تقرير أمني / يوسف غيشان

تقرير أمني

بناء على توجيهاتكم ، سيدي ، فقد شرعت منذ الأمس بمراقبة الظنين (ي . غ ) مُتسلحاً بنصائحكم الملهمة ،وملتزماً بإرشاداتكم العبقرية في التعقب عن بعد ، وأبين لكم هنا ، سيدي ، تفاصيل مراقبتي الدقيقة للظنين ( ي.غ ) في اليوم الأول:
في بيته الكائن في مادبا – حي العزيزات – الدخلة الأولى على اليمين بعد متحف الآثار ، خرج (ي.غ) في السابعة وثلاث دقائق صباحاً يحمل مجموعة من الأوراق والكتب المشبوهة ، مرتدياً فلدة مهترئة وحذاء شاهدته في البالة قبل سنوات ، تابعته ، سيدي ، حيث سار باتجاه كراجات ( مادبا – رغدان ) ، انتظرت قليلاً وانتظمت في الدور على سبيل التمويه حسب إرشاداتكم سيدي ، بعد نصف ساعة جاء دورنا في الركوب ، تمكنت من الجلوس في الكرسي المحاذي للظنين ، حيث أمعنت النظر في الكتب والأوراق التي يحملها ؛ فعرفت منها كتاباً بعنوان ( الطاغية ) وهو دراسة فلسفية لصور الاستبداد السياسي ، كما هو مبين على الغلاف .
منذ دخول ( ي. ) إلى جوف الباص ، فتح الكتاب ، وبدأ يقرأ غير آبه بالآخرين ثم فتح دفتره ، وصار ينقل الجمل والعبارات ، وقد تمكنت سيدي من نقل جميع ما دونه ( ي.غ) في دفتره بفضل الشفرة السرية التي تم تدريبي عليها من قبلكم سيدي .
وهذه هي العبارات مسجلة على التوالي :
• كل سلطة مفسدة ، والسلطة المطلقة مفسدة مطلقة .
• موقف الطاغية هو موقف ذلك الذي يقطع الشجرة كي يقطف ثمرة .
• المواطن المهزوم هو الذي يعتقد انه لم يولد إلا ليجر عربة الإمبراطور .
• ليس للطغيان صورة واحدة ، فمتى استغلت السلطة لإرهاق الشعب وإفقاره ، تحولت إلى طغيان أياً كانت صورته .
• الشرطي الذي يتجاوز حدود سلطته ، يتحول إلى لص أو قاطع طريق ، كذلك كل من يتجاوز حدود السلطة المشروعة سواء كان موظفاً رفيعاً ام وضيعاً ام شرطياً ، بل ان جرمه يكون أعظم إذا صدر عن عظمة الأمانة التي عهد به إليها ! ” انتهى الاقتباس .
في رغدان نزل الضنين من الباص متمهلاً ، حيث تابعته وهو يتسكع أمام الأكشاك ثم اشترى ثلاثة سندوتشات فلافل بمزيد من الشطة وابتلعها أثناء تسكعه .
تابعته سيدي ، حتى صل إلى سرفيس عبدلي ( 7) حيث انتظم مرة أخرى في الدور ، فانتظمت معه . بعد نصف ساعة جاءت السيارة وكاد يفلت مني لأنه كان الراكب الخامس والأخير فيها ، ولكني دحشت نفسي ( راكباً زيادة ) دون ان يشعر احد . كان وجهه جامداً طوال الطريق إلى ان مر السرفيس من جانب العمارة ( السكنية ) التي تتشرف بوجود مكتبكم فيه سيدي . وقد لاحظت شبح ابتسامة باهتة ترتسم على براطمه هناك ، وخلته ينظر إلى شباك زنزانة رقم (13) سيدي .
نزل في الموقف الأخير للسرفيس ، واتجه صاعداً من عند عمارة البنك العربي ، وتجاوز الإشارات الضوئية ثم دخل إلى عمارة شاهين وولج إلى مكتب مجلة الأفق ، فدخلت دون ان يشعر بي أحد حيث جلس على مكتب من بين أربعة مكاتب في غرفة ضيقة ، سيئة التهوية ، بينما يجلس المدير الإداري ، وهو شخص أصلع بالغ ( التكشير ) حتى وهو يلعب شدة مع الكمبيوتر في غرفة واسعة .
هنا انقلبت شخصية ( ي.غ ) رأساً على عقب ، سيدي ، كان يضحك بشكل مهووس وغير مبرر بالنسبة لي ، لكن معظم الموجودين كانوا يشاركونه هذا ( التحشيش ) غير المهذب ، كتب قليلاً ، ولكنه قضى معظم وقته متجولاً بين المكاتب ، مطلقاً نكاتاً بذيئة – دون اعتبار لوجود النساء – أو تعقيبات سليطة تدل على سرعة بديهة مجنونة .
سيدي ، في الرابعة وسبع دقائق حمل ( ي.غ ) أوراقه وخرج من المجلة ، فتابعته حيث قام بذات تفاصيل الصباح – بما فيها ساندويتشات الفلافل، ولكن بشكل معكوس ، مع فارق بسيط هو انه نام طوال الطريق فتابعته ، فإذا به يذهب مباشرة إلى بيتي أنا ، في حي العزيزات الدخلة الأولى على اليمين بعد متحف الآثار ، حيث داعب قطتي على الباب ، ثم دخل وألقى أوراقه وألقى السلام على زوجتي وداعب ابنتي المشاكسة ( نيروز ) ، ثم أشعل ( نارجيلة ) وانبطح أمام جهاز تلفزيوني . لاستغرابي كانت زوجتي وابنتي والقطة يعاملونه وكأنه أنا.
في الليل ، اتجه إلى غرفة نومي – مع زوجتي ونمنا.
هكذا سيدي انتهى تقرير تعقب الظنين ( ي.غ) في اليوم الأول .
المخبر الصادق
يوسف غيشان
من كتابي (شغب) لصادر عام 1993

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى