يا كوفيد: لي في العيد حاجات / د. ظاهر محمد الزواهرة

يا كوفيد: لي في العيد حاجات
د. ظاهر محمد الزواهرة

في لحظة الوداع لشهر كريم ألف دعاء ويزيد، ربنا اكشف عنا الضر وأنت أرحم الراحمين.
مر الشهر الكريم كلمح بالبصر،ومن كان يتصور يوما أن يمضى رمضان بلا جمعة تصلى في بيت الله؟ وبلا جماعة ؟وبلا تراويح؟ وبلا طقوس اعتدنا عليها منذ أن كنا صغارا نطارد الفراشات في حقل القمح في السفوح والهضاب، ونصعد حين نتعب قمة الجبل، ونرقب سنابل القمح الذهبية،والحاصدين المتعبين؟ فمضت السنون ولم تعد السفوح ولم يعد القمح فيها ،ولم نعد نحن إذ ماتت سنابل القمح يوم أن عاشت قواعد الأسمنت المسلح في سفح حوران، وتجمدت الحياة،ومازلت أسمع صوت المنادي: حبة قمح يا الله .
من كان يتصور أن يمضي رمضان ولم يجتمع الأحبة في لياليه؟ وها قد أقبل العيد السعيد وبلا خطبة في بيت الله أو صلاة، فما لنا سوى الدعاء والصبر الجميل.
هي دروس كان العالم أجمع بحاجتها، ومحطات كان لابد من التزود فيها من العبر،ولا كل شر شرا، فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيرا كثيراً.
هي العبر لمن يعتبر، فما كنا ندرك عظم النعم حتى تقصرت وما كانت قبل كورونا تقصر، فكأنه في خلد المتنبي إذ كيف وصلت إلينا في الظلام ، وقد بذلنا لك المطارف والحشايا ، فعفتها حتى سكنت في جوف العظام، وأصبح العالم المجنون في صنع السلاح، وقتل آلاف الصغار،وهدم آلاف المباني، عاجزا عن صنع اللقاح، وتوقفت كل الدماء التي أريقت عنوة ،وكل القرى التي كانت بظلم الظالمين تنتهك وتستباح، من كان يسمع أنات الصغار تحت الردم والهدم؟ومن كان يسمح الصرخات والصياح؟ إنه الذي خلق البعوضة وما فوقها كي يري هذا العالم ضعفه وعجزه وحاجته إليه.
هي لحظة وإن طالت وتمددت فترة فلنا فيها العطايا والكرم، فإن بعض المصيبات هي الكرم ،وبعض الرزايا عطاء، فتجسدت فينا المحبة والإخاء، والتسامح والوفاء، والبذل والعطاء، وكنا كما كنا ولم نزل نبذل الأرواح حبا للوطن.
ها قد أتى العيد،ولن نقول عيد بأي حال عدت يا عيد،ولسنا الصخرة التي لا تحركها المدام والأغاريد، بل سنقول أهلا لك أيها العيد،ونحن الحب والأمل السعيد، وقلوبنا تهوى الحنان والعطف ،والدرب الرشيد.
مرحبا أيها العيد، ففيك نكبر ونهلل ونظهر الفرح، ويحلو النشيد.
أهلا أيها العيد، وفيك كوفيد يعلمنا أن التعقيم للأيدي يرافقه تعقيم الفؤاد، وأن هدايا العام ليست كمامة كما يسخر الساخرون، إنما حمامة بيضاء كلون قلوبنا التي لم تعرف يوما سوى المحبة في حواشيها، ومن يملك القلب الرحيم لا يخشى مواشيها، فإن الله يحفظه إذا مشى فيها.
أهلا أيها العيد ، وإن كنا في البيت ،فإن القلوب تطير أبعد مما نرى،وتزور أحبابنا في شتى نواحيها، وكم من بعيد قريب وإن شطت بنا المسافات، ونصبر وإن علت في النفس آهات،فليس كل ما ترغبه يكون،فكن بما يكون راغبا، فتطيب المساءات.
ولن نقول متى نعود؟فاليأس قتلناه ، والإحباط رميناه، والأمل رسمناه، فلا بد أن نعود،وإن تهامس الضعفاء، بأننا بعداء،والداء هو الداء، فلا بد أن نعود ولكل جانحة دواء، وسيزهر الجلنار، ويمضي الليل ،وتشرق الشمس،ويبتسم النهار، ونحن القطار ولم يرتحل القطار!
لا بد أن نعود وربنا القهار والجبار،ونحن إذ ندعوه سيستجيب،وتتغير بأذنه الأقدار، ونعود نمشي في شوارع المدينة، ونطير مثل النجوم وأرضنا أمينة، نعم سنعود إلى عملنا وأملنا وجامعتنا الحبيبة، وإلى طلبتنا وكتبنا الحزينة، وننادي بكل قوة :حبة فرح يا الله.
نعم نحن ، والوطن الحبيب،والأرض الحبيبة كزهرة لن تذبل ورحيقها نهر الأنبياء،ودجلة والفرات، فيا كوفيد لي في العيد حاجات، إذ قد تلتقي الأشتات بعد تفرق * وقد تدرك الحاجات وهي بعيد .
د. ظاهر محمد الزواهرة – الجامعة الهاشمية .
الزرقاء: 23/ 5 /2020

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى