يحدث في سوريا : أنا والغريب على القريب / فيصل القاسم

يحدث في سوريا : أنا والغريب على القريب
من الواضح أن السوريين، مؤيدين ومعارضين، جن جنونهم، ولم يعودوا يلتزمون حتى بأبسط البديهيات الإنسانية والاجتماعية والثقافية. أين هم من المثل الشعبي الشهير الذي لطالما رددوه على مدى قرون: “أنا وأخي على ابن عمي، وأنا وابن عمي على الغريب”. لماذا يتحالفون الآن، مؤيدين ومعارضين، مع الغريب على القريب؟ هل نحن السوريين فعلاً شركاء في الوطن؟ هل نحن أخوة حقا ً؟ أين ذهبت دروس الوطنية والقومية والاشتراكية التي حقننا بها الإعلام السوري على مدى نصف قرن تقريباً؟ لماذا لم تنجح الدعاية البعثية في رأب الصدع بين السوريين وجعلهم جسداً واحداً، أو بنياناً مرصوصاً؟

لماذا ظل السوريون قبائل ومللاً ونحلاً وطوائف متناحرة منذ وصول النظام إلى السلطة قبل أكثر من أربعة عقود؟ باختصار، لماذا انقضوا على بعضهم البعض كالوحوش الضارية عندما ارتخت القبضة الأمنية قليلاً؟ لماذا راحوا بعد اندلاع الثورة يستعينون على بعضهم البعض بكل حثالات الأرض؟ لماذا آثر النظام التحالف مع الروسي والإيراني والأفغاني والباكستاني والكوري على التحالف مع ابن جلدته السوري؟ ولماذا آثر الكثير من السوريين المعارضين التحالف مع الأجنبي ضد النظام وحلفه؟ لماذا اتخذ الصراع السوري السوري طابعاً طائفياً ومذهبياً ودينياً فاقعاً؟

يقول المثل الشعبي: “الثلم الأعوج من الثور الكبير”. ويقول الشاعر: “إذا كان رب البيت للدف ضارباً، فشيمة أهل البيت كلهم الرقص”. بعبارة أخرى، قبل أن نلوم السوريين العاديين، مؤيدين كانوا أو معارضين على الانقضاض على بعضهم البعض واستعانة السوري على شقيقه السوري بهذه البساطة، لا بد أن نتساءل: هل كان النظام السوري على مدى نصف قرن تقريباً نظاماً وطنياً حقاً؟ لماذا فشل في بناء مواطن سوري حقيقي يؤمن بسوريا كوطن، بدل أن يؤمن فقط بعشيرته وقبيلته وطائفته ومذهبه ومكونات ما قبل الدولة؟ هل سعى النظام يوماً بشكل صادق وحقيقي لبناء دولة لكل مواطنيها؟ هل كان ينوي فعلاً بناء مواطن حقيقي؟ الجواب بكل بساطة: لا أبداً، لأنه لو فعل ذلك فعلاً، لما استطاع أن يجثم فوق صدور الشعب السوري لعقود. لو كان السوريون فعلاً كالجسد الواحد إذا شكى فيه عضو، تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى، لما تمكن النظام من رقاب السوريين والتحكم بهم.

إن أول من زرع بذور الشقاق والفرقة بين السوريين هو النظام نفسه مستخدماً المبدأ الاستعماري الحقير “فرّق تسد”. لقد عمل على تعميق الشروخ الطائفية والمذهبية والاجتماعية بين السوريين عمداً كي يعيشوا على تناقضاتهم، وكي يستخدم السوريين ضد بعضهم البعض عندما يثور الشعب عليه. وقد نجح في ذلك نجاحاً باهراً بعد اندلاع الثورة، فبدل أن يقف السوريون جميعاً في وجه النظام الذي سامهم سوء العذاب على مدى عقود، وحرمهم من أبسط حقوقهم، راح بعض السوريين، وخاصة الأقليات تقف مع النظام ضد بقية السوريين؟ لماذا؟ لأن النظام نجح على مدى عشرات السنين في تحريض السوريين وتخويفهم من بعضهم البعض كي يستخدمهم ضد بعضهم البعض عندما يتعرض النظام للخطر. باختصار شديد فإن تفتيت السوريين ودق الأسافين فيما بينهم على أسس طائفية ومذهبية واجتماعية ومناطقية كان سياسة بعثية مدروسة وممنهجة. لاحظوا كيف كان النظام البعثي يرفع شعارات قومية وحدوية لتوحيد العرب أجمعين، بينما كان على أرض الواقع يدق الأسافين بين أبناء الطائفة الواحدة في سوريا.

مقالات ذات صلة

من المسؤول عما آلت إليه الأوضاع بين السوريين الآن إذاً؟ لا شك أنه الثور الكبير. لاحظوا كيف يتعامل السوريون مع بعضهم البعض الآن، وكأنهم لا يعرفون بعضهم بعضاً، ولم يعيشوا ذات يوم في بلد كان اسمه سوريا. لاحظوا كيف يستقوون على بعضهم البعض بكل شذاذ الافاق من مشارق الأرض ومغاربها. لاحظوا كيف يتحالف النظام وجماعته مع الروسي والإيراني والأفغاني ضد السوري الآخر؟ لاحظوا كيف يتحالف السني السوري أيضاً مع الأجنبي ضد النظام وجماعته بعد أن استهدفه النظام كعدو وليس كشريك في الوطن.

كتبت قبل أيام منشوراً بعنوان: “إضحك مع السوريين” يسخر من التناحر الفاضح بين السوريين، فعندما تخسر قوات النظام في معركة يقول المؤيدون: “لا تقلقوا: روسيا وإيران لن تسمحا بهزيمتنا”. وعندما تخسر قوات المعارضة، يقول المعارضون: “لا تقلقوا، أمريكا وحلفاؤها لن يسمحوا بهزيمة قوات المعارضة.

يا حيف: صار السوريون يستقوون بالآخرين على بعضهم البعض دون أن يعلموا أن الآخرين يستخدمون السوريين جميعاً وقوداً لمشاريعهم الخاصة التي لا ناقة للسوريين فيها ولا جمل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى