لَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو طَالِبٍ وَخَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ ، وَكَانَ بَيْنَهُمَا شَهْرٌ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ ، اجْتَمَعَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُصِيبَتَانِ فَلَزِمَ بَيْتَهُ ، وَأَقَلَّ الْخُرُوجَ ، وَنَالَتْ مِنْهُ قُرَيْشٌ مَا لَمْ تَكُنْ تَنَالُ ، وَلا تَطْمَعُ بِهِ ، فَبَلَغَ ذَلِكَ أَبَا لَهَبٍ فَجَاءَهُ ، فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، امْضِ لِمَا أَرَدْتَ ، وَمَا كُنْتَ صَانِعًا إِذْ كَانَ أَبُو طَالِبٍ حَيًّا فَاصْنَعْهُ ، لا وَاللاتِ لا يُوصَلُ إِلَيْكَ حَتَّى أَمُوتَ ، وَسَبَّ ابْنُ الْغَيْطَلَةِ النَّبِيَّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ أَبُو لَهَبٍ ، فَنَالَ مِنْهُ – ضربه ضربا شديدا – ومن فرط اندهاش الرجل ، َوَلَّى وَهُوَ يَصِيحُ : يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ صَبَأَ أَبُو عُتْبَةَ فَأَقْبَلَتْ قُرَيْشٌ حَتَّى وَقَفُوا عَلَى أَبِي لَهَبٍ ، فَقَالَ : مَا فَارَقْتُ دِينَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، وَلَكِنِّي أَمْنَعُ ابْنَ أَخِي أَنْ يُضَامَ حَتَّى يَمْضِيَ لِمَا يُرِيدُ ، قَالُوا : قَدْ أَحْسَنْتَ وَأَجْمَلْتَ وَوَصَلْتَ الرَّحِمَ !!!. فأبو لهبٍ الذي لعنَهُ اللهُ – عزّ وجلّ – في كتابهِ الكريمِ ،رفضَ أنْ تَمسسَ قريشُ ،سيدَنا محمدًا – صلّى الله عليهِ وسلّمَ – بسوءٍ طيلةَ حياتِهِ ،وأبى إلّا أنْ يكونَ ظهْرًا للنبِيِّ – صلّى الله عليه وسلّم – يحتمي بهِ مِنْ بطشِ قريشٍ ،بعدِ موتِ أخيهِ !! فيا ليتَ لأقزامِ العلمانيين واليساريين والقوميين شهامة أبي لهب ! فهل استهجن كفرة قريش الفعل ؟! إذا كان المرءُ يعجبُ مِن مَوقِفِ أبي لَهبٍ ،مِن النبيِّ – صلّى الله عليه وسلّم – والذي لعنهُ الله في قرآنِهِ الكريمِ ،فماذا سيكونُ الحالُ ،حينَ يعلمُ أنّ كَفَرةَ قريشٍ وسدنتَها ،قدْ استحسَنُوا بشدةٍ فِعلَ أبي لَهبٍ ؟! وقدْ قالوا : ” قدْ أحْسَنْتَ وأجْمَلْتَ وَوَصلْتَ الرَّحْمَ ” . وكانَ أنْ تغيَّر حالُ النبِيِّ بعدَ تلكَ الحادثةِ ،فصار يخرجُ مِن بيتهِ كمَا كانَ يفعلُ في حياةِ عمِّهِ أبي طالب ،ولم يعترض طريقَهُ أحدٌ مِن قريش ،خوفًا مِن أبي لَهبٍ . إنَّ قريشَ وكفارَها ،يُعلون من شأن الأخلاق ومكارمها ،ويقدِّمونها على أي شيءٍ آخرَ ، مُتناسين كلّ الخلافاتِ والنزاعاتِ والعداوةِ والخصُومَةِ . فيا ليتَ عند العلمانيين واليساريين والقوميين ,من الأخلاقِ مِثلَ ما عندَ كفرةِ قريشٍ من أخلاق! لقد أثبتوا لكلِ ذي بصيرةٍ ،أنّهم أوفياءُ للقتلةِ والطائفيين والطغاةِ ,وهمْ الآنَ عُراةٌ ،يضعونَ قفاهُم على وجوهِم بدونِ خجلٍ أوازعٍ مِن ضميرٍ ،ولكنْ مِن أينَ لهمْ الضميرُ؟ فضائِحُهم عرَّتهُم فأثبتتْ أنَّهم يَلعقونَ أحذيةَ الطغاةِ والمستبدِّين القتلةِ ويؤلِّهُونَهم ,والأحداثُ الجاريةُ على أرض سوريا عامة وفي “حلب الشهباء” خاصة ،أثبتتْ بما لا يدعو إلى الشك ،أنَّ اليساريّةَ أو القوميّةَ والليبراليةَ ,لا تعنِي إلا القمعَ والنذالةَ والمصلحةَ والوصوليَّةَ والنفعيَّة ولعقِ الأحذيَةِ والوَهمِ ،وهمْ بالتأكيدِ ذاهبون إلى مزبلةِ التاريخِ غيرِ مأسوفٍ عليهم . فإذا كانت أخلاقهم النابعة من عوقٍ فكريٍّ وتخنثٍ فكرِيٍّ ،تجعلهم لا يستنكرون قتلَ شعبٍ بأكملهِ وتدميرِ وطنٍ بأكملهِ ،لا بلْ ويصفقون للطاغيَةِ ، ثم يبررون أنَّهم مِن مُؤيِّديهِ ومناصِريهِ، فلا بدَّ لي ،أنْ أقولَ :إن دين أبي لهبٍ خيرٌ مِن دِينِهمْ !
أقرأ التالي
آراء
2024/11/23
البيئة المحيطة وتأثيرها على العادات
آراء
2024/11/23
المقاومة الرقمية للسردية الفلسطينية
آراء
2024/11/21
مفهوم (حل الدولتين) فوق الطاولة وتحتها
آراء
2024/11/19
ترامب أسوأ كوابيس الأردن
2024/11/24
التغطية الصحية الشاملة لكافة المواطنين أولوية لا تحتمل التأخير
2024/11/23
البيئة المحيطة وتأثيرها على العادات
2024/11/23
المقاومة الرقمية للسردية الفلسطينية
2024/11/21
مفهوم (حل الدولتين) فوق الطاولة وتحتها
2024/11/19