ومن قصد البحر إستقل السواقيا / د . عبدالكريم محمد شطناوي

ومن قصد البحر إستقل السواقيا

هذا الشطر الثاني لبيت شعر ، لشاعر عربي فصيح اللسان ، يشار له بالبنان ، وملك ناصية البيان ، وإن من البيان لسحرا ، نظم قصائد وأبيات شعرية ، خلدته على مر الأجيال والأزمان ، تمتع بإرادة وهمة عالية ، كان طموحا يرنو للعلا والمجد ، بالإضافة إلى ما ملكه ، من إبداع في الشعر ، وعلم بمفردات اللغة وبقواعدها وأساليبها ، وتمكنه منها .

وقد عاش أفضل حياته ومجده ، عند سيف الدولة الحمداني ، إنه الشاعر المتنبي ، وقد نظم الشعر وعمره تسع سنوات ، ويعتبر أحد فحول الشعر العربي ، لمع مجده في الماضي ، وما زال حتى يومنا هذا .

إن ولع هذا الشاعر ، بطلب المجد والعلا ، دفعه إلى التقرب من الحكام ، فكان أخر مطافه أن ذهب إلى كافور الأخشيدي ، ذلك العبد الذي قتل سيده الأخشيدي أحد حكام مصر ، وإستلم الحكم من بعده ، وقد قصده الشاعر المتنبي طمعا بأن يسلمه حكم إحدى الولايات ، فمدحه بقصيدة شعرية مطلعها :

مقالات ذات صلة

كفى بك داءاً أن ترى الموت شافياً
وحسب المنايا أن يكنّ أمانيا

إلى أن قال :

قواصد كافورٍ توارك غيره
ومن قصد البحر إستقل السواقيا

أحببت مما أشرت إليه سابقا ، أن أبين أن أصحاب النفوس العزيزة ، التي ترنو إلى المجد والعلا ، يقصدون طلب العلا من أوسع أبوابه ، ويعفون ويترفعون عن القليل .

وفِي الأيام الخوالي الماضية ، عاش الأردنيون إحدى حلقات مسلسل الإنتخابات في حالة تنافس شديد بين المرشحين ومعهم أنصارهم طمعاً بالفوز ، وفِي نهاية المطاف وجدنا البعض ممن جد وإجتهد وتكاتف وتعاضد ، ورام الوصول إلى العلا ، قد إستقل السواقيا ، وقصد البحر وتحقق له ذلك ، بِينما وجدنا البعض قد إكتفى بالسواقيا ولم يقصد البحر ، مع إمتلاكه المقومات ولكنه لم يستغلها ، وحاله كحال من إستمرأ شرب كأس الحياة بذلة بينما الآخرون قصدو العز ولو بشرب كأس الحنظل .

وقال الشاعر الشابي :

ومن لا يحب صعود الجبال
يعش أبد الدهر بين الحفر

وكما قال المتنبي أيضا :

من يهن يسهل الهوان عليه
ما لجرح بميت إيلام

وهكذا فإن لكل مجتهد نصيب ، ونصيبه يتناسب وجهده وتعبه وتخطيطه ، واضعا في نصب عينيه ، الحفاظ على لحمة أهله ومجتمعه الكبير ووسطه الفيزيقي ، بروح جماعية وبمنتهى الشفافية والموضوعية ، لإنهم القاعدة الرئيسة من أجل تحقيق الأهداف المتوخاة .

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى