وقفة قانونية في اضراب المعلمين / د. حازم توبات

وقفة قانونية في اضراب المعلمين
المحامي الدكتور حازم سليمان توبات
كلية القانون – جامعة جدارا
اجتهد بعض القانونيين بعدم شرعية اضراب المعلميين منطلقين من إن الأساس القانوني والصريح للحق وهو نص المادة 8 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية قد اجازت تقييد ممارسة هذا الحق بموجب قوانين وطنية وإنها أجازت إخضاع موظفي الإدارات الحكومية لقيود قانونية عند ممارستهم لهذه الحقوق. واستندوا كذلك إلى ان المادة 5/أ من قانون نقابة المعلمين تلنزم النقابة بالمحافظة على متطلبات العملية التربوية ورعاية مصلحة الطالب وعدم الإضرار بحقه في التعلم. وقد وضّح هؤلاء القانونيين موقفهم القانوني من إن اضراب المعلميين قد أدى الى تعطيل الحق في التعليم وهو أحق بالرعاية من الحق في الإضراب.
إنني ومع احترامي لهؤلاء القانونينن أرى إن ما توصلوا إليه هو اجتهاد خاطئ وإن تحليلهم لهذه النصوص القانونية هو تحليل مجتزأ لا يراعي جميع النصوص القانونية التي تنظم هذا الموضوع, فالتحليل القانوني للنصوص والوصول بعد ذلك إلى نتيجة منطقية للموضوع مثار البحث لا يكون إلا من خلال تحليل جميع النصوص القانونية المنظمة لهذا الامر والنظر إليها ككل متكامل لا يقبل التجزئية, وإلاّ أصبحنا كمن يحرم الصلاة مستندا الى قوله تعالى ” ولا تقربوا الصلاة”, ويجب كذلك ربط هذا التحليل بالواقع العملي والظروف الإجتماعية المحيطة بموضوع التحليل وهو ما يسمى وفقاً لأساليب البحث القانوني بطريقة البحث القانوني- الإجتماعي ( (Socio- Legal Research Method.
فالعهد الدولي الخاص قد أجاز الحق في الإضراب صراحةً, وهذا موضع اتفاق لا خلاف فيه وأجاز كذلك للقوانيين تنظيمة ووضع قيود عليه وفق إطار المشروعية, وفي ظل مجتمع ديمقراطي، لصيانة الأمن القومي أو النظام العام أو لحماية حقوق الآخرين وحرياتهم. بمعنى انه لا يجوز لأي قانون أن يحظر الإضراب وإنما تقتصر مهمته على تنظيم ممارسة الاضراب فقط بهدف الموازنه بين الحقوق المتضاربه, وفي الاردن لا يوجد قانون ينظم اضراب الموظف العام من منطلق عدم الاعتراف بهذا الحق أصلا.ً
أما نص المادة5/أ من قانون نقابة المعلمين فلا يجوز الإستناد اليه بمعزل عن نص 7/2 من الدستور ونص المادة 4 والفقرة (ه) من المادة 5 من قانون نقابة المعلميين. فالمادة 7 من الدستور تنص على ان كل اعتداء على الحقوق والحريات العامة أو حرمة الحياة الخاصة للأردنيين جريمة يعاقب عليها القانون. اما نص المادة 4 من قانون نقابة المعلمين التي تبين مهام وواجبات النقابة فتنص على ان “تعمل النقابة على تحقيق الاهداف التالية :-
أ – الارتقـاء برسالة المعلم ومهنته وتطويرها والمحافظة على أخلاقياتها وتقاليدها .
ب – الإسهام في رفع المستوى العلمي والثقافــي والاجتماعي للمعلم .
ج – المحافظة على حقوق المعلمين وكرامتهم.
د -تأمين الحياة الكريمة للمعلمين وعائلاتهم في حالة التقاعد والعجز والشيخوخة والوفاة.
ونصت الفقرة (ه) من المادة 5 من قانون النقابة بأن تلتزم النقابة باللجوء إلى الاساليب المشروعة في تبني مطالب المعلمين وخاصة الحوار.
فالنقابة مطلوب منها بحكم القانون أن تسهم في رفع المستوى الإجتماعي والمحافظة على حقوق المعلمين وكرامتهم وتأمين الحياة الكريمة للمعلمين وعائلاتهم وأن تلتزم لتحقيق هذه المطالب بالوسائل المشروعة مبتدئة بالحوار. وفي ظل الوضع المتردي الذي يعيشه المعلمون, حيث تزايدت أعباء المعيشة وغلت الأسعار غلاءً فاحشاً , وبالتزامن مع الإرتفاع اللامعقول في الضرائب فمن الطبيعي أن يطالب المعلم من خلال نقابته بزيادة في راتبه تحفظ له شيئاً من كرامته وتُغنيه عن ذل السؤال- وخصوصا في ظل البذخ الحكومي اللامبرر في الإنفاق والرواتب الخيالية التي يتقاضاها فئة من أفراد المجتمع استولت على القرار السياسي والإقتصادي والتشريعي وحتى القضائي في حالات معينة- إلا ان هذا المطلب قد تم تجاهله بشكل مطلق من قبل الحكومة مما حدا بالنقابة للدعوة إلى وقفة احتجاجية أمام رئاسة الوزراء كممارسة لحق التجمع المكفول دستوريا وكأسلوب تدريجي في المطالبة بالحقوق. إلا أن الحكومة قد ضربت أحكام الدستور بعرض الحائط ومنعت ممارسة حق دستوري بحجج واهية بعيدة كل البعد عن المنطق والعقل, فأغلقت العاصمة من جميع مداخلها وشلت حركة السير من جميع الإتجاهات بحجة إن الوقفة الإحتجاجية من شأنها أن تعيق حركة السير في منطقة الدوار الرابع, واستخدمت الغاز المسيل للدموع لتفريق المعلمين وقامت باعتقال أعدادا منهم . إن ما قامت به الحكومة بحكم الدستور والقانون هو جريمة متعددة الجوانب; فمن جانب الحريات فقد خالفت النص الدستوري الذي يقول كل إعتداء على الحقوق والحريات العامة جريمة يعاقب عليها القانون , فاعتدت بتصرفها هذا على الحق في حرية التنقل والحق في حرية التجمع , والحق في الكرامة الانسانية , ومن جانب المحافظة على أمن الدولة فقد حرضت على العنف ضد المحتجين وعبثت بالسلم الاجتماعي ودفعت المعلمين إلى إعلان الإضراب المفتوح عن العمل كخطوة تدريجية مشروعة للمطالبة بالحقوق, والتي لم تكن لتحصل لولا العنجهية الحكومية والإستخفاف بكرامة المعلم ورسالته النبيلة فعطلت الحكومة بتعنتها هذا ورفضها الإستماع الى مطالب المعلمين مرفق التعليم والحق في التعلم.
لذلك فإن اضراب المعلمين هو حق يعززه حقوقاّ أخرى كالحق في الكرامة الإنسانية, والحق في عيشة حرة كريمة, والحق في بيئة خالية من الفساد الإداري وعدم العدالة الإجتماعية, وهذه حقوق هي أولى بالرعاية (حسب منطق مجرمي الإضراب حرصا على العملية التعليمية) من الحق في التعلم المدرسي.
toubathazema@yahoo.com

.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى