وقفة قانونية مع جريمة تعكير صفو العلاقات مع دولة اجنبية

وقفة قانونية مع جريمة تعكير صفو العلاقات مع دولة اجنبية
المحامي الدكتور حازم سليمان التوبات

بدأية فإن جريمة تعكير صفو العلاقات مع دولة اجنبية هي من الجرائم التي ينص عليها قانون العقوبات في المادة 118/2 التي جاءت تحت عنوان الجرائم الماسة بالقانون الدولي حيث تنص هذه المادة على ” يعاقب بالاعتقال المؤقت مدة لا تقل عن خمس سنوات من أقدم على أعمال أو كتابات أو خطب لم تجزها الحكومة من شأنها أن تعرض المملكة لخطر اعمال عدائية او تعكر صلاتها بدولة اجنبية او تعرض الاردنيين لاعمال ثأرية تقع عليهم او على اموالهم . وقد تم النص على هذه الجريمة كذلك في المادة 3/ب من قانون منع الارهاب التي تنص (تعتبر الأعمال التالية في حكم الأعمال الإرهابية المحظورة :‌ب. القيام بأعمال من شأنها أن تعرض المملكة لخطر أعمال عدائية أو تعكر صلاتها بدولة أجنبية أو تعرض الأردنيين لخطر أعمال ثأرية تقع عليهم أو على أموالهم (. ثم جاءت المادة 3 من قانون محكمة أمن الدولة لتنص على أن الجرائم التي ترتكب خلافا لاحكام قانون منع الارهاب تدخل في اختصاص محكمة أمن الدولة.
بتحليل نص المادة 118/2 من قانون العقوبات ونص المادة 3/ب من قانون منع الارهاب نجد أن الاختلاف بين النصين يكمن في أن المادة 118 من قانون العقوبات تجرم (الأعمال أو الكتابات أو الخطب) التي تؤدي إلى تعكير صفو علاقات الأردن مع دولة أجنبية , بينما يجرم قانون منع الإرهاب (القيام بأعمال) من شأنه من شأنها أن تعرض المملكة لخطر أعمال عدائية أو تعكر صلاتها بدولة أجنبية .
ويعني هذا أن نطاق المادة 118 من قانون العقوبات يمتد ليشمل الافعال والخطب والكتابات بينما نطاق المادة 3/ب من قانون منع الارهاب يقتصر فقط على الاعمال دون الكتابات والخطب . ومن هنا فاننا نستنتج أن جريمة تعكير صفو العلاقات بدولة اجنبية لا يعتبر عمل ارهابي ولا يدخل ضمن اختصاص محكمة امن الدولة الا اذا اتخذ صورة العمل دون الكتابات والخطب. فالاعمال تختلف عن الكتابات والخطب ولو كان لهما نفس المعنى لماذا ورد تعدادهم بالتفصيل في المادة 118 من قانون العقوبات وغيرها من المواد.
ومن هنا فأننا نستنتج أن الكتابات والخطب التي من شأنها ان تعكر صفو العلاقات مع دولة اجنبية لا تدخل ضمن نطاق الاعمال الارهابية وبالتالي تخرج عن اختصاص محكمة أمن الدولة وتدخل ضمن المحاكم النظامية.
من جانب أخر فإن موضوع هذه التهمة ومدى ثبوتها لا يمكن النظر اليه بمعزل عن النصوص الدستورية والقانونية الاخرى والمواثيق الدولية التي تكفل حرية التعبير وتجيز الانتقاد للشخصيات العامة عن الافعال التي يقومون بها والمتعلقة بالشأن العام. وفي هذا الشأن يمكن القول ما يلي:
1. المادة 118 من قانون العقوبات التي التي تجرم الاقدام على أعمال أو كتابات أو خطب لم تجزها الحكومة من شأنها أن تعرض المملكة لخطر اعمال عدائية او تعكر صلاتها بدولة اجنبية او تعرض الاردنيين لاعمال ثأرية تقع عليهم او على اموالهم جاءت تحت عنوان (الجرائم الماسة بالقانون الدولي), ويعرف القانون الدولي بأنه مجموعة القواعد والمعايير القانونية التي تنظم علاقة الدول مع بعضها البعض . وتعتبر المواثيق والمعاهدات الدولية من أهم مصادر القانون الدولي. وبالنظر الى احكام المواثيق الدولية فأننا نجد انها توسعت في حماية حرية الرأي والتعبير واجازت انتقاد الشخصيات العامة عند ممارسه مهام عملهم , وبالتالي كيف يمكن لعمل مسموح بموجب القانون الدولي أن يكون مجرما استنادا لمساسه بالقانون الدولي. فحيث نجد في ذلك تناقضا واضحا.
2. اشترطت المادة 118 من قانون العقوبات ان تكون الاعمال والكتابات والخطب مما لم تجزه الحكومة . بمعنى أنه يجب أن يصدر عن الحكومة صراحة ما يشير الى منع القيام بأعمال معينة تتعلق بدول اخرى تحت طائلة مخالفة المادة 118 من قانون العقوبات. وعليه فأن سكوت الحكومة عن اشخاص قاموا بنفس العمل يعني ضمنا موافقتها واجازتها لهذا العمل مما يعني عدم جواز ملاحقة اشخاص اخرين على نفس العمل والا نكون أمام موضوع انتقائية تنفيذ القانون ومخالفة صريحة لنص المادة 6 من الدستور التي تنص على أن الاردنيين أمام القانون سواء. ذلك أنه لو اخذنا هذا النص القانوني على اطلاقة فإن كل من ينتقد اسرائيل أو تركيا مثلا أو يسئ لحكامها فهو يكون قد اقترف فعلا مجرما يستوجب العقاب. ومن هنا وبمفهوم المخالفة فان انتقاد الدول الاخرى وحكوماتها يعتبر مسموحا استنادا لنص المادة 118 من قانون العقوبات ما لم تصدر الحكومة تعليمات صريحة تمنع هذا العمل.
3. ان حرية التعبير عن الرأي هي الاصل استنادا لنص المادة 15 والمادة 128 من الدستور الاردني وبالتالي فإن أي غموض او مرونه في النص القانوني يجب أن تفسر لصالح حرية التعبير لا للقيود المفروضة عليها لان الحق هو الاساس والقيود هو الاستثناء وكما هو مستقر عليه فقهاً وقضاءً فإن الاستثناء يقدر بقدره.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى