
الغريق و القشة
كثير من الأشخاص يقولون لك : لجأتُ لفلان لأنني مثل الغرقان الذي يتعلق بقشّة ..! وهنا مربط كل افراسنا و أحصنتنا و بغالنا و حميرنا ..كيف نتعلق بقشّة و أنت تعلم أنها لا تجدي نفعاً ..في حالة الغرق الحقيقية يكون هناك غياب للعقل و التفكير و المنطق و يكون التخبّط هو صاحب الولاية عليك ..فتعلقك بقشة مبرر ولكنه يؤدي بك إلى الغرق الحتمي ..!
كيف نصل في اشتباكنا اليومي مع الحياة وتفاصيلها إلى أن نتعامل مع المحيطين بنا و المسؤولين عنّا ؛ باعتبارنا غرقى و باعتبارهم (قشّاً) ..؟؟ ونحن في أزهى لحظات استخدام العقل ..وفي تجليات وجود المنطق ..؟ والعقل يقول لك : أنت ميّتٌ على أية حال..؟ وهل الميّتُ يخشى البلل..؟؟!
عندما أرى الناس وهي تلهث هنا ..وتركض هناك ..من أجل اللحاق بالقشة التي ستكون حاسمة في كتم الأنفاس ..أشعر بأننا نضيع عن ألف عمدٍ وقصدٍ و برويّة كاملة..! عندما أرى الجموع تلهج باسم ظالميها و قاتليها و مغتصبي حقوقها ؛ أتأكد أن الأوطان ستهرب منّا مليون مرّةٍ في اليوم ..!!
عندما نصرّ إصراراً عجيباً على استحضار (القشّة) ولا نريد غيرها وسط غرقنا اليومي ؛ فنحن بأنفسنا نطلب أن نموت ..نطلب ألاّ نكفّن وألاّ يكون لنا (قبر) يليق بوجعنا اليومي ..وحتى لا يليق بالموت نفسه ..! فكلّ شيء له وجهان قبيح و جميل ؛ حتى الموت له وجهان ؛ فلماذا نصرّ على اختيار الوجه القبيح للموت باسم القشّة التي لا تنقذ غريقاً ولكنها (تقصم) ظهر البعير ..؟!
للخروج من دوامة الغرق و القشّة علينا أولاً أن ننتفض على كل القشّ و نحرقه ..وأن نجيد السباحة و بعدها سنعرف كيف نسترد الأوطان من الشط المجهول ..!