يا حيف عالرجال!
م.عبد الكريم أبو زنيمة
مشاري رجل ضخم الجسم طويل القامة عريض المنكبين في مظهره خشونة وفي عيونه حدة، كان يتردد على احدى القبائل لهوىً في نفسه، يأتيهم ممتطياً حصانه الأدهم وممتشقاً على كتفه اليمنى بندقيته الإنجليزية ومتوشحاً بسيفه الدمشقي على جنبه الأيسر، ما أن يهل على مضارب القبيلة حتى يهب شيخها وسائر #رجال #القبيلة مهللين ومرحبين به، كعادة #العرب يكرمون ضيوفهم ولا يسألونهم عن حاجتهم إلا بعد مرور ثلاثة أيام وثلث ولا يضيقون بهم ذرعاً مهما طالت مدة إقامتهم، مشاري ومع تكرار تردده على القبيلة أصبح كواحد منهم ومحبب إليهم لكثرة ما سمعوه منه عن صولاته وجولاته، مشاري دأب وفي اليوم الثالث وعلى مسمع من جميع رجال القبيلة الملتفين حوله –وفي وسط الهرج كما يقال– يتنحنح ويرفع راسه متلفتاً شمالاً ويميناً مستطلعاً كل الجغرافيا من حوله وبعد ان يسحب نفساً عميقاً ويتأف.. ثم يردف قائلاً “عووووذا عليك من بلاد…ما بها لا هوشه ولا طوشه يبين الرجل بها” يكرر قوله هذه بين الفينة والأُخرى بنفس الحركات السابقة، لحظات وبعدها يطلب الرحيل قبل انتهاء الثلث الأخير من مدة الضيافة!
وفي احد الايام بينما مشاري جالس في ضيافة ذات القبيلة يسرد عليهم غزواته وصولاته وإذ بغبار قادم من بعيد! يقترب الغبار شيئاً فشيئًا وإذ به غزو للقبيلة، يهب الرجال والفرسان لأسلحتهم ويعتلون ظهور خيولهم دفاعاً وصداً للغزو، تصيح إحدى بنات القبيلة من الربعة “المكان المخصص للنساء” قائلة: اليوم يومك يا الفارس..اليوم يومك يا حامل البارودة والسيف..اليوم يومك يا مشاري وتكرر ذات النداء اليوم يومك…! الغبار يعتلي والخيل تصهل على صوت الرماح والبارود والنساء تستنهض همم فرسان القبيلة والأطفال يصرخون! مشاري ينسل من تحت رواق البيت “بيت الشعر” باحثاً عن مكان يختبيء به صائحاً ومكرراً “عووووذا عليك من بلاد … لا شجرة ولا حجرة يتخبى الرجل بيها”
يصد فرسان القبيلة الغزو وينقشع غبارها، الرجال يتفقدون حالهم وحال قبيلتهم…يفقدون ضيفهم! ينظرون بوجوه بعضهم والرعب باد على وجوههم! أن يقتل أو يأسر ضيفهم فهذه وصمة عار! يتسائلون فيما بينهم بعصبية.. أين ضيفنا مشاري؟ الجميع باستغراب يجيبون بأن أحدًا منهم لم يره في ساحة المعركة! يبحثون عنه في كل مكان ولم يجدوه، إحدى البنات تتقدم منهم قائلة لهم: أبحثوا عنه في الخُم ” الخم هو قن الدجاج يبنى من الطين على شكل مربع تعلوه قبة من الأعلى” توجهوا للخم وإذ بفارس الفرسان يرتجف خوفاً هناك؛ فأخرجوه من الخم مطأطاً رأسه! تتقدم منه البنت نفسها التي كانت تظن أن هذا اليوم يومه وأنه سيكون فارس الفرسان! وقفت أمامه قائلة: يا حيف عالطول والعرض .. يا حيف ع حامل البارودة والسيف .. يا حيف.. واحدكو بالمجالس فارس وحجاج.. وعند الشدايد والذود عن البلاد ما نلاقيكم غير بخمم الجاج! يا حيف عليكوا!