية والقضائية، أم أن السلطات المصرية تعتبر لوائح السجون غطاء يمكنها من القتل البطيء الذي لا يعاقب عليه القانون؟
وفاة محمود صالح
حسبما أكد متابعون لشؤون المعتقلين في السجون المصرية، فإن المهندس محمود صالح الذي يبلغ 47 عاما، اعتقل منذ 6 سنوات، وحكمت ضده محكمة عسكرية بالسجن المؤبد 25 عاما، بتهمة تفجير أبراج الكهرباء في الجيزة والاسكندرية، وقد أطلقت أسرته قبل أشهر نداء استغاثة للمعنيين بحالة حقوق الإنسان، من وضعه الصحي المتراجع، نتيجة عدم توفر الطعام والأدوية داخل السجن.
وأكدت أسرته أن صالح وأكثر من ألف معتقل آخرين، ممنوعين من الزيارة، والتشميس، أو ما يطلق عليه المعتقلون “التريض”، وهي الفترة التي يقضيها المعتقل خارج الزنزانة، في الشمس، لحمايته من الأمراض التي تسببها الزنازين المغلقة، والتي تكتظ بالمعتقلين رغم أن مساحتها لا تتجاوز 6 متر مربع، ويسكنها ما بين 3 إلى 4 أفراد، باستثناء عدد قليل من الزنازين الانفرادية المخصصة لقيادات “الإخوان المسلمين” وبعض قيادات الحركات الإسلامية الأخرى.
وفي بيان نشرته أسر معتقلي العقرب، على وسائل التواصل الاجتماعي، فإن صالح فارق الحياة، نتيجة المعيشة غير الآدمية التي يحيا ويعيش فيها المعتقلون، إضافة إلى الإهمال الطبي الجسيم، مطالبين المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان، بالتحرك لإنقاذ سجناء العقرب، خاصة وأن إدارة السجن بقيادة رئيس المباحث الضابط محمد شاهين، يتبعون سياسة القتل البطيء الممنهج مع جميع المعتقلين في ظل البرد القارس.
أغلقوا سجن العقرببيان من عائلات معتقلي العقرب إلى شعب مصر بتاريخ الأحد ٥ يناير ٢٠١٩:بسم الله الرحمن الرحيم (يَا…
Geplaatst door هيثم أبوخليل op Zondag 5 januari 2020
وأضاف البيان: وذلك باستخدام سياسة التجويع والإنهاك البدني والنفسي، بمنع “التريض” ومنع الزيارات وغلق الكافتيريا ومنع إدخال الملابس والبطاطين، والحرمان من الملح والسكر والمنظفات مع كميات ضئيلة للغاية من الطعام الرديء، بالإضافة إلى التكدس داخل الزنازين بدون أغطية أو ملابس كافية، ما جعلهم يعيشون عمليا في مقبرة حقيقة.
وحول ملابسات وفاة صالح، أكد البيان أنه تعرض لأزمة قلبية داخل زنزانته، نتيجة البرد الشديد ودرجة الحرارة التي تصل لأربع درجات مئوية داخل الزنازين، إضافة لسياسة التجويع المتعمدة، وقد رفضت إدارة السجن الاستجابة لاستغاثات زملائه لأكثر من ساعة كاملة، ما نتج عنها وفاته داخل الزنزانة نتيجة الإهمال الطبي المتعمد.
وطالبت أسر “معتقلي العقرب”، بفتح تحقيق عاجل في هذه الجريمة المروعة، التي لم تكن أولى جرائم القتل الممنهج في سجن العقرب حيث سبق صالح، في ظروف مشابهة، كل من الدكتور فريد إسماعيل والمهندس عصام دربالة، والشيخ مرجان سالم، والشيخ نبيل المغربي، والشاب أحمد عبدالله، والشاب حسام مروان، والشاب عماد حسن، إضافة للمعتقل السيناوي مدحت أبو شيتة.
كما طالب البيان بفتح سجن العقرب، لزيارة حقيقية، غير مزيفة للنيابة العامة، والجهات الحقوقية، والالتقاء بالمعتقلين في مقبرة العقرب ورفع الواقع المميت الذي يعيشون فيه، كما طالبوا المنظمات الدولية العاملة في مجال حقوق الإنسان بالتضامن مع معتقلي العقرب، ودعوا كذلك لفتح الزيارات المتوقفة من أكثر من عامين، وإعادة فتح “كانتين” السجن المغلق منذ وفاة الرئيس الراحل محمد مرسي في 17 يونيو/ حزيران 2019.
ووفق تقارير حقوقية عديدة، فإن وفاة الرئيس محمد مرسي، داخل قفص محاكمته في 17 يونيو/ حزيران 2019، كانت بسبب الظروف المعيشية والصحية، التي عانى منها طوال فترة حبسه لمدة 6 سنوات، منذ الانقلاب العسكري الذي نفذه عبدالفتاح السيسي في 3 يوليو/ تموز 2013.
وأطلق خبراء الأمم المتحدة في تقريرهم الرسمي حول ملابسات وفاة مرسي، تحذيرا أمميا من تعرض آخرين للوفاة لنفس أسباب الإهمال الطبي والاحتجاز التعسفي داخل السجون سيئة السمعة، من بينهم مساعد مرسي للشؤون الخارجية عصام الحداد، ونجله جهاد الحداد، وغيرهم من آلاف المعتقلين الذين باتت حياتهم في خطر ومعرضون للوفاة أو إلحاق ضرر لا يمكن إصلاحه بصحتهم بسبب ظروف الاعتقال غير الكافية، التي تتفاقم بسبب الانتهاكات الواسعة النطاق للإجراءات القانونية الواجبة، بما في ذلك الاحتجاز دون تهمة، وعزلة عن العالم الخارجي، وعدم كفاية الوصول إلى المحامين، وغيرها من الممارسات التي تمنع المحاكمة العادلة.
وأكد تقرير الخبراء الأمميين أنهم تلقوا تقارير عن الاكتظاظ وعدم كفاية الطعام وسوء التهوية وعدم وجود أشعة الشمس، إضافة لحرمان السجناء من الزيارات العائلية، وغياب الرعاية الطبية اللازمة، ووضعهم في الحبس الانفرادي لفترات زمنية طويلة.
وحسبما أكد تقرير أصدرته “المنظمة العربية لحقوق الإنسان” ومقرها المملكة المتحدة، فإن أكثر من 600 معتقل لقوا حتفهم منذ انقلاب يوليو/ تموز 2013، أثناء احتجازهم نتيجة للبيئة غير المواتية والإهمال الطبي الجسيم والفشل التام في توفير الرعاية الصحية الأساسية. من بينهم أكثر من 100 شخص قتلوا نتيجة التعذيب وسوء المعاملة في السجن.
وأكد التقرير الذي ناقشه مجموعة من الخبراء الحقوقيين الدوليين، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، أن العديد من الآلاف الآخرين الذين يقبعون في السجون المصرية في خطر شديد، ووفقا لما ذكرته “هانا فيليبس”، الباحثة عن الوفيات أثناء الاحتجاز في مصر، فإن نظام الرعاية الطبية داخل السجون المصرية يهمل إلى حد كبير المعايير القانونية الأساسية المنصوص عليها في القانون المحلي والدولي لمعاملة السجناء. وأكدت فيليبس، أن “هناك سياسة واضحة للإهمال الطبي تجاه السجناء السياسيين تؤدي إلى الوفيات التي يجب فهمها على أنها سياسة متعمدة للقتل البطيء”.
وفي إطار إلقاء الضوء على الكارثة التي يتعرض لها المعتقلون بسجن العقرب على وجه التحديد، أطلق نشطاء مصريون حملة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تحت شعار “البرد قرصة عقرب”. وأشار النشطاء إلى أن الهدف من حملتهم هو تسليط الضوء على معاناة المعتقلين السياسيين بسجن العقرب، وما تقوم به إدارة السجن من استخدام للطقس والمناخ كسلاح ضدهم، الأمر الذي تسبب لهم في أمراض متعددة، ضمن ما أسماه البعض بآليات السلطة للقتل البطيء.
وحسبما ذكرت تقارير إخبارية، فإن النشطاء شاركوا على هاشتاج #البرد_قرصة_عقرب”، منددين بالظروف القاسية التي يعيشها المعتقلون في السجون المصرية، وخاصة سجن العقرب الذي تتعمد إدارته التنكيل بمن فيه، ودعوا لمشاركة واسعة في الحملة من كافة الجنسيات والبلدان قصد الضغط على السلطات المصرية لإنهاء معاناة المعتقلين السياسيين.