وول ستريت جورنال: وقف إطلاق النار في الشرق الأوسط.. حرب بصيغة أخرى

#سواليف

يرصد المقال كيف تحوّلت اتفاقات #وقف_إطلاق_النار في #غزة و #لبنان إلى #هدنة هشّة تُدار فيها الحرب بأدوات أقل حدّة، مع استمرار الضربات الإسرائيلية ورفض #حماس وحزب الله نزع سلاحهما. ويخلص إلى أن جميع الأطراف تستفيد من هذا الوضع الرمادي الذي يعلّق #الصراع بدل معالجته، ما يجعل وقف النار أقرب إلى #حرب_مؤجلة منه إلى سلام حقيقي.

رغم سريان اتفاقات وقف إطلاق النار في كلٍّ من غزة ولبنان، يبدو المشهد في #الشرق_الأوسط أقرب إلى هدنة هشّة منه إلى سلام حقيقي. فإسرائيل تواصل ضرباتها العسكرية، مدفوعة بتزايد نفاد صبرها من رفض حركتي “ #حماس ” و” #حزب_الله ” نزع سلاحهما، فيما تستمر التوترات التي فجّرت جولات متعاقبة من العنف دون أفق واضح للحل.

خلال الأيام الماضية، تجدد القتال على الجبهتين، في مؤشر صارخ على المنطقة الرمادية التي تعيشها المنطقة: لا حرب شاملة، ولا سلام مستدام. ففي واحدة من أعنف الضربات منذ دخول الهدن حيّز التنفيذ، أعلنت إسرائيل يوم الأربعاء تنفيذ سلسلة غارات على ما قالت إنها أهداف لحركة حماس في غزة، عقب إطلاق نار استهدف قواتها. وقبل ذلك بيوم، استهدفت غارة إسرائيلية موقعًا في لبنان وصفته بأنه معسكر تدريب تابع لحماس.

في المقابل، نفت حماس مسؤوليتها عن إطلاق النار في غزة، مؤكدة أن الموقع الذي قُصف في لبنان كان منطقة مدنية مكتظة بالسكان، لا معسكرًا عسكريًا. ووفق وزارات الصحة المحلية، أسفرت الضربات عن مقتل أكثر من عشرين شخصًا في غزة، وأكثر من عشرة في لبنان، من دون تحديد عدد المقاتلين بينهم، فيما أكدت إسرائيل عدم إصابة أي من جنودها.

ورغم التصعيد، لم يعلن أي طرف انهيار اتفاقات وقف إطلاق النار، بل إن الهدن تستمر في التعثّر، بينما تبقى جذور الصراع- التي تفجّرت بقوة بعد هجوم حماس في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023- من دون معالجة حقيقية.
توازن هشّ ومصالح متقاطعة

تسعى إسرائيل إلى استثمار تفوقها العسكري، بعد إنهاك حماس وحزب الله، للضغط عليهما من أجل نزع سلاحهما، مؤكدة احتفاظها بحق تنفيذ ضربات عسكرية إذا لم يتحقق ذلك. في المقابل، تعمل الحركتان، رغم الخسائر الكبيرة التي تكبّدتاها، على إعادة تنظيم صفوفهما واستعادة نفوذهما.

في غزة، دفعت حماس بعناصرها إلى الشوارع فور بدء وقف إطلاق النار الشهر الماضي، في محاولة لإحكام السيطرة على القطاع ومواجهة خصومها الداخليين. وقد أدى ذلك إلى تحسن نسبي في الوضع الأمني، مع تراجع معدلات الجريمة والنهب، ما أسهم في ارتفاع شعبيتها لدى بعض السكان، رغم استمرار القلق الشعبي من عودتها الكاملة إلى الحكم.

أما في لبنان، فيعيد حزب الله بناء قدراته العسكرية والتنظيمية التي تضررت بشدة، بحسب مصادر مطّلعة على تقييمات استخباراتية إسرائيلية وعربية. وقد أعربت إسرائيل والولايات المتحدة عن تزايد إحباطهما من تعثر مسار نزع سلاح الحزب، ما يرفع منسوب القلق من تصعيد جديد.

وكان لبنان وإسرائيل قد توصلا في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي إلى اتفاق أنهى حربًا استمرت شهرين، نصّ على وقف الضربات الإسرائيلية وسحب القوات، مقابل تفكيك البنية التحتية لحزب الله في جنوب لبنان ونزع سلاحه تدريجيًا. ورغم نجاح الحكومة اللبنانية، بدعم استخباراتي إسرائيلي، في تقليص وجود الحزب جنوبًا، إلا أن الجهود اصطدمت بعقبة نزع سلاحه على نطاق أوسع.
اتفاقات معلّقة ومأزق سياسي

في غزة، جرى التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بوساطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تضمّن وقف القتال، وتبادل الرهائن الإسرائيليين بمعتقلين فلسطينيين، وزيادة إدخال المساعدات الإنسانية، إضافة إلى نزع سلاح حماس. وكان من المفترض أن تنسحب إسرائيل تدريجيًا من القطاع، وأن تدخل قوة دولية لتوفير الأمن، مع تشكيل إدارة جديدة تتولى الحكم بدلًا من حماس.

غير أن الخلافات الجوهرية، ورفض الطرفين تقديم تنازلات حاسمة، أبقت الاتفاقين في مراحلهما الأولى، دون تقدم ملموس.

ويرى محللون أن جزءًا من المشكلة يكمن في أن جميع الأطراف تجد مصلحة في هذا الوضع الوسطي. فإسرائيل تحتفظ بحرية توجيه الضربات متى شاءت، فيما تؤجل حماس وحزب الله مسألة نزع السلاح، وتستطيع الولايات المتحدة الترويج لاتفاقات رعتها دون تحمّل كلفة فشلها، بينما تتجنب الحكومات العربية التزامات قد تضعها في مواجهة مباشرة مع ميليشيات مسلحة.

وتقول رندا سليم، الزميلة في معهد السياسة الخارجية بجامعة جونز هوبكنز والمتخصصة في حل النزاعات: “إسرائيل تحقق أفضل ما في العالمين؛ فقد قيّدت القوة النارية لخصومها عبر الهدن، لكنها في الوقت نفسه احتفظت بحق استهدافهم متى شاءت”.
هدنة بلا سلام

من جهته، أعلن الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم أن الحزب يسعى إلى تجنب حرب جديدة مع إسرائيل، وقد امتنع عن الرد العسكري على الضربات الإسرائيلية منذ بدء الهدنة. ومع ذلك، أبقت إسرائيل قواتها في مواقع استراتيجية جنوب لبنان، وكثّفت طلعات طائراتها المسيّرة فوق بيروت، ونفذت أكثر من ألف ضربة منذ وقف إطلاق النار عام 2024، بحسب مصادر أممية. كما بدأت ببناء جدار يمتد داخل الأراضي اللبنانية، وفق ما أفادت به قوات اليونيفيل، دون تعليق رسمي من الجيش الإسرائيلي.

وفي غزة، انسحبت القوات الإسرائيلية من وسط القطاع، لكنها ما تزال تسيطر على أكثر من نصف أراضيه خلف ما يُعرف بـ”الخط الأصفر”. ورغم تراجع وتيرة القتال تحت ضغط أمريكي مكثف، استمرت الضربات الإسرائيلية المتقطعة والهجمات الفلسطينية المحدودة.

وقد أسفرت هذه الضربات عن استشهاد نحو 280 فلسطينيًا وإصابة المئات منذ بدء وقف إطلاق النار، وفق السلطات الصحية في غزة.

وتؤكد حماس أنها لن تنزع سلاحها ما لم تنسحب القوات الإسرائيلية بالكامل، ويُفتح مسار سياسي واضح لإقامة دولة فلسطينية. وبحسب وسطاء عرب، أبدت الحركة استعدادها- في حال تحقق ذلك- لتفكيك أسلحتها الثقيلة وتخزينها داخل غزة تحت إشراف مصري وبمشاركة السلطة الفلسطينية، مع الإبقاء على الأسلحة الخفيفة بيد عناصرها.

وهكذا، تبدو الهدنة في الشرق الأوسط أقرب إلى إدارة مؤقتة للصراع، لا إلى إنهائه. وقفٌ لإطلاق النار، نعم.. لكنه وقفٌ يشبه الحرب، ويؤجل السلام بدل أن يصنعه.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى