وزارة الثقافة في الميزان

وزارة الثقافة في الميزان
أ. د. خليل الرفوع

  لقد أتعب الدكتور خالد الكركي – طيب الله عقلَه أدبًا وفكرًا وعروبةً – مَنْ جاء بعده في كل مسارات الإدارة وسراديبها، فكانت أيامه في وزارة الثقافة كواكبَ تَصَّعَّدُ في جوّ الوطن  فتنشر نورها سحائبَ تنتطمُ البلاد ولا تضمحلُّ ، لا ندري في العشرية الأخيرة من عمر هذه الوزارة ، كيف يختار وزراؤها ، ألثقافتهم الموسوعية أم لفكرهم الجدلي أم لأدبهم الرفيع ونظرياتهم النقدية في عالم الشعر والرواية ، أم لقوى الضغط الجهوية المَنْسَفِيَّةِ العاتية التي لا تبقي ولا تذرُ إلا من ارتضت من واسطة لا تُردُّ ! فكان الداخلون الخارجون إليها ثلاثة في عهد الرزاز وحده ، وكم كنا ننتظر من ألسنتهم جملة فصيحة تَلْثَغُ ببيت شعري يتيم تبعدهم عن مواقد الرطانة الحارقة ، فثقافةٌ بلا لسان فصيح لمن اعتلى جذوتها  هي ثقافة ضعفى وهزلى ، وكأن المتنبي يخاطبهم بقوله : فلْيُسْعِدِ النطقُ إن لم تُسعدِ الحالُ ، ذلك مفتتحٌ تاريخي واقعي.
      قد يقول قائل إن الوزارة مسؤوليتها إدارية، والجواب، اِئْتونا بنتائج أقوالهم وأفعالهم غير حضور المهرجانات الطربية والتأبينية وافتتاح المدن الثقافية التنفيعية ، ثم إن قامات المثقفين مفكرين ومبدعين وأدباء جديرةٌ بقامة تطاولهم قربًا وتجذُّرًا وسموًّا، فالثقافة وجه الوطن ولسانه وماؤه ، ولقد تحولت تلك الوزارة التي رُمَّتْ عظامُها إلى هيئة لا تنفع ولا تضر ،أعود إلى السؤال، لمن هذه الوزارة؟ ولماذا تبقى باسم غير جديرة به؟  لم لا تسمى وزارة الاحتفالات( بكل فنونها وأفنانها ) نقدر مسؤولياتها الرعوية الوظيفة(وإن كان ذلك من واجبات ديوان الخدمة المدنية) وجهودها الملحوظة في العطايا و المكافآت للجانها المشكلة بقرارات شخصية ولمجلاتها الخالية من ماء الإبداع إلا من رُحِمَ، وإننا لنشفقُ ُعلى وزرائها المتتابعين من الاستبعاد القسري الذي لا يليق برأس الثقافة ، وهو إشفاق مستتبع بالاستدراك أنه قد قرّ في وعيهم : غير مأسوف على وزارة قد فُرِّغَتْ من باطنها ، وإن كان ما كان فلماذا لا يخرجون براتب تقاعدي مجزٍ ولقب يبقيهم في دوائر الكبار في زمن اللعب الفوضوي .

          ولم يتبقَ من الفعل الثقافي غير الممنهج مؤخرا إلا تخليد الذاكرة التراثية الأردنية رقميًّا، وليكنِ العقلُ الفرنسي هو من يحفظ تراث الأردنيين بعد أن عجزت نساؤه أن يلدْنَ مَنْ يُرَقْمِنُ ما تحلم به الوزارة ! وقد ذكرني هذا الموقف المدهش تبعيةً بشطر الشاعر الحطيئة في مسألة بقاء الخلافة في قريش بُعيد ارتداده ، ” تلك لعمرُ الله قاصمة الظهر”، وما قصمَ ظهرَ الوطن إلا مسؤولون فتنوا بجحور ضباب خربة لمّا يخرجوا منها بعدُ ، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا. وأما النصر المؤزر الثاني، فهو : إدخال الإعلام في مناهج التربية، ولا نعلم في زمن الثرثرة ، أإعلامًا كتابيًّا سيكون؟ أم رقميًّا؟  وهل يعطى في خمس حصص كالرياضيات أم في حصة واحدة كالقرآن الكريم ! مساكين أبناؤنا الطلبة، لقد أضحوا مطايا لفرسان الثقافة في زمن ما بعد العولمة، والسؤال لمعالي وزير الاقتصاد الرقمي، ألم يأنِ لك أن تدخل الثقافة الاقتصادية الرقمية منهاجا مقررا ! فما صاحبك الإعلامي بأحق منك فيها ، وفي الطلبة فليتنافسِ المتنافسون.

      الثقافة حراك معرفي في عمق الوطن قلبا وأطرافا وتسمو بالإنسان فكرا ومعرفة وفلسفة وفنونا وأدبا ولغة وجمالا دون قولبة ذلك في خطة خمسية افتراضية وهمية، ستموت برحيل واضعها، ثم عن أي ثقافة وطنية تتحدثون، وماذا بقى من هذه الثقافة وأين هي ثقافة الهنود الحمر في أمريكيا؟! ودعوا عن ألسنتكم الثقافة التراثية المُتْحفية أكانت مادية أم غير مادية التي أصبحنا نعدها من أيام  الزمن الجميل ، إنها ليست إصدارات تلقى على قارعة الرفوف لا يقرؤها إلا من كتبها، وإن شئتم فاقرؤا ما أصدرته مدن الثقافة مما يسمى دوواين ورسائل جامعية ،لقد أضحت الوزارة بإصداراتها ومدنها الثقافية ومهرجاناتها وسيلة للأعطيات وبعثرة الشيكات وإدخال من لا يستحق مع من يستحق فتشابه الكُتّاب علينا، ولقد كانت الوزارة  سببا في الرفع والخفض وتقديم المؤخر وتأخير المقدم، ولم تستطع خلق حالة  إبداعية لمريدي الثقافة ليسكنوا إليها، ثم أين هي من البوادي والقرى والمواهب في المدارس والجامعات، ولعلها لا تريد ذلك ولن تسعى إليه، ولِمَ لا تسعى لدمج هيئات استعراضية محاكاةً لفعل الحكومة من الدمج المزعوم ، وبعد فلا ندري في أي ميزان توضع الوزارة كي يُعرَف وزنُها بعد أن صدئت المكاييل ، وكفى برغائها مناديا .

مقالات ذات صلة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى