يكفنون الجثث بكيس بلاستيكي، والتيمم بدل التغسيل.. معاناة المسلمين بإيطاليا لدفن موتاهم بسبب كورونا

سواليف
“حين نغادر بيوتنا لا نعلم إن كنا سنعود أم لا، فالخطر يحيطنا من كل الجوانب”، فنحن نتعامل مع أجساد تحمل عدوى كورونا”.

قال وحيد عاريض هذه الكلمات لـ”عربي بوست”، قبل أن يستأذن للرد على مكالمة عاجلة واردة من عائلة باكستانية توفي أحد أفرادها بسبب كورونا.

يترأس عاريض مؤسسة لدفن الموتى المسلمين، وفي زمن الكورونا فإنها أصبحت مهمة انتحارية، إذ عليه أن يتعامل مع جثامين مسلمين توفوا بفيروس كورونا المعدي.
كم يبلغ عدد مسلمي إيطاليا الذين توفوا بكورونا؟

لا غرابة في أن يتلقَّى عاريض، مغربي مقيم في إيطاليا منذ عقدين من الزمن، عدداً كبيراً من المكالمات يومياً من قِبل أسر مسلمة توفي أحد أقاربها، الأمر الذي زادت وتيرته بعد تفشي الوباء في إيطاليا.

وقدَّر المهاجر المغربي، البالغ من العمر 43 عاماً والأب لـ3 أطفال، عدد وفيات المسلمين ممن قضوا نحبهم بسبب الفيروس بمقاطعة “بيرغامو” وحدها بالـ20، ينحدرون من المغرب ومصر وباكستان والسنغال وتوغو وتتجاوز أعمارهم جميعاً 50 عاماً.

وترجح مصادر غير رسمية أن عدد المسلمين المتوفين بإيطاليا بسبب كورونا يقترب من الـ 100، جلهم بالمناطق الشمالية التي تفشى فيها الفيروس.

ومقاطعة “بيرغامو” هي واحدة من مقاطعات إقليم “لومبارديا” العشرين، في الشمال الإيطالي، حيث يعتبر الإقليم بؤرة فيروس “كورونا بالبلاد”.
الخطر مُحدِق.. كيف يتعاملون مع الجثث المصابة بالمرض وقرار السلطات منع تغسيل الموتى؟

قانون مستحدث بإقليم “لومبارديا” أقرّ بمنع غسل جثامين المتوفين بـ”كوفيد 19″، مخافة انتقال العدوى للمُغسل، وهو القرار الذي تكيَّفت معه وكالة “الأكبر” المملوكة لعاريض.

يؤكد عاريض أن المستشفيات تُسلِّم جثة المتوفَّى بـ”كورونا” داخل كيس بلاستيكي مسكوب عليه مواد معقمة: “نقوم بتكفين الجثث فوق الكيس البلاستيكي الذي تمنعنا السلطات من إزالته (هناك بعض الجثث تسلم دون كيس)، فيما نستعيض عن الغُسل بالتيمم فوق الكفن”.

شرح عاريض طريقة التيمم للجثامين لـ”عربي بوست”.

يقول: “لا يمكنني أنا واثنان من مساعديَّ في الوكالة أن نقوم بتجهيز الجثامين إلا بعد ارتداء اللباس الواقي وزوجاً من القفازات، لنقوم بالتكفين على الطريقة الإسلامية، وبعدها نمسح على الجثمان بنية التيمم”.

نقاش حاد مع السلطات الإيطالية بسبب مواطن مصري

يتذكر وحيد عاريض، وهو كذلك أحد مؤسسي الجمعية الإسلامية بـ”بيرغامو”، أول ضحية للفيروس القاتل، وهو مواطن مصري الجنسية.

يقول تم تسليمه داخل كيس بلاستيكي دون السماح بفتحه ولا حتى لأسرته بإلقاء نظرات الوداع عليه.

وأضاف “دخلنا في نقاش مع المسؤولين الصحيين في المستشفى، محاولين شرح أهمية تغسيل الميت المسلم، إلى أن توصلنا لحل وسط”.
هل أُحرِقت جثث مسلمين ماتوا بـ”كورونا” في إيطاليا؟

منذ أن أظهرت الصحافة المحلية في مقاطعة “بيرغامو”، صفاً طويلاً من الشاحنات العسكرية تطوف بشوارع المدينة بعد منتصف الليل، حاملة جثامين متوفين بفيروس “كورونا”، نحو أقاليم مجاورة قصد حرقها، حتى ضجت مواقع التواصل الاجتماعي ببلدان عربية مخافة تعرض جثامين المسلمين لنفس المصير.

وكانت السلطات المحلية في “بيرغامو” طلبت المساعدة في إحراق الجثث، بعد أن تكدست في أفران الحرق.

واستجابت له السلطات الإيطالية وأمرت الجيش بنقل الجثث من بلدات الشمال ـبؤرة تفشي الفيروس في إيطالياـ حيث تعمل خدمات دفن الموتى بأكثر من طاقتها.

سفيان ملحوني، مغربي مقيم بإيطاليا، ويدير صفحة للجالية المغربية يتابعها الآلاف، نفى بالمطلق تعرض أي جثة لأحد مسلمي إيطاليا للحرق.

وقال لـ”عربي بوست” إن الأمر لا يعدو كونه شائعة انطلقت مع انتشار شريط فيديو للشاحنات العسكرية المحملة بالجثث.

ويضيف “تواصلت مع عائلات مسلمة بمختلف مناطق إيطاليا ممن فقدوا أحباءهم بفيروس كورونا، ولا صحة لما راج من أخبار، جميع الجثث ووريت الثرى”.

وهو نفس ما أكده يوسف باعلي، نائب رئيس “جمعية شباب مسلمي “بيرغامو” لـ”عربي بوست”، لافتاً إلى أن الجنائز تتوالى خلال الأيام الأخيرة بالمقبرة الإسلامية بالمقاطعة التي تعرف عدد وفيات مرتفعاً، “نشيع مسلمين إلى مثواهم الأخير وفق التعاليم الإسلامية”.
الدفن.. صناديق مفقودة وتكاليف باهظة

ارتفاع أعداد الوفيات بإيطاليا وبإقليم “لومبارديا” بالخصوص، جعل الطلب كبيراً على الصناديق الخاصة بالدفن.

ووفق صاحب وكالة “أكبر”، فإن تكاليف الجنازة والدفن تكلف ما بين 1500 و2000 يورو، توزع وفق الإجراءات المعتمدة في إيطاليا.

ويكلف حفر القبر حوالي 400 يورو، وتسلم 400 يورو أخرى للمركز الثقافي الإسلامي، مالِك المقبرة الإسلامية، فيما تبلغ قيمة الصندوق 300 يورو، زيادة على مصاريف اللباس الواقي وباقي التجهيزات والوثائق.
ولكن التكافل الاجتماعي ينقذ الموقف

بالنسبة للأسر المغربية التي فقدت أحباءها بسبب الفيروس، أكد وحيد عاريض أن القنصلية العامة المغربية بميلانو تكفلت بجميع مصاريف الدفن والجنازة.

“القنصل ونائبه يتحدثون مع العائلات ليلاً، ويدعونهم لعدم مغادرة بيوتهم بسبب الحجر الصحي حفاظاً على سلامتهم، متعهدين بسداد مصاريف الجنائز، وهو ما يتم فعلاً”.

ليست جميع العائلات المسلمة بـ”بيرغامو” لديها القدرة على سداد المبلغ من أجل دفن فقيدها، يقول يوسف باعلي، نائب رئيس “جمعية شباب مسلمي بيرغامو” لـ”عربي بوست”.

“نقوم بجمع الأموال من المحسنين بالمسجد، وغالباً ما نصل للمبلغ المطلوب الذي يغطي تكاليف الدفن والجنازة، وهو ما حدث مع أحد الإخوة من توغو تُوفي مؤخراً”.

خلال جنازات المسلمين ممن قضوا بسبب “كوفيد 19″، تسمح السلطات الإيطالية بحضور اثنين إلى ثلاثة أفراد من عائلة كل متوفٍّ، في الآونة التي انتشر فيها الفيروس صارت صلوات الجنازة تؤدى على عدد من الجثامين قد يصل إلى 6، مع الحفاظ على مسافات الأمان بين المُشيِّعين.

المصدر
عربي بوست
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى