
مساء الخير أيتها البلاد
تعبرين سن الكهولة
وما زالت يداك عصيتين على التغضن
وجيدك لما يزل من ورق ريحان ونعناع أودية.
تعبرين يومك الأول بعد السبعين عاما
وأنت تزدانين بجمال جدات عصبن رؤوسهن بعصب سوداء
وتركن ” الشنابر ” و “الملافع ” تلتصق إلى النحور بعرق الشرف والكبرياء ،
تركن حمرة الشماغ تورد الخدود ،
وخضرة الوشوم تحت الشفاه تقود الحدائق إلى حيث تستقي من رضاب موشى بتراتيل ” الغياثات” : يا الله الغيث يا ربي ، تسقي زريعنا الغربي ” .
تعبرين يومك الأول بعد السبعين عاما وأنت ممشوقة القوام
يتكئ على عصاك أبناؤك اليافعون وقد انحنت قاماتهم من حمل أوجاعك وما ناءت بها ظهورهم ولا أكتافهم التي نذروا لحمها لجياع اختلس قوتهم زمرة نهمين لم يذوقوا طعم ” الكراديش ” ولا استمعوا للحون الرعاة في سهول حوران وسفوح جلعاد .
عامرة بالقمح “كواراتك” ،
وبالماء عامر ” زير ” الحوش يرشح ماء زلالا ما كان أجدادنا ليتقاسمونه مع عدو طامع بمائنا وشجرنا وإرثنا القديم ولا فكروا لحظة برمي حجر في قاع بئر روت عطشهم وتقاسموا ماءها : دلوا لهم ودلوا لأغنامهم ولم ينسوا نصيب الطير والنحل في ” الجرن ” الحجري ، فمن خزّنَ الماء بالجرن مثلهم ،ومن سوّر الأرض بالحبّ حتى ربَت وظلّ تينها عصيًا على الطامعين؟
تعبرين يومك الأول بعد السبعين عاما وقد حزت أعناق محبيك سكاكين كانت تصون الكرم وتؤدب الذئاب ذات زمن بعيد وباتت نصالها اليوم بأيد لا تفرق بين النعاج وبين الدجاج .
تعبرين يومك وإنا لعاشقوك المفتونون بشعرك الأشيب وخطاك الوئيدة وانحناءة ظهرك المحببة وأنت تتكئين على أسوار أرواحنا ونتكئ نحن على عكاز قلبك الأخضر . نسندك وتسنديننا باحثين عن سند لنا لن يكون سوانا في زمان السقوط أيتها العالية.
………..
كتبت هذه المادّة في الذكرى السبعين لاستقلال البلاد .