ولاد الضراير

ولاد الضراير
سهير جرادات

سليمان .. رجل مسن شارف عمره على المئة عام ، لكنه ما زال يحتفظ بكامل قواه العقلية وقوته ونشاطه وحيويته ، من الاخطاء التي ارتكبها سليمان ــ الذي له مكانته بين أهله وبين أبناء مجتمعه ـــ انه تزوج اثنتين .
الزوجة الأولى كانت – عين الله عليها – ابنة الأصل والحسب والنسب، فهي ابنة العم ، وأم أولاده وبناته ، ورغم أنه كان سعيدا معها خلال فترة زواجه بها ، إلا أن بعض الأصدقاء من أصحاب النفوذ في الحي، وبعد ٢٧ عاما من زواجه الأول أقنعوه بالزواج من إحدى الفتيات التي قدمت للتو إلى المنطقة للعيش مع والديها، على اعتبار أن زواجه الثاني سيعزز من مكانته، وسيصبح هو صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في المنزل ، وسيتمكن من العمل والسيطرة على أسرته بعد أن يضرب الزوجة الأولى وابنائها مع الزوجة الثانية وابنائها ، وبذلك ينعم هو بالراحة، فيما تقضي الزوجتان واولادهما جل وقتهم في صراعات وخلافات دائمة ، مما يمكنه من فرض سيطرته على جميع الأطراف المتنازعة التي سيصيبها الضعف والوهن من كثرة النزاعات وشدتها ، وهذا الأمر أيضا يوفر له الوقت للاهتمام بنفسه والاستمتاع بحياته والتمتع بالخيرات وحده ، والأهم من كل ذلك سيبقى مطلبا للطرفين المتنازعين .
بعيدا عن مصلحة الزوجة الأولى ، زواج ( المصلحة ) تم ، وبالتأكيد (خلفت) الزوجة الثانية البنين والبنات ، وصار عند سليمان أولاد من أم قاسم ( الزوجة الأولى ) ، واولاد من أم كامل ( الزوجة الثانية ) ، واصبحوا فيما بعد يعرفون بين الناس باسم ( ولاد الضراير )….
قرر سليمان أن يقسم الأملاك بين الأبناء ، فأعطى (أبناء أم قاسم ) الأراضي الزراعية ، ومنح ( أبناء أم كامل ) حق استثمارها وزراعتها وبيع منتوجاتها ، مقابل أن يدفعوا لأبناء أم قاسم مبلغا مقطوعا نظيرحراستهم للأراضي التي يستثمروها.
في البداية ظن أبناء أم قاسم أن هذه القسمة عادلة ، بأن تبقى الأرض باسمهم وتعود ملكيتها لهم ، وأن يبقوا هم أصحاب الكلمة الفصل فيها ، وأن يبقى أبناء الضرة( أم كامل) دون ملك لهم ، لأنهم أبناء الجديدة والأملاك والأراضي من حق الزوجة الأولى التي هي بالأصل بنت العائلة ، وصاحبة الأحقية في الملك ، فهي أرض الآباء والأجداد التي ورثتها عنهم .
إلا أن أبناء الزوجة الأولى ( أم قاسم ) اكتشفوا أن المتحكم الفعلي في الأرض ليسوا هم ، إنما أبناء الضرة ( أم كامل ) ، الذين يتحكمون في نوع الزراعة ، ويتجبرون ويتأخرون في دفع ما يترتب عليهم نظير حراسة أبناء (أم قاسم ) للأرض ، ورويدا رويدا أدركوا أنهم أصبحوا يقعون تحت رحمة أبناء ضرة أمهم في تحصيل حقهم من الأموال التي يجنيها أبناء الضرة ( أم كامل ) من خيرات أراضيهم وملكهم ، وهم يملكون قوشان الأرض فقط ، وباتوا يعملون حراسا عند أبناء الضرة، الذين يستغلون الأراضي ويتحكمون بها دون أن يملكوها ..
وبدأت المشاكل تتفاقم بين “أبناء الضراير” ، وتعظم كل يوم ، أبناء الأولى يطالبون بالحفاظ على حقوقهم كونهم أصحاب الأرض الأصليين ، وأبناء الثانية يطالبون بانتزاع حق حراسة الأراضي من أبناء الأولى ، ويطالبون ويضغطون على والدهم بمنحهم حق التسلح ، والتدريب على استخدام السلاح لينتزعوا حق الحراسة من أبناء الضرة .
أما موقف سليمان من كل هذه الأحداث والمشاكل والصراعات الدائرة بين أبنائه ( أبناء الضراير ) ، نجده في غاية السعادة ، ويسعى كلما هدأت الصراعات الى نكشها عن طريق حلفائه ، لتأجيجها بين أبناء ضرة على أبناء الضرة الأخرى، وهكذا حتى يبقوا في حالة صراع ونزاع مستمر ، وينعم هو بالاستقرار .
لا أعلم لماذا كلما أقرأ خبرا عن ما يعرف ب (جدية ) محاربة جميع أشكال الفساد، ومكافحة الفساد والفاسدين في بلادي ، وكيفية (الإنتقائيه ) في إختيار الفاسدين لإيصال رسائل موجهة وعميقة ، تهدف الى تحجيم وتهميش فئة على حساب فئة أخرى ، أتذكر قصة سليمان ، وحيثيات النزاع القائم بين (ولاد الضراير) والصراع فيما بينهم ..
كعادته ، في كل مرة يتنازل فيها ( أبناء الضراير) يجلس سليمان تحت شجرة البطم ، ويستمتع في رشف كأس الشاي بالنعناع ، وهو ينظر الى زوجتيه وأبنائه وهم يتنازعون فيما بينهم ، هؤلاء يملكون المال وحق الاستثمار ، وهؤلاء يملكون قواشين ملكية الأراضي ، وهو سعيد بأنه ما زال مطلبا لدى الطرفين المتنازعين ، تماما كما رسم له حلفاؤه منذ اثنين وسبعين عاما ..
Jaradat63@yahoo.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى