قطاعنا الصحي: لماذا يموت الفقراء؟ / شروق طومار

قطاعنا الصحي: لماذا يموت الفقراء؟
شروق جعفر طومار

قصة الطفلة التي توفيت قبل أيام بعد أن أوصدت مستشفيات وزارة الصحة أبوابها في وجهها رغم خطورة وضعها الصحي وحاجتها الملحة إلى الإسعاف والعلاج، تفتح عدداً من الأسئلة وتضع عدداً من المؤشرات حول التردي الشديد الذي وصل إليه القطاع الصحي في الأردن فنياً وإدارياً.

إصابة ميرا ذات السنوات الثلاث بحروق من الدرجة الثالثة بنسبة 90% من جسدها جراء حريق نشب في منزل ذويها، لم تكن كافية لتصنيف الحالة على أنها طارئة وتستدعي اتخاذ اجراءات فورية لمعالجتها، فبقيت تنتظر لساعات في أكبر المستشفيات الحكومية في عمان دون أي تدخل طبي بحجة “عدم توفر سرير”، ولم يكن بمقدور والد الطفلة دفع تكاليف العلاج المرتفعة خارج المستشفيات الحكومية.

فارقت الطفلة الحياة قبل مباشرة علاجها في مدينة الحسين الطبية على نفقة الدولة بإيعاز من رئيس الوزراء إثر موجة غضب شُنت على وسائل التواصل الاجتماعي.

القصة موجعة، لكن الأكثر إيلاماً وخطورة هو أن يسدل الستار عليها مع انقضاء أيام العزاء بوفاة الطفلة. كيف يمكن احتمال فكرة وفاة أحد المواطنين نتيجة عدم وجود مكان لعلاجه في وطنه، وكيف يُسمح لمسؤول في مشفى حكومي أن يرفض استقبال حالة طارئة بحجة عدم كفاية الأسرة؟ إلى متى سيستمر هذا التردي في قطاعنا الصحي؟ وأين يكمن الخلل؟

رئيس الوزراء وفي أكثر من مناسبة كان آخرها قبل أسبوعين أثناء رعايته اللقاء التشاوري لوزارة الصحة مع منظمة الصحة العالمية بعنوان” خطوات عملية نحو الوصول للتغطية الصحية الشاملة”، أشار إلى أن قطاعنا الصحي “يُنفق عليه الكثير” لكن القطاع يعاني من ترهل ونتائجه غير مرضية.

ذلك يعني بأن مشكلة القطاع ليست مشكلة مالية بقدر ماهي مشكلة فساد وترهل إداري، وذلك يعني أيضاً بأن رئيس الحكومة مدرك تماماً لمكمن الخلل وهو أمر جيد، لكن المؤسف فيه هو السكوت عن هذا الخلل وعدم وجود خطة واضحة وقرارات تتضمن إجراءات تصحيحية، مما يثير تساؤلات حول درجة الجدية في الإصلاح لدى متخذ القرار.

بعض مشكلات القطاع الصحي الكثيرة أشارت إليها أيضاً الاستراتيجية الوطنية للقطاع الصحي في الأردن للأعوام 2016-2020، ووفقاً للاستراتيجية فإن معدل أسرة المستشفيات في الأردن بلغ 18 سريراً لكل 10 آلاف مواطن، وهناك حاجة إلى إضافة أسرة جديدة بمعدل 221 سريراً سنوياً خلال الثماني سنوات الأولى بدءً من العام 2016، وإضافة أسرة جديدة بمعدل 349 سرير سنوياً خلال العشر سنوات التي تليها.

وأوضحت الاستراتيجية أن أهم التحديات التي تواجه حوكمة النظام الصحي في الأردن: عدم تفعيل أنظمة المراقبة والتقييم للأداء المؤسسي في القطاع العام، وضعف الالتزام بتطبيق الاستراتيجيات والخطط الوطنية وضعف أنظمة المتابعة والتقييم لها.

وتقول الاستراتيجية بأنه وعلى الرغم من وجود رؤية استراتيجية واضحة للقطاع الصحي جسدتها الأجندة الوطنية ووثيقة كلنا الأردن ووثيقة الأردن 2025 وبرنامج عمل الحكومة 2016-2019 والاستراتيجية الصحية الوطنية إلا أن هناك ضعفاً في التناغم بين الأهداف والخطط الموضوعة من قبل المستوى الاستراتيجي وتلك الموضوعة من قبل المستوى التنفيذي.

نفقات وزارة الصحة عام ٢٠١٨ بلغت حوالي ٦٠٠ مليون دينار، فيما رصد لها حوالي ٦٥٠ مليون دينار في موازنة العام ٢٠١٩. ووفقاً للتقرير الأخير للحسابات الصحية الوطنية لعام 2015 فإن الانفاق الصحي في الأردن تخطى 2.2 مليار دينار أردني وبنسبة 8.4% من الناتج المحلي الإجمالي.

قطاعنا الصحي لا يفتقر إلى التمويل إذن، ولا ينقص القائمين عليه الدراية الكافية بأوجه الخلل والضعف فيه، لكن ما يعوزه هو وجود نية حقيقية في إصلاحه ووضع حد قاطع للفساد والترهل الإداري الذي يستنزفه، وعدم السكوت عن الجرم الذي ارتكب بحق الطفلة ميرا، فصمتنا سيعطي ضوءً أخضر للمقصرين للتمادي في تقصيرهم، وسنكون كل يوم أمام قصة تشبه قصة ميرا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى