بيروت – الرأي – احتفى العدد الجديد من مجلّة «نقد» الفصلية البيروتية بتجربة الشاعر الأردني أمجد ناصر.
وقد دأبت «نقد» منذ عددها الأول الذي صدر مطلع العام 2007 وعودتها للصدور بعد توقُّف دامَ أكثر من ثلاث سنوات، على تخصيص كل عدد لتناول تجربة شاعر عربي له بصمتُه الخاصة في المشهد الشعري الحديث، وإلى اليوم تناولت المجلة تجارب الشعراء: محمود درويش، نازك الملائكة، أنسي الحاج، بول شاوول، صلاح عبد الصبور، أمجد ناصر.
قالت «نقد» في افتتاحيتها، إنها منذ انطلاقتها الأولى مطلع العام 2007، أثارت سجالاً – من بين السجالات التي رافقتها – حول معنى تخصيص كل عدد لتجربة شاعر واحد. لكنها مع كل عدد جديد باتت تتبلور أكثر فأكثر كمنبر لحراك نقدي مواكب للقصيدة العربية الحديثة».
العدد الجديد المكرس لتجربة الشاعر الأردني أمجد ناصر توزَّع على 11 دراسة وشهادة، تناولت تجربته من زوايا مختلفة، وهي: «الشعرية المفتوحة» لعبد القادر الجنابي، «ميتافيزيك الجسد» لمحمد علي شمس الدين، «حياة اخترعها الشعر» لفاروق يوسف، «شعرية المنفى وجماليات التجاور» لمحمد السيد إسماعيل، «صيرورة النص الشعري» لصلاح بوسريف، « ثقافة اقتفاء الأثر وكرامة الحياة» لأكرم قطريب، «سيميوطيقا التشيُّؤ والدراما في توهُّج الذات بالحياة والتاريخ» لمصطفى عطية، «أيقوناته في مصر» لمحمود القرني، «ملحمة الفحولة» لعبدالله كرمون، «عبور العائلة» للينا الطيبي»، «حطام ما يطير» لماهر شرف الدين.
في قراءة مميزة، وجديدة في بابها، لنثرية أمجد ناصر في كتابه «فرصة ثانية» كتب الشاعر والمترجم العراقي عبد القادر الجنابي يقول: «هناك من يقرأ كتاب أمجد ناصر الأخير «فرصة ثانية» (إصدارات التفرُّغ الأدبي، عمّان 2010)، باعتباره سيرةً على نحو مختلف، أو رحلةً اكتشافيّة لمسقط الرأس، أو مراجعة لماضٍ ولعلاقات، أو ريبورتاجاً جغرافياً للمكان البدوي… لكنَّ خيطاً واحداً يربط بين هذه القراءات المختلفة، وهو أن متعة قراءة «فرصة ثانية» لا تنبع فقط من المقاربة التخيُّلية للحواضر، وإنما كذلك، وبالأخص، من الأسلوب النثري المتماسك الذي يُحوِّل الوقائع إلى كثبان رملٍ مشرقة.
فأمجد ناصر المولع بالإثارة التفصيلية، يحافظ، طوال السرد، على شبكة مجازية من الصور والتعريفات: «ليس بخارطةِ الأنفاق يمتلك المرءُ مكاناً ولا بجلوسه في طبقة عُليا لحافلة حمراء يصبح مواطناً تلقائياً للمطر والهدير»، «فكَّرَ البدويُّ في حيلة يمتصُّ بها نزّاً شحيحاً تذرفه عينُ صخرة مخضرّة»، «العزلة ليست وصفة جاهزة للاستشفاء»، «الصقيع لا يتأخَّر في نوبته الليليّة»، «الوادي… شقفة قمر سقطت في ليلة هاربة».
كتاب بهذا الدفق النثري لا يمكن تلخيصه، لكن يمكننا إعطاء ملخَّص له، ليس بالضرورة دقيقاً أو كاملاً: في مقهى «يضجُّ بأصوات ما تعتم أن تتلاشى»، و«بحكِّ خاتم اشتراه من بائعةٍ جوَّالة»، يجد شاعرٌ، فجأة، أنّ غَشْيَةً ليست بالمعنى الصوفي وإنما بالمعنى الدنيوي «استغراقاً ذهنياً»، انتابته، فاستسلم إلى محاورة نفسه بأقاصيص ومرويات، بمدنٍ وأوابد، بأماكن وآثار، بأشخاص حقيقيين ووهميين، وبلغة ينضمر فيها ويتلاشى «أنا» المتكلم أمام «أنت» المخاطب المنطوي، أيضاً، على بقيَّة الضمائر: أنا، هو، نحن… وهم الذين يُشكِّلون جزءاً لا يتجزأ من مساءلته للدال وللمدلول في عالم أشبه بـ«ريزوم» جيل ديلوز حيث كل شيء متَّصل، وفي الوقت ذاته ليس له جذر.
و«فرصة ثانية» حسب الكاتب عمل جديد يتميّز بنثر استكشافي، أودُّ أن أسمِّيه «النثر الحرّ» على غرار الشعر الحرّ، والنثريّة المفتوحة التي تمثل طريقة السرد والمضمون المراد إيصاله ويُكوِّنان وحدة عضوية، وكأن اللغة هي اللبنة اللازمة لبناء ما تُصوِّر، وتقوم على نَفَس طويل لا تكتفي بما تحصل عليه من تشخيص معيّن، وإنما تطمع في المضي أبعد من هذا. ذلك أن «على كلّ إدراك أن يُفضي مباشرةً وفوراً إلى إدراك أبعد»، كما قال الروائي الأميركي إدوارد دالبرغ».
يشار إلى أن مجلة «نقد» الفصلية التي يرأس تحريرها الشاعر السوري ماهر شرف الدين كانت انطلقت في شتاء 2007 وتوقفت في ربيع 2008، وكانت آنذاك تصدر لدى «دار النهضة العربية»… لكنها اليوم باتت تصدر لدى «دار الغاوون»، وسيتناول عددها المقبل – كما أعلنت على الغلاف الخلفي للعدد الجديد – تجربة الشاعر السوري محمد الماغوط.
أ.ر