السعي وراء السعادة
كلّنا يُفتّش عن تلكَ الكلمه في قاموس الحياه ، من منّا لا يريد ان يكون سعيداً؟ ، وما يجري مع الانسان من أحداث وروتين في يوم واحد كفيلٌ بتفجير رأسهِ وزياده ، الشهاده والراحه الجسديه والأموال والجاه ابداً لا تجلبُ السعاده ، ما فائدة المال اذا كان القلبُ معلّقاً بسهمٍ في البورصه وما فائدة أن يكون البيت واسع والنفسُ ضيّقه ؟، ما فائدة الجسد السليم والروح في نزاعها الأخير مع ملذّاتٍ كاذبه ؟ ، ورفاهيّةُ العيش لا تسمنُ ولا تغني من سعاده ، اذاً كيف اكونُ سعيداً ؟
قبل اسبوع سألتُ فقيراً هل أنتَ سعيد ؟ فأجابني بفطرته : ” والله لقمة حلال وراحة بال أحسن من قصور وأموال والبال مش فاضي ” ، والبارحه صدمني أحدُ المرفّهين في الحياه بعد أن قال لي حرفياً ” أنا زهقت رفاهيه بدي أعيش حياه بسيطه ” وتحدّثَ حزيناً عن حياتهِ المُرفّهه .
قارنتُ بين الاجابتين ثم حاولتُ أن أجدَ سراً لرضا الفقير وكآبةِ الذي تهيأت لهُ ظروفُ الحياه ، هذا الفقير السعيد والذي لا يوجد في بيته الا كيسُ الخبز وحباتُ البصل ورائحةُ الزيت ، يصحو قبلَ قبلَ الشمس عائداً مع مغربها ليحصلَ على بضعِ دنانير تكفيهِ لأن يواجه الموت بحكمه ، ينامُ بملابس العمل ومع أحلامهِ يغفو الشقاءُ في فراشه ، يعتقدُ بأن أولادهُ مصابون بفقرِ الدم بسبب التقلّبات الجويّه، ولعلهُ في يومٍ مختلف وجدَ فسحةً في الحياه ليشتري قطعةَ ملابس مستعمله لزوجته تكفيهم رومانسيه ووجبة شاورما فاسده لأولاده تكفيهم بذخاً وتَرفا .
أما صاحبنا الآخر وقد تذوّقَ كل أصناف العيش الرغيد ، يملُّ من هنا فيسافرُ هناك ، مركبتهُ الجميله وبيتهُ المُطل وجوازُ سفرٍ يحوي انسانيتهُ ، أطفالهُ من حوله لا يتذمرون من قلة المصروف وسوء الأحوال ورقعِ الثياب ، ملابسهم جميله هواتفهم ثمينه عطرهم جذّاب، الحليبُ في الثلاجه والثوبُ في الخزانه والمصروفُ على الطاوله والألعابُ في كل مكان ، أجسادهم غنيّةُ بالعناصر والأملاح المعدنيّه ، يمارسون هوايتهم التي يحبونها وهم يعلمون جيداً بأن للفقير هوايه وهي ممارسةُ الحياه كي لا يموت جوعاً .
السعاده ليست في كنوز كسرى ولا في قصر عبد الملك بن مروان ولا في حدائق قرطبه ولا في بساتين الزهراء ، السعاده ليست في مليارات بيل غيتس ودماغ اينشتاين وشُهرة أنجلينا جولي وطائرات الوليد بن طلال ، السعاده سلوةُ خاطرٍ بحقٍّ يحمله وانشراحُ صدرٍ لمبدأٍ يعيشه وراحةُ قلبٍ لخيرٍ يكتنفه .
لا بد من خلوه مع الله وأن نحدثهُ بأمور حياتنا، فكلما وثقنا به وتقرّبنا اليهِ كلما ملأ حياتنا سعاده وكلما تنحّينا عن ربوبيّته بكذبة الحياه تصبحُ سعادتنا هزيله وتعاستنا وفيره ، تُغرينا هيئةُ الحياه وقناعها الجميل عجوزٌ شمطاء بأقل مصيبه تنتظرنا سرعان ما تظهرُ على حقيقتها .
لكلِّ انسان مهما كانت ديانته : السعاده يجمعها شيءٌ واحد وهو أن يُرجّح الانسان كفّة الروح على كفة الجسد ، ولا تكالُ سعادةُ المسلم الّا بروحٍ ساميه تجلسُ كثيراً مع الله .