يقتلون #الشهود ويطمسون #الشهادات – #ماهر_أبوطير
إذا أدى #الصحفي مهمته وفقا لشروطها الأساسية المفترضة، فإن مصيره على الأغلب هو القتل، ليس في الحروب والصراعات فقط، بل إذا حاول نشر معلومة أو وثيقة بيديه لإيراد لها أن تخرج إلى العلن، أو حاول معاندة نظام الحكم، خصوصا، إذا كان سلطويا دمويا.
القتل سيكون مصيرا مؤكدا في حال تجاوز الخطوط الحمراء لدى الدول والانظمة، أما إذا وقف الصحفي في طابور التسكين والتهدئة والتعامل مع الواقع فإن أمامه أحد مصيرين، الأول الاستفادة من مرحلته على مستويات مختلفة، سياسية ومالية، أو انه سيكون صحفيا بلا قيمة مؤثرة حيث تتحول الصحافة هنا إلى مجرد وظيفة باهتة يعتاش منها، بلا مكانة مهنية ابدا.
في غزة يتم قتل أكثر من 90 صحفيا في الحرب الجارية حاليا، والتي بدأت بعد السابع من تشرين الأول (اكتوبر)، وإسرائيل تريد شطب شهادات هؤلاء وترويع عائلاتهم، بل انها تفردت بالانتقام من عائلات الصحفيين أيضا، وليس الصحفي وحيدا، وبين ايدينا نماذج لصحفيين في مهن مختلفة تحت مظلة الصحافة تم قصف بيوتهم، والانتقام من عائلاتهم بشكل علني.
هذا نمط لم يحدث حتى لدى اعتى الدول دكتاتورية أي الانتقام من الصحفي وعائلته، وقتل والده ووالدته، أو ابناء الصحفي وبناته، والهدف هنا اخافة بقية الصحفيين، من أجل طمس الشهود والشهادات، لكن الذي يحصل هو العكس، بل ان المنتسبين إلى مهنة الصحافة يزداد عددهم في الدول التي بها حروب، ولا يتناقص عددهم أصلا، تحت وطأة هذه الجرائم.
بين يدي تقرير لليونسكو تم إصداره بداية هذا العام، ويشير إلى ان العام 2022 شهد ارتفاعا حادا في عدد الصحفيين القتلى في أنحاء العالم، وبحسب منظمة اليونسكو فإن منطقة الكاريبي وأوكرانيا شهدتا أكبر عدد للصحفيين القتلى، كما يتعرض الصحفيون لأشكال متعددة من العنف، والعنف هنا مقصود به التعذيب والملاحقة الأمنية والقضائية والسجن المؤقت والضرب، إضافة إلى فصل الصحفيين من أعمالهم، أو منعهم من السفر وغير ذلك من وسائل منتشرة في العالم العربي، الذي يقدم نموذجا متفردا حتى بدون حروب، أو صراعات، بسبب أفعال السلطة.
يضيف التقرير إلى انه بعد عدة سنوات من التراجع المتتالي، ارتفع عدد الصحفيين الذين تم قتلهم في 2022 حول العالم إلى 86 بينما كان العدد 55 في عام 2021، حيث قُتل في عام 2022 صحفي كلّ أربعة أيام، بحسب ما ذكرت المنظمة، فيما كانت نسبة القتلى 58 في المتوسط بين عامي 2019 و2021، مقابل 99 في العام 2018، وهكذا يمكن القول إن الأرقام تقترب من المائة سنويا، في أغلب دول العالم، مع الارتفاعات الأخيرة المرشحة للزيادة.
في فلسطين يتم قتل الصحفيين بشكل دائم، من شيرين أبوعاقلة التي استشهدت في جنين قبل عامين، وصولا الى سامر ابودقة الذي استشهد في غزة، وقبلهما وبعدهما قوس ممتد من الأسماء التي سنسمع عنها، وهم يدفعون الدم ثمنا لانحيازهم إلى قضيتهم المقدسة، وهم أشد أهمية من المقاتلين العسكريين، لانهم ينقلون إلى العالم بالصورة والكلمة الحقيقة الدموية، التي تحاول إسرائيل طمسها، برغم استحالة ذلك لان كل إنسان اليوم قادر على نقل شهادته بكاميرا موبايله الشخصي، وعبر بث الفيديوهات من خلال صفحات التواصل الاجتماعي، وهذا يعني ان عقيدة إسرائيل هنا، انتقامية، مع محاولاتها تهديد الإعلاميين ومؤسساتهم الحاضنة فعليا.
علينا أن نعترف بأمرين هنا، الأول أن كل محاولات قتل الصحفيين لم تؤد إلى إخفاء الحقائق البشعة في الحروب والصراعات وتعسف الانظمة وملفات الفساد، وغير ذلك، والثاني أن مهنة الصحافة والإعلام، لا تقبل بأنصاف ادوار فإما أن يكون المرء في الصف الأمامي ويحتمل الكلفة ضمن إدارة ذكية لوجوده لادامة وجوده قدر الأمكان، واما يتوارى في طابور العائشين والمعتاشين من فقرها أصلا، وظروفها البائسة في الشرق الاوسط، وبقية الدول الشبيهة.
الفرق بين من يدفعون الدم ثمنا لبطولاتهم، وبين من يتفرجون من أبناء ذات المهنة، فرق كبير، خصوصا، في هذه الظروف التي لا تقبل خذلان ابناء امتك وسط هذا المشهد الدموي.