وفاة بطل من أبطال الكتيبة (الرابحة)

سواليف

انتقل إلى رحمه الله تعالى فجر الأربعاء، المناضل الجندي الحاج “إسماعيل علي الزيدانين السعودي”، الذي أمضى خدمته العسكرية مدافعاً عن ثرى الأردن وفلسطين كأحد ضباط الكتيبة “الرابعة – الرابحة”، في الجيش الأردني.
وكان الراحل الزيدانين أحد جنود الجيش العربي المصطفي الذي كان يقوده المشير الراحل حابس المجالي، حيث كان المجالي أول قائد عربي يتسلم الكتيبة الرابعة التي أطلق عليها الملك عبدالله المؤسس الكتيبة “الرابحة” لأنها ربحت كل المعارك التي خاضتها في فلسطين.
وقتل أفراد الكتيبة الرابعة عدد كبير من جنود قوات الاحتلال على أسوار القدس وباب الواد واللطرون وعمواس.
وتقاعد “اسماعيل علي الزيدانين السعودي” عام 1964 ورفض أخذ معلوليه رغم الثلاث إصابات في المعارك، وذلك وفق ما قاله نجله النائب السابق الدكتور محمد الزيدانين السعودي.
وسيشيع جثمان الراحل يوم الخميس 6-10-2016 بعد صلاة الظهر في مقبرة العائلة في سحاب بالعاصمة عمان.

*وتالياً مقال كتبه الدكتور مهند مبيضين عن الراحل الزيدانين:
معه تفيض الذاكرة بصدق، يروي تفاصيل أيام النكبة المرة، والمقاتلين والشهداء والأبطال من أبناء الجيش العربي ومناضلي أبناء البدو وشباب الإخوان المسلمين، لا يدّعي بطولة، وتشعر أن كل ما حدث معه كان يقوده للشهادة، لكنه يقول: “إلنا عمر وبدنا نعيشه”.
ذاكرته مثقلة بالقدس، وهي ممتلئة بجراح الزمن والصمود، وقلة الحيلة في اللد والرملة، عسكري لا يتحدث عن العلاقات بين الأردن وفلسطين، ولا يحاول تأصيلها عبثيا لشهوة إرضاء هذا الطرف او ذاك، لكنه يعرف أن أرض فلسطين كانت قطعة من جسده.
لا يذكر إسماعيل محمود السعود ولادته “على قولهم 1930″، والده علي عبدالله كان تاجر حلال “حطني بالمدرسة لغاية الصف الخامس، وهي مدرسة بناها الأتراك، ولما تخرجت منها في الصف الخامس، أولم أهلي للناس، ولم يكن لهم من حيلة لإرسالي للسلط”.
رتب له والده ذات يوم ليسرح بما تملك العائلة من ماشية “استكثر أن يُحضر راعياً ويدفع له”. لا ينسى ذلك الموقف الذي أثّر فيه “قلت له أنا متعلم وكيف أسرح ونمت على نكد”.
في اليوم التالي (25/12/1945) جاءت سيارة الجيش للقرية “وقفت عند الجامع بجانب المدرسة”، وطلبت مجندين ونادى العريف أحمد هاني، مرافق السيارة، ويومها أخذ السيارة ثلاثة شباب هم حمد يحيى العوران وعودة خليل وعودة سلامة السعايدة، بالإضافة إليه.
كان التجنيد مخرجا له من عالم الرعي والرعاة في بلدة بصيرا، التي يذكر من معلميه في مدرستها عيسى القطاطشة وحافظ العزب وناصر الحمود.
آنذاك كان إقبال أبناء الجنوب على الجيش محدوداً، الطريق لعمان كانت صعبة، وفي المحطة ألقي بالشباب تمهيدا للفحص الطبي “وانتظرنا مجيء الطبيب من لبنان ليفحصنا واسمه تلحوق”.
ذاكرته تُعرّفنا بالأمراض، التي كانت تحول دون التحاق الناس بالجيش؛ فمن يجده الطبيب غير مقبول كان يُرش بـ”البودرة البيضاء”، وغالبا كانت أمراض مثل: التبسط، وقصر النظر، وانتشار الحَب في الجلد، تحول دون التحاق الفرد بالجيش.
تجاوز أبو محمود الفحص الطبي، وكان بعد فتياً “كنت طايح بـ16، وخبرونا بأننا سنذهب للتدريب بالغور، وأعطونا أواعي من دون قيافه، نزلنا للغور، وكان قائد مدرسة التدريب عبدالله التل ومساعده حابس المجالي”.
أنهوا التدريب وأُخبِروا بأنهم سيرسلون لفلسطين “مع علاوة 4 دنانير ونصف بدل غربة”، وكان السفر أولاً لغزة، التي كانت فيها السرية الخامسة وقائدها عبدالحميد الساكت وشاهر المحيسن مساعدا له.
بعد أيام في غزة نُقل إلى حيفا في العام 1946، وهناك سُلِّم مع مجموعة حراسة مصفاة البترول، وبقي هناك نحو ثلاثة أشهر، ومن ثم نقل لحراسة الأسرى الطليان من الحرب العالمية الثانية، الذين أقاموا في مخيم بين عكا وحيفا، وبقي هناك حتى آب 1947.
يذكر التحاق الجندي محمد الحنيطي بالثوار الفلسطينيين واستشهاده “تفجرت سيارة وفيها أسلحة قادمة من سورية، وكنت أنا أول واحد وصلت للسيارة، وإذا بمحمد الحنيطي مع المستشهدين”.
آنذاك بدأ حابس المجالي تشكيل الكتيبة الرابعة بأمر من جلالة الملك عبدالله الأول، وهي الكتيبة الأولى من نوعها، التي تضم أبناء الحضر “فبقية الكتائب من البدو”.
تدربوا بالمفرق، ولم يطل الوقت حتى أُخبِروا بأنهم سيرسلون للدفاع عن القدس، آنذاك يذكر أن الجنود فرحوا بالمهمة “منهم من زغرد، ومنهم من ولع نار وفرحنا”.
الفلسطينيون رحبوا بالجيش العربي بين نابلس و”الجفتلك”، “رشوا الورد والعطر وغدونا برام الله” ووصلت الكتيية الرابعة الساعة الثالثة عصرا، وبعد المغرب، وصلت منطقة اللطرون وباب الواد.
بعد أيام تعرضت الكتيبة للقصف الجوي، وقام الجنود بحفر الخنادق والتحصين، وبعد أقل من شهر أُخبرت الكتيبة الرابعة بهجوم كبير متوقع “لأننا أغلقنا الطريق التي تربط الساحل بالقدس بوادي علي”، وهنا سيكون أبو محمود على موعد مع أول مواجهة مع اليهود.
قالوا في الكتيبة “بدنا اثنين انتحاريين ليتقدموا أمام الكتيبة بكيلومتر، ومعهم مسدس تنوير، ولم نكن نعرف معنا كلمة انتحاري، واخترنا ذلك أنا والجندي سعود عبد القادر”. وسألهم محمود الروسان عارفين شو مطلوب منكم؟ قالا: لا. فقال: أن تطلقوا رصاصة تنوير حمراء عند مشاهدة تقدم اليهود، ومن ثم تنزلقان إلى الخندق.
تسلم من رفيقه سعود الوظيفة “المسدس” الساعة 12 ليلاً، وسمع حركة غير طبيعية وخاف أن يضرب الطلقة، ويظهر أنه لا يوجد يهود و”يقولون عنه جباناً”، ولما تغيرت الحركة ضرب الطلقة “كنت قد أخطأت إذ أطلقت الرصاصة الخضراء محل الحمراء وكانت رُبّ ضارّةٍ نافعة، إذ كشف اليهود أننا قريبون وبدأوا بضربنا”.
تصاعد القصف وبدأت المعركة، وتقدم العدو، و”كان حابس يقول: الخضراء خضرت عليهم، وكان يقصد ويشعر ويثير الحماس ويقول: الموت ولا الدنية”.
تصاعدت المواجهة “والله لا يورجيك، وكل شيء انتهى، الدّب والضرب شرد من شرد وأُبيد من أُبيد من اليهود، وتراكضت الكتيبة علينا وجاء حابس المجالي وقال: انتما عملتما عملا طيبا، ورُفِّعنا فخريا إلى جندي اول”.
استشهد في المواجهة ستة من أبناء الكتيبة الرابعة ومن اليهود “يقال 800 قتيل”، وفي الصباح جاء الناس، وكان هناك مناضلون أردنيون من القبائل، منهم نايل الجازي، كان معه مائة مناضل من الأردن.
من ثم صار الهجوم الثالث، وكان تركيز اليهود على سرية كامل عبدالقادر وسرية عبدالله السالم، واحتلوا سرية كامل عبدالقادر، وانسحب كامل للخلف، ومعه بقية جنوده، وقُتل من عنده ستة أفراد، وسأل حابس عن الانسحاب، واقترح حابس الالتفاف عليهم، وجمّع السرايا كلها، وعملنا التفافا وهجمنا عليهم في “جبل يالو”، ولم يستطيعوا إطلاق أي طلقه وهجمنا، والشاطر منهم الذي شرد واحتلّينا الجبل وطردناهم”.
تُلملم الذاكرة خيوطها في القدس القديمة، ويروي السعودي بشجاعة ما حصل إذ جاءهم أمر بأن تذهب سريّة من الكتيبة الرابعة لتطهير القدس القديمة؛ لأن اليهود رفضوا التسليم.
قائد السرية المُطهرة محمد اسحق هاكوز قال لهم “لكم وجبة سخنة في جبل اللطرون، ومن هناك تتقدمون للقدس، وجاءت السيارات وتحركنا”، وتفقد الجنود السلاح الأبيض والقنابل اليدوية، و”أكلنا لحم عجل، وشربنا شاي بحليب..”.
على باب القلعة التقوا بمحمود موسى العبيدات و”كان عليه تاج برتبة قائد، وقال: يا اخوانا بدي أدلكم لا تفوتوا حارة الأرمن ممكن فيها ألغام، ووزعوا البرنات -وهو سلاح إنجليزي أشبه بالرشاش الكبير- على الخنادق الثلاثة”.
كان سلاح اسماعيل السعودي “برن” ومعه علي بشير الصرايرة وانطلقا زحفا، وكانت المسافة طويلة “لكن علي بشير رفع رأسه، وسمعته يتألم، وإذا بالطلقة بين عيونه مصدرها قناص وعدت إليه ووجدته استشهد”.
وضع البرن وعاد زحفا ليحضر المخازن التي كان يحملها رفيقه علي فوق ظهره، وعاد وركّب مخزناً للرصاص، ونظر فوجد طاقة يخرج منها دخان بسيط وسلط الرشاش عليها.. ومن ثم جاءه الغداء على ظهر واحد سوداني، كان يزحف، وكان الطعام مكونا من “حبة بطاطا مسلوقة وزر بندوره وخبز”.
الساعة الرابعة استعدوا للهجوم بالسلاح الأبيض وشعر اليهود بذلك، وخرج رجل دين يهودي ومعه علم أبيض، ومعه بنت عليها ثلاث نجوم اسمها “ماشا” فرفعوا العلم وأوقفنا إطلاق النار.
دلّته المجندة على قنّاص إنجليزي كان قد ضرب علي الصرايرة، ولجأ إلى المستشفى..”ودخلت مستشفى القدس لآخر سرير، وناديت على واحد اسمه سلامة علي من مادبا، وقلت له من قتل علي بشير موجود ودخلنا عليه، ووضعناه بنقالة، وأخرجناه ولما صرنا بآخر الغرفة نهض وبدأ يقاوم وناديت على سلامة علي، وأمسك الانجليزي بيدي وشدني، وصحت بعلى سلامه فصوّب المسدس إليه وقتله”.
بعدها انتقل إلى اللد والرملة “جرت قرعة وكانت على سريتنا”، فطُلب اليهم التحرك للرملة، وقيل أن هناك مناضلين عددهم 400 موجودون في المطار”.
وذهبوا إلى المناضلين، وجاء رئيس البلدية وحلف عليهم أن لا يأكلوا من أرزاق الجيش و”حضر خرفان طازه”، ومن ثم اشتبكوا مع اليهود حتى “صرفند العمار”.
انتقل المقاتلون إلى اللد، وجاء أديب القاسم “فقال: يا محمود اسماعيل ومحمد عبدالله وصالح هجرس وعبدالعال أحمد بدكم تنجدوا اللد، وتأخذوا السيارة الكمر والصاروخ، وركبنا السيارة، ولما أقبلنا اللد واذا بها منتهية.. وذهبنا إلى مركز البوليس وسكّرناه ورانا، والله أعماهم في “منطقة الصبر” وجدناهم يعدّون حالهم”.
وبدأوا بضرب اليهود ومعهم رشاش برن ولما “لعنا والديهم صاروا يسحبوا المقتولين بالشنكل”، وبعدها بدأوا بقصفنا”. حُصِروا ومعهم عُزّل ونساء وأطفال، في المخفر، انتظروا أياما ولم يأت شيء، وقلّ الماء ونفدت المؤن. وكان معهم عشرات النساء، و”بقينا نقاوم أربعة أيام”.
النساء بدأن يصرخن و”جاء محمود الشربجي، وكنت مساعده، وقال: ماذا ننتظر علينا الانسحاب”. وقطعوا الشيك، باتجاه اللد، وخرجوا بأربعة أسراب، ومعهم نساء وواحدة منهن “نسيت ابنها وحملت المخدة بدلا عنه، وفي نعلين تذكرت أنها نسيت ابنها وصارت تصرخ”.
خرج السعودي ورفاقه والناس من أربعة مسارب وكان معنا دليل من اللد، ولمّا صرنا وسط الذرة بدأ الناس بأكلها من الجوع، وكان هناك فقوس”.
عاد الحاج اسماعيل السعودي للطفيلة بعد الحرب “وصرفوا لي عشرين ليرة”، وكان أهله قد أُخبروا باستشهاده، ومن ثم عاد للكتيبة الرابعة، وبقي فيها مدة عشرين سنة، ومن ثم ترفع ونُقل للخدمة في القدس مرة أخرى، وصار وكيل سرية في القشلة. وبعد ذلك نقل للحرس الوطني في القدس، لتدريب اللواء 26 وكان قد شُكل حديثا من أهل القدس.
في العام 1965 أنهى خدمته، التي استمرت عشرين عاما، وبعد التقاعد براتب 35 دينارا أسس “دكان الجنوب” بجانب قيادة البادية في موقف الجنوب و”الله أكرمنا”.
عاصر الملك المؤسس، وهو بعد أميرا “عملنا له مراسم في ميناء حيفا في العام 1946 وكان مسافرا لاسطنبول”. ويذكر اغتيال مصطفى شكري عشو للملك المؤسس “كان قد كمن للملك الشهيد عند الباب، وكان معه مسدس “أبو نقطة حمرا”، ويحمل سبع طلقات، وهو خاص للاغتيالات”، ويتذكر أيام الملك طلال “كان وطنيا وغيورا”.
زوجته الأولى مفيدة عطاالله الخطيب، كان وكيل لقوة الكتيبة الرابعة ومعه جندي عرف قصة فشل خطبته من بنت خاله، وهو من معان وقال: عندي بنت اخوي بس كبيرة وقلت كم عمرها قال 14 سنة، وكان ابوها قد قُتل مع الثوار، وعمها يخدم معنا، واسمه عطية عبدالقادر المعاني، وزوج أمها كان عزت يوسف، فذهبنا إليه، وقال: انتم جايين مشان البنت لاسماعيل، وأنا موافق، وطلبت سيارة من القدس، وأخذتهم لعمان، ولما رأيتها قلت بدي إياها “يا اخوي كانت حلوة وخفت تطير من إيدي”، وطلبت أمها خمسين ليرة لقاء تربايتها، وقلت “ما بدي يقلبوا عليّ، ونزلت وأحضرت المأذون من عند درج خرفان، وأتيت بسدرين بقلاوة، وأعطيت القاضي باكيت سلفانة، ولوح صابونة، وسأل إذا كانت البنت صغيرة، ولما رآها وشاهد صحتها وافق”.
أنجب من الحاجة مفيدة تسعة أولاد؛ محمود درس الهندسة في اليونان، وعلي درس الطب، ومحمد درس الهندسة في أميركا، وأحمد درس الهندسة في جامعة فيلادلفيا، وعبدالله درس إدارة أعمال، والمقدم سليمان، وهو طبيب في الخدمات الطبية، تخرج من بريطانيا والبنات سهام وسهى ومها.
لما تُوفيت أم محمود في العام 1995 كان عمره 64 عاما، وبعد عشرين يوما تزوج من السيدة الحاجة أسماء الحراسيس، وهي داعية في مجال الدين.

عن خبرني – محمد ساهر الطراونة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى